كنت قد كتبت في الاسبوع الماضي عن حالة الاحتقان المتزايدة بين أجهزة وزارة الداخلية والشعب، مطالبا بضرورة اعادة النظر في جهاز الشرطة بكامله. والمثير للدهشة ان ما يدور علي صفحات الجرائد وغيرها من وسائل الإعلام من حوار جاد يتضمن اقتراحات محددة. لا أحد يلتفت إليها من أجهزة الداخلية وكأن الأمر لا يعنيها، بل ان الطالب المثالي بكلية الشرطة تباهي مزهوا علي الفيسبوك بقصيدة عصماء من نظمه يهددنا فيها بأنه سيفشخنا! وطالبة كلية الألسن سلمي الصاوي التي اتهمت عناصر من الأمن بتغميتها واقتيادها والتحقيق معها وترويعها، لم يسفر التحقيق عن أي شيء، وهو أمر كان ينبغي ان يحسم فورا، والا فان جهاز أمن الدولة السابق مازال موجودا وحبيب العادلي مازال يحكم البلد! والزميل مصطفي المرصفاوي من المصري اليوم اتهم ضباط قسم مدينة نصر باحتجازه وتركه ينزف، وهناك الواقعة التي كشفت عنها قناة »أون تي في«، وتتهم فيها فتاة ضابطا بالاعتداء عليها وتلفيق التهم لها في احد كمائن المرور. وكارثة قسم الأزبكية حيث يتهم الأهالي ضباط القسم بقتل السائق وتعذيبه.. وغيرها وسوف تستمر هذه الوقائع والارجح انها سوف تتزايد، علي الرغم من ان أمامنا -الشرطة والشعب- فرصة ذهبية لإعادة صياغة العلاقة بيننا، بشرط وحيد هو الاستعداد للحوار، وادراك الطرفين ان الحوار وحده هو السبيل لاستعادة الأمن من ناحية، والكرامة من ناحية أخري. ولعل أهم ما ينبغي ان نتفق عليه وينعقد الاجتماع حوله، هو اننا لا نحتاج إلي استعادة الأمن علي النحو الذي كان قائما قبل الثورة، بل لم يعد مقبولا ولا ممكنا ان نستعيد الأمن إلا مرتبطا بالكرامة الإنسانية، وتغيير أساليب التحقيق ومنع الانتهاكات والتعذيب نهائيا وفي كل القضايا سواء كانت جنائية أو سياسية. لن يسمح احد مثلا بانتهاكات من نوع »كله يركع« والتي قام بها احد الضباط بعد القبض علي شباب يمارسون حقهم في التظاهر السلمي ضد السفارة الإسرائيلية في ذكري النكبة. وبقدر ما نحن الشعب نحتاج إلي الشرطة لاعمال القانون وحفظ الأمن، فإن الشرطة أيضا تحتاج إلي الشعب لنجاح عملها الأساسي الذي ننفق عليه كل هذه الأموال الطائلة. هناك حزمة من الإجراءات المتاحة والممكنة التحقيق إذا خلصت النية، وما يزعج كاتب هذه السطور انها كتبت وقيلت ونشرت بمختلف الوسائل دون ان يعني احد من الداخلية بالمناقشة من الأساس. وخلال الستين عاما الماضية تمت وترسخت صياغة خاطئة للعلاقة بين الشرطة والشعب، علي الرغم من الشعارات الديماجوجية من نوع الشرطة في خدمة الشعب، ثم الشرطة في خدمة سيادة القانون، واخيرا الشرطة في خدمة الشعب الآن بعد الثورة. فأساليب التحقيق المعتمدة علي التعذيب واختطاف الأهالي كرهائن والترويع والتعالي والصلف والفظاظة، أمورر تختلف تماما عن الهيبة وتنفيذ القانون مع الحفاظ علي الكرامة الإنسانية وحقوق الإنسان. وسوف ابادر أولا بالقول ان من حق افراد الجهاز: الجنود والامناء وصغار الضباط مضاعفة أجورهم حفاظا علي كرامتهم، وفي خطة شاملة تستهدف القضاء علي الرشوة وفرض الاتاوات ومافيا المكيروباص »والشرطة عنصر أساسي في المافيا الأخيرة«. وأظن اننا كمصريين مستعدون لتحمل هذا العبء، ولا أحد يجادل في تدني رواتب الجنود والامناء وصغار الضباط إلي حد يحول دونهم ودون الحياة الكريمة، ولا أعتقد ان حالهم أفضل من كثير من المواطنين فيما يتعلق بالعلاج والسكن والتعليم. إلي جانب هذا يمكن بسهولة شديدة استدعاء مئات الضباط الشرفاء -وهم كثيرون-ممن أحيلوا للاستيداع، مع التخلص فورا من الضباط ذوي السمعة السيئة، وأظن أنهم معروفون -إذا خلصت النية- والقضاء علي الظاهرة الجديدة والتي عاني منها الجميع، وهي تأديب الشرطة للشعب من خلال التواجد في أماكن أعمالهم، والاضراب عن أي عمل في الوقت نفسه. والواقع انهم بهذا يقومون بأداء الدور نفسه الذي يقوم به البلطجية. وللقضاء علي الظاهرة نفسها يمكن أيضا تخريج عدة دفعات سريعة من خريجي الحقوق -وهم بالآلاف- بعد تدريبهم عسكريا وامنيا والتحاقهم فورا بالعمل كضباط، كما يمكن فتح الباب لآلاف المجندين الجدد ممن يتطوعون للعمل كمحترفين بأجور جيدة. يمكن التوسع الرأسي والافقي إذن ضمن حزمة متكاملة من الإجراءات والخطط القصيرة والبعيدة المدي لانقاذ جهاز الشرطة الذي تم تخريبه -لنعترف بهذا- مثلما تم تخريب جهاز أمن الدولة، وهو ما استلزم الغاءه -إذا صدقنا ما يقال- وإعادة بنائه. أمامنا معا -الشرطة والشعب- فرصة ذهبية لإعادة صياغة العلاقة بيننا، وعلينا ان نتمسك بها، لتتحول الشرطة من سلخانة للتعذيب والاهانة والحط من الكرامة الإنسانية، إلي شرطة نحترمها ونحبها ونعترف بفضلها علينا. بشرطة ترفع شعارات ثورة 52 يناير باختصار، تحترم اتفاقيات وعهود حقوق الإنسان الدولية التي وقعت عليها الحكومات السابقة. أتمني ان يرد احد علينا -أنا وغيري- ممن كتبوا هذه الاقتراحات من قبل حتي نتقدم خطوة إلي الأمام.. هل يرد أحد؟!