لأن »الإعلام« صار المحرك الأول للأحداث علي مستوي العالم، كان من الطبيعي أن تتجه إليه الأنظار بهدف دراسة وتحليل وتقييم دوره خاصة بعد نجاح الثورة المجيدة في الاطاحة برأس النظام السابق. وما أثارته مختلف الوسائل الإعلامية من ردود فعل صاخبة ومتباينة، ولعل ذلك هو ما حدا بالمجلس الأعلي للقوات المسلحة إلي عقد ندوة »الإعلام: الريادة والتحدي« برؤية علمية واقعية تستهدف تشخيص الحالة الإعلامية، وتحديد سبل النهوض بها، ومن واجبي أن أشهد كأحد المشاركين في هذه الندوة المهمة بأن ما طرح من أفكار، وما أضافه »اللواء مختار الملا«، و»اللواء اسماعيل عتمان« من رؤي ومعلومات مستقاة من عدة دراسات تمت في مصر وفي أوروبا، أفاد في معرفة كيف يستعيد إعلامنا صفة »الريادة« وما تفرضه من تحديات. والتزاما بالمنهج العلمي الذي اتبعته الندوة، أسجل النقاط التالية: أولا: الانفجار الإعلامي: الأسباب والتداعيات: معروف للقاصي والداني ان الإعلاميين تعرضوا علي مدي عشرات الأعوام لضغوط التعليمات، والإملاءات، والملاحقات حتي حاصرتهم تماما الخطوط الحمراء والصفراء وصار معظمهم ضحايا لحالة »الكبت« الذي أطبق علي ألسنتهم وأقلامهم، وبمجرد أن استنشقوا مع الثورة عبير حرية التعبير انطلقوا محطمين كل القيود، متجاوزين كل القواعد فيما يشبه »الانفجار الإعلامي«، واستهوي البعض منهم ما حققوه من انتشار سريع، وجماهيرية مغرية التقطتها »وكالات الاعلان« فساهمت في دفعهم أكثر وأكثر في تبني »الاثارة« بكل أشكالها، فحدث السباق نحو نقل أخبار وحكايات الانحرافات خاصة مع المفاجأة المدوية التي تمثلت في اكتشاف حجم الفساد المريع لأقطاب النظام السابق، وتلهف المواطنون علي معرفة تفاصيلها وخباياها، وقد أغري ذلك العديد من الصحف والإذاعات والقنوات التليفزيونية فلم تعد تعبأ بالتأكد من صحة ودقة الأخبار التي تتسرب أحيانا بحسن أو بسوء نية من بعض الجهات أو المواقع الإليكترونية، وبلغت شهوة الاثارة حدا خطيرا لم تفلح معه الاعتذارات المتتالية عن أخطاء جعلت أصابع الاتهام تتجه إلي الإعلام كمسئول بشكل أو بآخر عن اندلاع حالات الفوضي والانفلات الأمني ومحاولات اشعال الفتنة الطائفية، وتشجيع المطالب الفئوية، وتعطيل عجلة الانتاج إلي غير ذلك من مواقف ومظاهر تسيء إلي أعظم ثورة شعبية ليس في مصر فقط بل في التاريخ الحديث كما أكد الخبراء وكبار المسئولين في مختلف دول العالم. وهكذا دخل الإعلام مأسوفا عليه في قفص الاتهام، وصار من الضروري رسم خريطة طريق يهتدي ويسترشد بها حتي يستعيد موضوعيته ومصداقيته و»ريادته«. ودون الدخول في تفاصيل كثيرة أتصور الخريطة المنشودة كالتالي، وكما ظهرت في توصيات »ندوة الإعلام«: 1 تحرير الإعلام من سيطرة »الدولة«، وسطوة »الاعلان« فلا مجال بعد الآن لبقاء عشرات الصحف المسماة بالقومية، وعشرات القنوات والإذاعات الحكومية (أو الرسمية) تحت سيطرة الدولة، إلي جانب ترشيد التعامل مع الاعلانات، وذلك يستدعي بطبيعة الحال وضع خطة إدارية واقتصادية تجعلها مستقلة بمعني الكلمة دون أي مساس بحقوق العاملين فيها. 2 إنشاء »مجلس وطني للإعلام« مكون من ذوي الخبرة المشهود بها لوضع القواعد المنظمة الكفيلة بتحديد أوضاع الهيئات والقطاعات التي كانت تعمل تحت عباءة وزارة الإعلام، وكذلك هيكلة اتحاد الإذاعة والتليفزيون. 3 تشكيل مجلس أمناء غير حكومي علي غرار مجلس أمناء الB.B.C البريطانية. 4 إصدار قانون تداول المعلومات، حتي يمكن اغلاق طريق الأخبار والموضوعات الزائفة والمغرضة أحيانا. 5 استثمارا لقانون النقابات الخاصة الذي أشارت إليه إحدي التوصيات، أري الاسراع في إنشاء نقابة »الإذاعيين بالراديو والتليفزيون« أو بالمسمي الآخر »الإعلاميين بالإذاعة والتليفزيون« خاصة أن مشروع قانون هذه النقابة تم إعداده من خلال لجنة خبراء وراجعه مستشارون قانونيون كبار ويعتبر مشروعا متكاملا يتطلع الإعلاميون بالإذاعة والتليفزيون إلي أن يتحقق من خلاله حلم النقاب خاصة انه يوضح فيما يوضح سبل الارتقاء بالأداء الإعلامي، ويتضمن »ميثاق الشرف الإعلامي« الذي يضبط قيم الحوار ويوضح معني وأهمية الرسالة الإعلامية الحقيقية. ويمكن من خلال هذه النقابة وشقيقتها »نقابة الصحفيين« تيسير مهمة »الجمعية المدنية المقترحة لمتابعة وتقييم الإعلام« حتي يمكن محاسبة من يخطئ، وإثابة من يحسن. 6 التدريب لرفع مستوي الثقافة والأداء المهني والاستفادة من التكنولوجيا الحديثة. أخيرا بهذه الأفكار والتوصيات أتمني بل أتوقع أن يخرج الإعلام من قفص الاتهام.