مكاسب عديدة حققتها مشاركة الرئيس عبدالفتاح السيسي في قمة الاتحاد الأفريقي الثلاثين بأديس أبابا ، وجاءت النتائج لتتوج جهوده الحثيثة في الملف الأفريقي ، حيث ترأس السيسي قمة مجلس السلم والأمن الأفريقي في ضوء تولي مصر رئاسة المجلس لشهر يناير.. كما أذاب الرئيس التوتر في العلاقات المصرية السودانية ، حيث التقي بنظيره السوداني عمر البشير في أديس أبابا ، وأكد علي خصوصية وقوة العلاقات بين البلدين وعمق الروابط التاريخية التي تجمعهما علي كافة المستويات ، فضلا عن حدوث انفراجة كبيرة في ازمة سد النهضة، كما أثمرت سياسة السيسي المنفتحة علي القارة عن اختيار مصر بالاجماع رئيسًا للاتحاد الأفريقي للعام القادم ، لتواصل دورها في الدفاع عن القضايا والمصالح الأفريقية بشكل فعال في مختلف المحافل الدولية. بالاضافة إلي اختيارها عضوا دائما في لجنة التغييرات المناخية. منذ أن تولي الرئيس عبد الفتاح السيسي مهام منصبه ، فتح صفحة جديدة في ملف العلاقات المصرية الإفريقية ، واجتمعت إنجازات القمة الأخيرة مع اخري سبقتها، لتؤكد نجاح سياسة مصر الخارجية ، التي اعتمد الرئيس خلالها علي عودة مصر إلي محيطها القاري ، بعد سنوات طويلة تراجع خلالها دورها الريادي في أفريقيا ،وقلت فاعلية وسائل تواصلها مع دول القارة ، التي شعرت بعضها بأن القاهرة تتجاهلها ، وهو الأمر الذي فتح الباب أمام دول أخري سعت لأن تحل محلنا ، مما جعل عودة مصر للتواصل مع دول القارة مهمة صعبة ، قرر الرئيس أن يخوضها بحماس بمجرد توليه منصب الرئاسة ، وقام بوضع رؤية مختلفة وبذل جهودا مضاعفا لإعادة العلاقات من جديد ، بهدف استعادة دورنا الريادي في القارة السمراء ، فبدأت العلاقات المصرية – الأفريقية تشهد تحولات جذرية ، بعد أن أصبحت علي رأس أولويات الأجندة السياسية المصرية ، حيث قام الرئيس بالعمل علي عدة محاور لتحقيق هذا الهدف الإستراتيجي ، فقام بزيارات مكوكية مكثفة للعديد من الدول الأفريقية ، ليعيد ضخ الدماء في شرايين العلاقات ، ولم تكن الزيارات تهدف إلي إعادة الدفء فقط ، بل شملت اتفاقات تعاون وتنسيقا حول مختلف القضايا ، كما حرص الرئيس علي المشاركة في المؤتمرات والقمم الأفريقية المختلفة. زيارات الرئيس كانت أولي زيارات الرئيس السيسي في أفريقيا لغينيا الاستوائية للمشاركة في القمة ال 23 للاتحاد الأفريقي في يونيو 2014 ، ليصبح أول رئيس مصري يزور هذا البلد ، وعقد خلال الزيارة قمة مع رئيس الوزراء الأثيوبي ، واتفقا علي استئناف مفاوضات سد النهضة مرة أخري.. وفي طريق عودته إلي مصر بعد انتهاء أعمال القمة قام بزيارة السودان. وتلتها زيارته لإثيوبيا للمشاركة في أعمال القمة ال 24 للاتحاد الأفريقي التي عقدت في أديس أبابا في يناير 2015 ، وأعلن خلالها عن دعم مصر الكامل لدول أفريقيا.. ولم تكن هذه الزيارة هي الوحيدة لأثيوبيا ، حيث تكررت الزيارات في مارس 2015 ، ثم يناير 2016 للمشاركة في القمة الأفريقية ال 26 ، جدد خلالها تأكيده علي حرص مصر علي مواصلة العمل مع الدول الأفريقية لضمان توافر الموارد اللازمة لتنفيذ برامج ومشروعات التنمية الاقتصادية والاجتماعية. وكان قد سبق هاتين الزيارتين زيارة للخرطوم شهدت التوقيع علي وثيقة اعلان المبادئ لسد النهضة الأثيوبي مع الرئيس السوداني عمر البشير وهيلاماريام ديسالين رئيس الوزراء الأثيوبي ، وعقب انتهاء مراسم توقيع الوثيقة ، توجه السيسي في نفس اليوم إلي العاصمة الأثيوبية أديس أبابا ، والتقي بالرئيس الأثيوبي »تشومي« ورئيس الوزراء « ديسالين « لإجراء مباحثات تتعلق بتعزيز العلاقات الثنائية في مختلف المجالات ، وزيادة التعاون التجاري والاستثماري ، كما ألقي كلمة داخل البرلمان الإثيوبي. وجاءت زيارته السابعة للعاصمة الرواندية «كيجالي» في يوليو 2016 للمشاركة في أعمال القمة الأفريقية ال 27. تنوعت جولات الرئيس ، وشملت العديد من دول القارة ، ففي شرق أفريقيا قام بزيارة رسمية لأوغندا في ديسمبر 2016 تلبية لدعوة من رئيسها «يوري موسيفيني» لبحث سبل تعزيز العلاقات الثنائية في مختلف المجالات ، والتعاون في تحقيق التطلعات التنموية والاقتصادية للدولتين ، تلتها زيارته للعاصمة الأثيوبية أديس أبابا للمشاركة في القمة ال28 للاتحاد الأفريقي ، ووقع خلالها علي الاتفاقية الأفريقية لمكافحة الفساد.. أما زيارته للعاصمة الكينية نيروبي فكانت في فبراير الماضي ، في إطار انفتاح مصر علي أفريقيا في جميع المجالات وسعيها نحو تنمية وتطوير العلاقات مع كافة الدول الأفريقية الشقيقة. اهتمام متوازن وفي إطار انفتاح مصر علي القارة الأفريقية ، اهتم الرئيس السيسي بأن تسير العلاقات بشكل متوازن مع جميع دولها ، ولم يقتصر اهتمامه بدول بعينها ، واتضح ذلك من خلال انتشار جولاته في مختلف دول القارة ، وحرصه علي تعزيز التعاون معها ، وكان من ضمنها زيارته في أغسطس الماضي لكل من تنزانيا ورواندا وتشاد والجابون.. لبحث كيفية تعزيز العلاقات معها ، وتم الاتفاق علي تفعيل التعاون الأمني والعسكري بين مصر والجابون وتنسيق الجهود لمواجهة الإرهاب وما يمثله من مخاطر علي أمن واستقرار مختلف دول القارة الأفريقية والعالم. وفي إطار اهتمام السيسي الشديد بالقارة السمراء لم يكن غريبا أن يكون 30% من زياراته لدولها ، حسبما أكد تقرير أعدته الهيئة العامة للاستعلامات حول زيارات الرئيس الخارجية منذ توليه لمنصبه ، وتؤكد السفيرة مني عمر مساعد وزير الخارجية الأسبق للشئون الأفريقية أن ذلك يعطي دلالة علي استراتيجية الرئيس التي تسعي لاستعادة مصر دورها الريادي في القارة ومحاولة توطيد العلاقات ، وتوضح أن العلاقات في الدول الأفريقية لها سمة وطبيعة خاصة ، حيث إن الزيارات المتبادلة بين رؤساء الدول يكون لها أهمية بالغة ، وتري أن الرئيس السيسي يدرك هذا جيدا ويبذل جهدا ملحوظا وواضحا في هذا النطاق منذ توليه لمنصبه ، وهو الأمر الذي يعكس مدي حرصه علي عودة الدور المصري في أفريقيا بعد أن غاب لفترة ، خاصة علي مستوي الحضور في القمم الأفريقية.. وتقول: بدأنا نشعر بأن مصر استعادت وزنها الأفريقي ، ونلمس ذلك في التعاملات مع الأفارقة وأثناء المؤتمرات. وتشير إلي أن زيارات السيسي لمختلف الدول الأفريقية تعد توجها مهما ، لأن تدعيم علاقتنا بجميع الدول الأفريقية وعدم قصرها علي دول حوض النيل فقط له أهمية كبري ، فكل الدول يجب أن تكون علي نفس درجة الأهمية. العودة للاتحاد كان مجلس السلام والأمن التابع للاتحاد الأفريقي قد علق عضوية مصر في الاتحاد بعد ثورة يوليو 2013 بسبب تقدير خاطئ لم يتفهم وقتها أنها ثورة شعبية بكل المقاييس ، لكن بمجرد تولي السيسي منصب الرئاسة ، نجح في تصحيح الصورة الخاطئة ، وإنهاء التجميد في يونيو 2014 ، ويري السفير أحمد حجاج الأمين العام المساعد السابق للاتحاد الأفريقي أن انهاء تعليق عضويتنا في الاتحاد الأفريقي كان خطوة مهمة جدا ، تم تنفيذها بجهود الحكومة المصرية واتصالات الرئيس السيسي بعد توليه الحكم ، كما استقبل عددا من الرؤساء الأفارقة الذين زاروا مصر ، وتأكدوا أن ما حدث ثورة شعبية حقيقية.. ومن جانب آخر يشير حجاج إلي أن السنوات الأخيرة شهدت توطيد العلاقات الاقتصادية بين مصر والدول الأفريقية ، حيث إن عضوية مصر في الكوميسا تسمح بوجود منطقة تجارة حرة ، وتبادل السلع والخدمات بدون تعريفة جمركية مما أدي إلي زيادة كبيرة في الصادرات المصرية ، كما زادت الاستثمارات المصرية في القارة ، خاصة في أثيوبيا والسودان والكاميرون وكينيا وغيرها من الدول ، علي الرغم من إحجام رجال الأعمال المصريين في السابق عن الاستثمار في معظم الدول الأفريقية.. ويشدد علي أن تدعيم العلاقات الاقتصادية له أهمية كبري لا تقل أهمية عن توطيد العلاقات السياسية ، ويوضح أن السيسي يسعي لتحقيق ذلك ، ويظهر هذا في حرصه علي استضافة قمتين مهمتين في شرم الشيخ ، هما قمة الاستثمار لأفريقيا ومصر والعالم ، وأخري للدعوة لإنشاء منطقة تجارة حرة في أفريقيا تضم كل المناطق الجغرافية التي تتواجد فيها مناطق تجارة حرة بحيث تشمل كل المناطق في أفريقيا. استعادة العلاقات التاريخية ويلقي د. حسن صبحي عميد معهد الدراسات والبحوث الأفريقية بجامعة القاهرة الضوء علي مراحل تطور العلاقات المصرية الأفريقية ، ويقول: كان لمصر دور ريادي في عهد الرئيس الراحل جمال عبد الناصر ، لكن بدأ هذا الدور في التراجع بشدة منذ محاولة اغتيال الرئيس الأسبق حسني مبارك ، فقد أصبحت مصر شبه منفصلة تقريبا عن افريقيا في هذه الفترة ، وهو ما أدي إلي ظهور دول أخري مثل إيران وتركيا علي الساحة الافريقية ، خاصة في تنزانيا. ويضيف: لكننا بدأنا العودة مرة أخري لوضعنا في القارة الأفريقية عندما تولي الرئيس السيسي ، وبدأت تتحسن العلاقات خاصة بعد أن نجح السيسي في وضع استراتيجية لآفاق التعاون المشترك وبدأ في تنفيذها.. ويري صبحي أن أبرز هذه الآفاق مكافحة الارهاب ، والتعاون الاقتصادي والثقافي ، لأنهما يظلان صلة ثابتة بين الشعوب مهما حدثت أي خلافات ، كما أن التبادل الثقافي يعد أبرز القوي الناعمة لتحسين العلاقات وحل أي مشكلات قد تتواجد علي الساحة مع أي دولة ، ويواصل: غير أننا ما زلنا نفتقد الكثير من الاهتمام بالجانب الثقافي حتي الآن.. ويوضح عدة طرق لزيادة التبادل الثقافي منها استضافة مصر لمجموعة من طلاب دول أفريقيا سنويا مثلما تستضيف اتحاد الطلاب العرب ، وإعداد برنامج ثقافي ورياضي وترفيهي لهم ، وهذا سيكون له دور كبير في التواصل بين الشعوب ،بجانب نشر مقالات أسبوعية أو شهرية للكتاب الأفارقة في صحفنا اليومية والعكس ، وذلك لتقريب وجهات النظر وتبادل الثقافات. ويشير صبحي إلي زيادة الاهتمام بالتعاون العلمي مع الدول الأفريقية بصورة أكبر ، حيث بدأ رجال الأعمال تخصيص منح للطلاب الأفارقة للدراسة في الجامعات المصرية ، بجانب تدعيم الدولة لبرامج التدريب في المجالات الدبلوماسية والعسكرية والفنية والاعلامية ، وقد زاد عدد الوافدين منهم خلال الأربع سنوات الماضية بصورة كبيرة.. وهو الأمر الذي جعل مصر أكبر مركز لتواجد البعثات الأفريقية علي مستوي العالم ، فأصبحوا يعتبرونها مركزا اقليميا لتمثيل بلادهم في بعض الدول العربية والأفريقية أيضا. ويتمني أن يكون هناك مزيد من الخطوات لتعزيز العلاقات الأفريقية واتجاه القارة نحو الوحدة والتطوير ، ومنها إصدار عملة وجواز سفر موحدين.