أظن أننا لم نسمع يوما من يتهم القرآن الكريم بأنه سبب الانقسامات الحادثة بين المسلمين.. أو أن النص القرآني وراء تفرقهم سنة وشيعة وفرقا مختلفة الرؤي.. ولم يلمح أحد ولو بأصبع خفي لآيات القرآن بأنها دعت إلي التناحر بين المسلمين وتكفير بعضهم. ولم يدع القرآن ولو بأسلوب مجازي للتحاور مع خلفاء فجر الدولة بالجزيرة العربية بالقتل وهم بين يدي الله في صلواتهم خاشعين! والتفسير البديهي والمقنع لكل ما وقع عبر التاريخ الدموي بين المسلمين يرجع للفهم البشري وتحيزاته في تأويل النص القرآني والآيات الكريمة بالأهواء والتعصبات الدنيوية..ولم يكن سرا دور العديد من الفقهاء علي مر العصور في ممالأة الحكام ومحاولات كسب ودهم بتفسير بعض آيات القرآن بما يتماشي مع أهواء الحاكم ورغباته الدنيوية العاجلة. وأظن أيضا أنه علي مر العصور الحديثة لم تشهد الدول دساتير تجحف بحقوق البشر وتجعلهم شيعا وقبائل وتضع الحاكم في مصاف الالهه.. وكذا في الحالة المصرية لم تكن الدساتير مجحفة بحق شعبها يوما.. كما أنها لم تكن عائقا يوما أمام استبداد الحاكم وجوره وبطشه بمن يريد..فمنذ الإطاحة بفاروق عام 52 عطل الدستور.. ومع نهاية 1953 تم تكليف جمعية تأسيسية بوضع دستور جديد.. وبالفعل تم إعداد دستور 1954 وقيل إنه دستور مثالي ..ومع ذلك القي رجال الثورة بالدستور المثالي في صفيحة الزبالة واستمروا في سيطرتهم علي البلاد وفق إرادتهم الثورية وبمعاونة فقهاء الدساتير.. ثم مرت البلاد بعدة دساتير كان آخرها دستور 71 وبشهادة العديد من فقهاء الدساتير في مصر كان دستورا لائقا بمصر وربما يحوي نصوصا تقدمية لم تشهدها بلاد أوربا الحديثة..! لكن تكفل نخب الفقهاء الدستوريين بمساعدة الرئيس السادات في إفساد الدستور..فحين أحس بنعيم السلطة أراد تغيير مادة تقييد سنوات الترشح وولاية رئيس الجمهورية..وجاءت عبقرية الشر عند فقهاء الدستور لتخدم الحاكم فأشارت عليه بداية بوضع المادة الثانية التي تنص علي أن مبادئ الشريعة الإسلامية مصدر القوانين ومررت بجانبها مادة تسمح بتولي السادات منصب الرئاسة مددا متتالية وبلا انقطاع ويشاء القدر أن يتم اغتياله من قبل جماعات إسلامية باسم الدين ولم يهنأ بمدده. وتولي نائبه مبارك ليهنأ بها..وبعدما تمكن من الحكم وازينت له السلطة ظن أنه قادر عليها..فعدل في الدستور مرة أخري بمعاونة فقهاء الدستور ليفسح المجال للوريث..ولم يهنأ أيضا واتاها أمر الله بدفع جموع المصريين لخلعه من سدة الحكم في 25 يناير. ولا أظن بعد ذلك أن معركة "الدستور أولا" حامية الوطيس تضمن لنا الديمقراطية التي ننشدها ولا حتي تضمن عدم العبث بالدستور من قبل الحاكم.. وأظن أن كل فقهاء الدساتير في العالم يعلمون تماما أن الضامن لحريات الشعوب والحامي لمنجزاتها بالتأكيد ليس الدستور ولا حتي القوانين علي أهميتهما القصوي في البناء الديمقراطي الحديث..إنما الحامي الحقيقي والضامن للحريات وللدساتير وتفعليها وعدم العبث بها هي دولة المؤسسات القوية بداية من المؤسسات النيابية حتي المجالس المحلية الشعبية..ووعي الشعب بحقوقه هو الضمانة الوحيدة أمام ألاعيب نخب الفقهاء .. ومن كانوا دائما علي مر العصور المحرك الأول للفساد والمزين لكل الشر ولبطش الحكام والمزينين لهم بالاستمرار في الفساد حتي ولو علي جثث الشعوب. رفقا بنا يا فرقاء معركة "الدستور أولا" واقرأوا التاريخ لتتأكدوا إنما يحمي الأمة يقظة الشعوب ووعيها والمؤسسات القوية لاتقاء شر النخب ياسيدنا!