عندي أسباب كثيرة تجعلني خائفا مما هو قادم..فكل مايجري علي الساحة السياسية الآن يدفعني الي القلق علي مستقبل هذا الوطن والذي قد يدفع الشعب الي أن يعلن ضجره بكل تلك الفقاعات التي تملأ الأفق وجميعها تتحدث في كل شيء دون أن تطرح رؤية تصب مباشرة في مصلحة الشعب ومشاكله. كنا نشكو في زمن مبارك من حوارات النخبة داخل الصالونات المكيفة دون النزول الي الشارع وكانت وجهة نظر تلك النخبة هي تضييق آلة النظام القمعية علي تواجدها بين الناس..الآن وقد زال مبارك ونظامه..ماذا قدمت النخبة؟. نعم خرجت النخبة الي ميدان التحرير لتعلن عن نفسها للناس وأمام الكاميرات لكن الشعب ينتظر منها تقديم أحلامه قبل أحلام تلك النخبة والتي ما أن تبدأ تجمعا الا وتتعارك وتنتهي لقاءاتها الي خناقات تفضح عجزا وتكشف عورات. يمكنك هنا أن تلحظ أكثر من مشهد أصاب رجل الشارع البسيط بالاحباط ودفعه الي الاكتئاب قلقا علي مستقبله ومستقبل بلاده..ولنبدأ بالمشهد الرئاسي الذي يتصارع فيه مايقرب من أربعين مرشحا يسعون للوصول الي كرسي الرئاسة ورغم مؤتمراتهم وتصريحاتهم المتناقضة لكنهم لم يلمسوا قلوب البسطاء..فلم يقدموا حلولا للمشاكل الحياتية التي يعانيها الناس..ولم يظهر بينهم من يلتف حوله الناس بعد أن يشعروا أنه منهم يعيش همومهم..المصريون لايتعاطون الفيس بوك أو التويتر لكنهم يتعاطون القلق والخوف من الغد..وقناعة المصريين الآن هي أن الرئيس الذي يريدونه لم يأت بعد لكنهم يرجون الله ألا يكونوا في انتظار ما لايجيء.. هل رأيت كيف فزع مرشحو الرئاسة من ترتيبهم في استفتاء المجلس العسكري علي الانترنت فتركوا مشاغلهم وتفرغوا للتصويت الاليكتروني لهذا الاستفتاء..دون أن يسعوا الي الحصول علي تصويت الشارع. دعك هنا من مفارقة كبيرة حملها تدافع مرشحي الرئاسة لعقد المؤتمرات الفندقية دون أن يسألوا أنفسهم عن احتمالية أن يكون نظام الحكم القادم في مصر برلمانيا وليس رئاسيا فماذا سيفعلون وقتها؟. اذا تركنا مشهد النخب المتصارعة ومرشحي الرئاسة الغائبين عن الشارع الي المشهد الحكومي فحدث ولاحرج..فالحكومة التي قالوا عنها وعن رئيسها أنها جاءت من ميدان التحرير لم تقدم مايشبع الناس فالأداء روتيني باهت يذكرك بأداء حكومات مبارك..فالأمن شبه غائب والاقتصاد خرج ولم يعد وأصبحنا أمام وزراء يعشقون التصريحات وأقاموا داخل ستديوهات الفضائيات وتركوا مصالح الناس وبدأوا في تلميع أنفسهم..هل شعرت كمواطن بأنك أمام حكومة مختلفة عن كل سابقاتها..أليس الأداء الباهت كما هو والتصريحات التي لاتسمن أو تغني لاتزال مستمرة..الشعب لايأكل تصريحات لكنه يبحث عن حلول..يكفيه زيادة الأسعار التي تكويه كل صباح بعد أن زادت أسعار السلع بنسب تجاوزت 20٪ ثم يصدمك تصريح حكومي وآخر صادر عن المجلس العسكري (يناشد) التجار عدم ممارسة الاحتكار وتخزين السلع لرفع اسعارها..بدلا من تدشين حملات موسعة علي الأسواق لضبط السلع المخزنة والأسعار المرتفعة. اذا ذهبنا الي الأحزاب فستجد قديمها الذي عفي عليه الزمن يبحث عن استعادة مايبقيه في الصورة عبر تحالف هنا أو مداهنة سلطة هناك أما الأحزاب الجديدة التي طمعنا أن تملأ فراغا حقيقيا موجودا فهي لاتزال تقيم ندواتها بين الجدران دون نزول للناس في الشوارع للحديث اليهم والاستماع منهم قبل أن يصوغوا برامجهم التي يوزعونها مع صحف الصباح.. ثم تفاجأ بالإخوان يعقدون تحالفا مع أحزاب تم اطلاقها من داخل مقار أمن الدولة في عهد مبارك مثلما كان يفعل الحزب الوطني (المنحل)..دون أن تغير الجماعة أسلوبها. لماذا لم تجذب الجماعة وحزبها الجديد تيارات سياسية وليدة داخل حزبها ولماذا لم يكن هذا التحالف الانتخابي مع قوي ليبرالية او وسطية ولماذا فشل الإخوان في كسب وجوه جديدة الي صفوفها.. ولماذا هذا المشهد القمعي لمكتب الإرشاد ضد من يخرج عن طوع المرشد..حيث الفصل عقوبته مثلما جري مع د.عبد المنعم أبو الفتوح وبعض شباب الجماعة المختلفين مع قرارات مكتب الارشاد..هل أصبح القمع بديلا عن الحوار..ولماذا هذا السباب والشتائم من الاخوان علي مواقع الانترنت لكل من يعارض آراءهم وأفكارهم؟. وأخيرا سوف تحزن مثلي عندما تطالع مايجري داخل المشهد الإعلامي فالصحف مشغولة بمحاكمات أعضاء النظام السابق دون تقديم رؤية لمستقبل مصر فأصبحنا مشدودين الي الوراء الذي سيأكلنا بينما لانعرف ملامح المستقبل أما الفضائيات فلاتزال تبحث عن الإثارة والجديد في فضائح النظام السابق دون انارة طريق لهذه الامة التي نزلت بقدها وقضيضها وضحت بأرواح شبابها من أجل مستقبل مشرق لكن بعد مرور خمسة أشهر علي تنحي مبارك لم ير المصريون جديدا بل المستقبل امامهم يثير القلق أكثر من الاطمئنان والخوف أكثر من الأمان واذا استمر الحال علي هذا المنوال فسوف يكفر المصريون بثورتهم والديمقراطية التي ظنوا أنها قادمة في الطريق..فمن ينقذنا من كل هذا القلق؟.