عودة انقطاع الكهرباء في مناطق بالجيزة وخروج كابل محطة محولات جزيرة الذهب عن الخدمة    هآرتس: ترامب يعطي الضوء الأخضر لإسرائيل لضم أجزاء من غزة    200 مليون دولار، ليفربول يجهز عرضا خرافيا لحسم صفقة مهاجم نيوكاسل    رابطة الأندية: بدء عقوبة "سب الدين والعنصرية" فى الدوري بالموسم الجديد    السيسي يوجه بتوفير الرعاية الصحية اللازمة والاهتمام الطبي الفوري للكابتن حسن شحاتة    المعمل الجنائي يعاين حريق شقة في المريوطية    ما الوقت المناسب بين الأذان والإقامة؟.. أمين الفتوى يجيب    الكشف الطبي على 540 مواطنًا بقرية جلبانة ضمن القافلة الطبية لجامعة الإسماعيلية    بمناسبة اليوم العالمي.. التهاب الكبد خطر صامت يمكن تفاديه    نقيب الإعلاميين: كلمة الرئيس السيسي بشأن غزة رد عملي على حملات التضليل    سميرة صدقي: عبلة كامل أفضل فنانة قدمت دور المرأة الشعبية    بدء الدراسة بجامعة الأقصر الأهلية.. رئيس الجامعة والمحافظ يعلنان تفاصيل البرامج الدراسية بالكليات الأربع    «ما تراه ليس كما يبدو».. شيري عادل تستعد لتصوير حكاية "ديجافو"    قبل عرضه.. تفاصيل فيلم بيج رامى بطولة رامز جلال    علاج الحموضة بالأعشاب الطبيعية في أسرع وقت    الداخلية: لا توجد تجمعات بالمحافظات والإخوان وراء هذه الشائعات    برومو تشويقى ل مسلسل "ما تراه ليس كما يبدو".. سبع حكايات ومفاجآت غير متوقعة    محافظ جنوب سيناء يتابع تطوير محطة معالجة دهب والغابة الشجرية (صور)    هل "الماكياج" عذر يبيح التيمم للنساء؟.. أمينة الفتوى تُجيب    رفقة العراق والبحرين .. منتخب مصر في المجموعة الثانية بكأس الخليج للشباب    «المصري اليوم» داخل قطار العودة إلى السودان.. مشرفو الرحلة: «لا رجوع قبل أن نُسلّم أهلنا إلى حضن الوطن»    إلقاء بقايا الطعام في القمامة.. هل يجوز شرعًا؟ دار الإفتاء توضح    حزب الجيل: السيسي يعيد التأكيد على ثوابت مصر في دعم فلسطين    أمانة الشؤون القانونية المركزية ب"مستقبل وطن" تبحث مع أمنائها بالمحافظات الاستعدادات لانتخابات مجلس الشيوخ 2025    كم سنويا؟.. طريقة حساب عائد مبلغ 200 ألف جنيه من شهادة ادخار البنك الأهلي    5 شركات تركية تدرس إنشاء مصانع للصناعات الهندسية والأجهزة المنزلية في مصر    تنفيذي الشرقية يكرم أبطال حرب أكتوبر والمتبرعين للصالح العام    ديفيز: سعيد بالعودة للأهلي.. وهذه رسالتي للجماهير    هندسة المنوفية الأولى عالميًا في المحاكاة بمسابقة Formula Student UK 2025    نموذج تجريبي لمواجهة أزمة كثافة الفصول استعدادًا للعام الدراسي الجديد في المنوفية    هل ظهور المرأة بدون حجاب أمام رجل غريب ينقض وضوءها؟.. أمينة الفتوى توضح    السفارة الأمريكية: كتائب حزب الله تقف وراء اقتحام مبنى حكومي ببغداد    قنا: القبض على شاب متهم بالاعتداء على طفل داخل منزل أسرته في قرية الدرب بنجع حمادي    محافظ القاهرة يكرم 30 طالبا وطالبة من أوائل الثانوية العامة والمكفوفين والدبلومات الفنية    الحر الشديد خطر صامت.. كيف تؤثر درجات الحرارة المرتفعة على القلب والدماغ؟    وثيقة لتجديد الخطاب الديني.. تفاصيل اجتماع السيسي مع مدبولي والأزهري    توجيهات بترشيد استهلاك الكهرباء والمياه داخل المنشآت التابعة ل الأوقاف في شمال سيناء    12 راحلا عن الأهلي في الانتقالات الصيفية    حملات الدائري الإقليمي تضبط 18 سائقا متعاطيا للمخدرات و1000 مخالفة مرورية    ينطلق غدا.. تفاصيل الملتقى 22 لشباب المحافظات الحدودية ضمن مشروع "أهل مصر"    كريم رمزي: فيريرا استقر على هذا الثلاثي في تشكيل الزمالك بالموسم الجديد    تصعيد خطير ضد الوجود المسيحي بفلسطين.. مستوطنون يعتدون على دير للروم الأرثوذكس    أوكرانيا: ارتفاع عدد قتلى وجرحى الجيش الروسي لأكثر من مليون فرد    على خلفية وقف راغب علامة.. حفظ شكوى "المهن الموسيقية" ضد 4 إعلاميين    منال عوض تتابع ملفات وزارة البيئة وتبحث تطوير منظومة إدارة المخلفات    الشرطة التايلاندية: 4 قتلى في إطلاق نار عشوائي بالعاصمة بانكوك    إطلاق حملة لتعقيم وتطعيم الكلاب الضالة بمدينة العاشر من رمضان (صور)    أحمد الرخ: تغييب العقل بالمخدرات والمسكرات جريمة شرعية ومفتاح لكل الشرور    متحدثة الهلال الأحمر الفلسطيني: 133 ضحية للمجاعة فى غزة بينهم 87 طفلًا    رئيس جامعة القاهرة يشهد تخريج الدفعة 97 من الطلاب الوافدين بكلية طب الأسنان    في مستهل زيارته لنيويورك.. وزير الخارجية يلتقي بالجالية المصرية    المجلس الوزاري الأمني للحكومة الألمانية ينعقد اليوم لبحث التطورات المتعلقة بإسرائيل    مفوض حقوق الإنسان يدعو لاتخاذ خطوات فورية لإنهاء الاحتلال من أراضى فلسطين    «تغير المناخ» بالزراعة يزف بشرى سارة بشأن موعد انكسار القبة الحرارية    تعرف على مواعيد مباريات المصري بالدوري خلال الموسم الكروي الجديد    بداية فوضى أم عرض لأزمة أعمق؟ .. لماذا لم يقيل السيسي محافظ الجيزة ورؤساء الأحياء كما فعل مع قيادات الداخلية ؟    بالأسماء.. 5 مصابين في انقلاب سيارة سرفيس بالبحيرة    جامعة العريش تنظم حفلا لتكريم أوائل الخريجين    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



قائد الحرس الجمهوري الأسبق الدگتور محمود خلف في حوار شامل مع »الأخبار«:
القوات المسلحة احتضنت ثوار يناير وحملتهم علي دباباتها وأمنت لهم حياتهم
نشر في الأخبار يوم 15 - 06 - 2011

الحوار مع الدكتور محمود خلف الخبير الاستراتيجي يجهد أي صحفي لأنه أمام بحر معلومات عن تاريخ مصر العسكري ووضعها الاقليمي كأهم دولة محورية في منطقة الشرق الأوسط وافريقيا بخلاف دورها في الوطن العربي والإسلامي.. ولأنه صاحب إرث عسكري يمتد لما يزيد علي 73 عاماً قضاها كلها في التشكيلات الميدانية المقاتلة فكان لابد أن نتحدث معه عن حقيقة العلاقة التي تربط بين الجيش والشعب والتي كانت السبب المباشر في عودة الروح للمقاتلين المصريين ليحققوا انتصارهم الذي أذهل العالم في حرب أكتوبر 3791.. فتحدث واستفاض للتأكيد علي عمق العلاقة التي يحاول بعض الحمقي التسلل إليها في هذه الأيام.
كما تحدث واستفاض كشاهد عيان عما كان يحاك في ديوان عام رئاسة الجمهورية الذي وصفه ب»دوار العمدة« الذي لا يعلو فيه صوت علي صوت »شيخ البلد« ويقصد »الدكتور زكريا عزمي« الذي اتخذ من مهامه المراسمية ذريعة للتسلط فعزل الرئيس المخلوع تماماً عن مجريات الحكم وتحكم في المعلومات التي تصل إليه فلا يصل إلا ما يرضي الرئيس فقط، وأصبح البلد يدار بالتليفون حتي بدا أن الدولة والنظام بدلاً من أن يعملا في خدمة الشعب أصبحا يعملان لخدمة الرئيس وضمان بقائه!! وسرعان ما دبت الهشاشة في هذا الكيان وكان من الطبيعي أن يسقط بفعل ثورة الشباب الذي رفض أن ينصاع إلي شيخ البلد والذين معه!!
في هذا الحوار يكشف لنا اللواء الدكتور محمود خلف الخبير الاستراتيجي علي حلقتين حقيقة العلاقة بين الجيش والشعب ومجريات الأمور في القصر الجمهوري كشاهد رؤية كما يكشف تهميش دور رئيس الوزراء وعلاقة الرئيس السابق بالقوات المسلحة وضمانات حالة الاستقرار التي تعيش فيها البلاد، وفي الحلقة الثانية يحدثنا عن تحديه للنظام السابق عندما وقف بالمرصاد لحسين سالم صديق الرئيس مبارك المدلل ومنعه من الاستيلاء علي أراضي الدولة في الأقصر الأمر الذي كلفه فقدان منصبه كمحافظ للأقصر، وتصديه للإرهاب في الصعيد ورأيه في الأوضاع الحالية والانتخابات وشكل الدولة الذي يبغيه لمصر في الفترة القادمة. في البداية كيف يصف الدكتور محمود خلف المقاتل الفذ والخبير الاستراتيجي الدور التاريخي للقوات المسلحة المصرية في احتضان ثورة 52 يناير؟
بلا شك أثبت التاريخ أن القوات المسلحة هي الأمينة علي الشعب وانتماؤها المطلق للمواطن المصري، وهذا ما كشفت عنه اللحظات الأولي من ثورة يناير عندما هرع العالم وهو يشاهد الجيش المصري والدبابات تقتحم الشوارع وحدثت حالة من الصدمة والرعب سرعان مازالت عندما نقلت الفضائيات ووسائل الإعلام المختلفة صور أول دبابة وقد كتب عليها »يسقط مبارك«.. بل احتضنت قوات الجيش الثوار وحملتهم علي الدبابات في حرية تامة أشعرتهم بالأمان لتعكس بصورة حقيقية الشعار الذي نشأنا عليه أن السلاح الموجود في القوات المسلحة هو درع وسيف للمواطن المصري وهذه هي الحقيقة التي تربينا عليها منذ شرفنا بالانضمام للقوات المسلحة وستظل باقية لتؤكد أن القوات المسلحة هي الأمينة علي الشعب وانتماؤها دائماً للدولة وليس لأي شخص.. وصمت الدكتور محمود خلف برهة واستطرد: يا سيدي هذه هي حقيقتهم فهم خير أجناد الأرض الذين صدق فيهم قول رسولنا الكريم صلي الله عليه وسلم، وهذه أيضاً ثقافتهم التي تؤكد أنه لا تفريط في التراب الوطني ولا نترك لأي حكومة ولا رئيس ولا ملك يقود البلاد إلي التهلكة بأي حال من الأحوال.. وهذه هي الحقيقة التي عرفها الشعب، وربما لا يعرف البعض أن القوات المسلحة المصرية تعتمد أرقي وأرفع أساليب إدارة في العالم، هذا بخلاف أن القوات المسلحة المصرية هي أقوي عاشر قوي مسلحة في العالم كله ولم يكن هذا من فراغ.
وما حقيقة العلاقة بين الشعب والجيش؟
أستطيع أن أؤكد له أن العلاقة بين الشعب والجيش علاقة وثيقة جداً وهذا ما يشهد به التاريخ وعلي سبيل المثال لا الحصر أؤكد أننا بعد حرب 7691 والهزيمة التي حاقت بنا أخذنا قوتنا من الشارع المصري وأصبح الشعب يشد من أزرنا في كل مكان نذهب إليه نجد من يقول شدوا حيلكم البلد أمانة في أيديكم، وأذكر أن كنا عائدين ذات مرة من التدريب مرهقين وتعبانين ومررنا علي رجل كان يقف ب»مشَنّة« يبيع فيها »قتة« من أجل قروش معدودة وما أن رآنا وعلينا علامات الإرهاق حتي ألقي بما تحويه المشنة علينا وقال كلوا من رزق الله وأخذ يشجعنا علي الصمود والتحدي وتلقين العدو درساً نرد به علي الهزيمة.. بالطبع هذا الموقف كان بمثابة رسالة لنا أن نذهب لنموت من أجل استرداد الأرض.. ولم يكن هذا المواطن بمفرده بل كانت السيدات تقتطع من أكلها لتقدم لنا الخبز والطعام بدون مقابل.. وبالطبع هذه الرسائل كانت وقود القوة للجيش ليقدم أعظم ملحمة عسكرية في التاريخ بتحطيم أسطورة الجيش الذي لا يقهر وعبورنا للقناة وحطمنا خط باريف وتوغلنا في سيناء لنسترد أرضنا ولا شك أن هذه الحرب تعكس صور التلاحم بين الجيش والشعب.
وحديثي عن القوات المسلحة هو حديث من القلب كمواطن مصري ومقاتل سابق في القوات المسلحة أمضيت فيها 73 عاماً من عمري كلها تقريباً في التشكيلات الميدانية منذ أن تخرجت في الكلية الحربية عام 46 حيث انضممت إلي قوات الصاعقة وبعد شهور سافرت إلي اليمن وشاركت في حرب اليمن وعدت إلي مصر في أبريل 7691 وتوغلت وحدتنا العسكرية في سيناء وغزة ومنطقة الحشر بسيناء استعداداً لمقاتلة إسرائيل.. كنا نعلم أنها مظاهرة وأن مصر روحها المعنوية عالية في عصر عبدالناصر، ذلك العصر الذي شهد أفضل أيام حياتنا فأنا أنتمي إلي ثورة يوليو وعيوننا تفتحت عليها ومازالت في قلبي تحكمني أنا وأبناء جيلي ومعظمهم الآن هم أعضاء المجلس الأعلي للقوات المسلحة.
الشعب يحفز الجيش
ويستطرد الدكتور محمود خلف الخبير الاستراتيجي بقوله: دخلنا حرب 76 دون أن نعلم لماذا؟! كان لدينا مجموعة كبيرة من القادة المقاتلين عائدين من اليمن، وقامت الحرب بشكل مفاجئ ومُنينا بالهزيمة. ويصمت الدكتور خلف ثم ينطلق بقوله: إن هذه النقطة كانت فارقة والدرس هذا مهم جداً ونحتاجه بشدة حالياً لأن ما يحدث الآن من شكاوي الناس لا يعد قطرة في بحر مما حدث بعد هزيمة 76 فكان ذلك هو الدافع لاسترداد الأرض وأصبح لدينا تصميم عظيم.. وحضرت لقاء مع جمال عبدالناصر عقده مع قادة القوات وطلب منا كشباب إعداد العدة لاسترداد الأرض وصاح فينا »إن ما أخذ بالقوة لا يسترد إلا بالقوة« وكان الأهم شعار »مصر أولاً« وهو الشعار الذي نحتاجه الآن مع الفارق.. فما أشبه الليلة بالبارحة.. فبدا المواطن يخرج من بيته يفكر في مصر أولاً ثم نفسه بعد ذلك وبدا الشعب البطل الحقيقي في هذه المرحلة لأنه وقف بقوة وراء الجيش بالعرق والدم حتي حقق الله لنا النصر وكان دعم ربنا لنا كبيراً.. الآلاف تصيح الله أكبر ولم يكن أحد قد أبلغنا أن نقول ذلك، وطوال 761 كيلو متراً توغلنا في سيناء.. كنا نستشعر الملائكة تحملنا علي المياه لم تحدث خسائر في مرحلة العبور رغم أن التقديرات غير ذلك فأسقطنا خط بارليف بمعدلات غير مسبوقة.. في الثانية ظهراً بدأنا بعد نصف ساعة أصبحنا 01 آلاف مقاتل، الساعة 6 وصلنا 06 ألف مقاتل وفي الثانية عشرة صار عددنا 08 ألفاً من خير أجناد الأرض وفي اليوم التالي عدينا القناة ما يزيد علي 001 ألف مقاتل و002 دبابة عبرنا القناة في مفاجأة أذهلت العالم كله واصطدما بالعدو صباح اليوم التالي فهاجمنا اللواء المدرع بقيادة ابراهام ماندلر ويتكون من 002 دبابة دمرناه تماماً ولم نترك فيها صامولة بجوار أختها.
ومن هنا نبعت ثقافة القوات المسلحة أن مصر أولاً ومصر فوق الجميع وحتي هذه اللحظة القوات المسلحة هي الأمينة علي الشعب والدولة وتحقق الانتصار الذي أذهل العالم.
ويكفي أن نقول إن الأكاديميات العسكرية العليا سواء في الشرق أو الغرب تهافتت علي قواتنا تتساءل كيف حققتم تلك المعجزة.. وكان لي نصيب في عدد من البعثات أهمها في كلية الدفاع الوطني بلندن حيث مكثت فيها لمدة عام وهذه الأكاديمية للقادة وليس العسكريين بل العسكريين المدنيين لكي يتعلموا كيف تدار شئون الدولة الحديثة.. وهناك اطلعنا أيضاً علي نظم الحكم المقارنة في انجلترا وفرنسا والولايات المتحدة وفي دولة محايدة مثل سويسرا، وتعرفنا علي كل النظم السياسية لأن منظومة الأمن القومي لا تعتمد علي القوات المسلحة فحسب وإنما تعتمد علي منظومة أكثر عمقاً وشمولاً.. تعتمد علي المواطن نفسه، وأصبح هو الفكرة الثابتة لأي قوة حيث تكمن قوة الدولة في سيادة القانون الذي يخضع فيه الحاكم والمحكوم إلي نفس القانون.. وهذا هو مفتاح الأمن القومي الذي أدي إلي استقرار ونجاح الشعب الأوروبي.
في بيت الرئاسة
قلت للواء دكتور محمود خلف: كيف بدأت علاقتكم بقصر الرئاسة ومتي؟
فأجابني بقوله: في أغسطس 5991 كلفني السيد المشير بالعمل كبيراً للياوران برئاسة الجمهورية ونفذت في اليوم التالي مباشرة وتوجهت إلي هناك بإرث وتاريخ عسكري يمتد ل03 سنة قضيتها كلها في سيناء في التشكيلات الميدانية المقاتلة، كان آخرها رئيس أركان الجيش الثالث الميداني.. ووضعت هذا الإرث أمامي وأنا ألتقي بالدكتور زكريا عزمي وتعاملت معه كشخصية عسكرية، وحاولت أن أضع حدوداً للتعامل معي فأخبرته أنني مكلف بمهمة رسمية كلفت بها من قيادتي العسكرية وسأنفذها علي أكمل وجه وليس لي أي اتجاه من الاتجاهات.. واستطرد الدكتور خلف: كنت واضحاً معه من البداية وقصدت وضع مسافة بيني وبينه من اليوم الأول هو يفهمها جيداً.. وهي مسافة عمل عسكري حيث إن كبير الياوران يعمل في ديوان رئاسة الجمهورية له مهمة محددة تنطلق من أنه ممثل القيادة العسكرية في ديوان رئيس الجمهورية وممثل لديوان الرئاسة في القيادة العسكرية وهو مسئول عن نقل التعليمات والأوامر والرؤي ولا يجوز لرئاسة الجمهورية الاتصال بالقوات المسلحة إلا عن طريق كبير الياوران الذي يعتبر أيضاً المسئول عن البروتوكولات العسكرية التي تشمل الزيارات والحفلات العسكرية.. أمضيت في الياوران عامين بعدها كُلفت بالعمل قائداً للحرس الجمهوري.
دور الحرس الجمهوري
قلت: هناك أسئلة كثيرة تدور حول دور الحرس الجمهوري ومهامه وهل هو لحراسة الرئيس وولاؤه كله منصب علي رئيس الجمهورية؟!
فبادرني بقوله: إن قيادة الحرس الجمهوري منظومة بالغة التعقيد ودائماً ما يكون قائدها من قادة التشكيلات الميدانية الذين لهم خبرة عميقة في المشاكل العملياتية وخبرة في مسائل الإنذار والوقاية.. وقيادة الحرس الجمهوري هي قيادة من ضمن قيادات القوات المسلحة تسلح من القوات المسلحة وتدرب فيها ومرتباتها من القوات المسلحة وهي وحدة عسكرية مخصصة لمهمة شأنها شأن قيادات الجيش المختلفة التي تصب في الأول والأساس علي أمن وسلامة البلاد.
واستطرد الدكتور محمود خلف إن مهمة قوات الحرس الجمهوري لا تنطوي فقط علي حراسة الرئيس، وإنما يخصص جزء من مهامها لهذا الغرض بالإضافة إلي عدد من الموضوعات المحددة أهمها الحفاظ وتأمين المنشآت الاستراتيجية ومقارات حكم الدولة ونظم اتصالاتها السرية بالغة الحساسية، وكذلك الحفاظ علي كل موجودات الدولة ووثائقها السرية في أماكن الحكم سواء في قصر عابدين أو قصر القبة أو رأس التين، وكذلك كل قصور الدولة تكون بمثابة عهدة للحرس الجمهوري بطول البلاد وعرضها، وكذلك تأمين الأهداف الاستراتيجية القومية.. كما تعني قوات الحرس الجمهوري بتأمين رئيس الدولة وضيوف الدولة بمرتبة الرئيس ولا يخفي علي أحد أن هذه المهمة جسيمة فمثلاً جميع المؤتمرات السياسية والدولية التي تعقد بمصر هي مسئولية الحرس الجمهوري من تأمين وحراسة للملوك والرؤساء المشاركين، ولها إمكانيات هائلة توفرها لها القوات المسلحة التي تعمل من خلالها قوات الحرس الجمهوري.. ومن بين المهام أيضاً قيام قوات الحرس الجمهوري بتنفيذ خطط العمليات المدربة عليها سواء في الجيش الثاني أو الثالث عن تعرض البلاد لهجوم أو إعلان حالة حرب وهي خطط تتميز بخفة الحركة والإمكانات المتميزة، وهذا الأمر معمول به في كل بلاد العالم وليس بدعة مقصورة علي مصر فقط.
دوار العمدة وشيخ البلد
ولكن ما علاقة سيادتكم كرئيس لقوات الحرس الجمهوري بديوان عام رئاسة الجمهورية، ولماذا كان لقاؤك الأول بالدكتور زكريا عزمي يشوبه الحذر علي ضوء ما ذكرت سابقاً؟
في البداية أحب أن أؤكد أنه بعد تعييني قائداً للحرس هالني ما رأيت في ديوان رئاسة الجمهورية حيث لا يعلو صوت هناك علي صوت زكريا عزمي الذي كان يدير الديوان وكأنه دوار للعمدة! هو فيه الآمر الناهي باعتباره شيخ البلد.. اتخذ من مهامه المراسمية ذريعة للتسلط، وإذا كنت لا أتدخل بصفتي كشخصية عسكرية وليس لي علاقة بما يدور إلا أنني كشخص أعي وأفهم ما يجري حولي اكتشفت أن ما أشاهده ليس له علاقة برئاسة جمهورية بقدر ما هو دوار للعمدة وبه شيخ بلد اسمه زكريا عزمي.
شيخ البلد وعزل الرئيس
ولعل أسوأ ما في النظام وأسوأ ما رأيت أن هذا النظام معزول تماماً بواسطة شيخ البلد عن المعلومات الحقيقية.. كل النظم التي شاهدتها جعلتني أتساءل أين نظام معلومات الرئيس وكيف يحكم؟! ولماذا يختلف نظام الحكم تماماً عما شاهدته في داوننج ستريت أو البيت الأبيض الذي تتحدث فيهما الأماكن لتعبر كيف تدار الدولة.. ولكن ما شاهدته للأسف في ديوان الرئاسة الذي لا يرقي أن يكون إلا عزبة كلها صالونات واحتفالات ونظم المعلومات تعمل بشكل متفرق، وإذا كانت شهادتي هذه الآن فإنما أقولها لتكون دروساً يستفيد بها الرئيس القادم
خدمة الرئيس
وكيف تري ناظر العزبة أو شيخ الخفراء كما تسميه في حقيقة دوره في حجب المعلومات عن الرئيس السابق مبارك مما أثار الفوضي في البلاد ومهد لقيام الثورة؟!
قال الدكتور خلف: لقد شاهد دوار العمدة كمشاهد وليس شريكاً، فكما تعلم أن مهمتي عسكرية لكني كنت أندهش أن يتحكم شخص مثل زكريا عزمي في الرئيس وأن تخول له كل هذه الاختصاصات التي حولته إلي طاغية داخل الدوار فأصبح يقوم بدور شيخ البلد أو الواشي الأكبر الذي أفسد كل شيء في حياة مصر السياسية، ومصر كلها تعلم عنه ذلك وأنه أغلق مفاتيح المعلومات عن الرئيس السابق.. ويبقي السؤال: هل كان الرئيس يعلم ما كان يدور من زكريا عزمي ورضي بحجب المعلومات عنه بل وصبغها باللون الذي يرضي القيادة السياسية.. فإذا كان يعلم فتلك مصيبة، وإن كان لا يعلم فالمصيبة أكبر. وأتساءل لماذا رضي الرئيس السابق مبارك أن يخول كل هذه الاختصاصات في يد زكريا عزمي مما أشعر كل من في الديوان أن الرئيس المخلوع يفرح بما يأتيه من معلومات وقد صبغت بلون واحد يرضي الرئيس وكنت أري في الأحاديث الجانبية أن تشكيل المعلومات يجب أن يتم بشكل يخدم الرئيس وليس الدولة حتي شعرت بأن الدولة والنظام بدلاً من أن يعملا في خدمة الشعب أصبحت تعمل لخدمة الرئيس وضمان بقائه!!!
وما علاقة النظام السابق بالقوات المسلحة وأجهزتها الاستخبارية؟! توجهت بهذا السؤال إلي اللواء الدكتور محمود خلف .
فأجابني: إن ما يحسب للنظام السابق أنه لم يكن قادراً علي التدخل في عمل القوات المسلحة التي كانت مؤسسة بعيدة تماماً ولا يمكن أن يتصل بها إلا عن طريق كبير الياوران أو قائد الحرس الجمهوري فيما يخص القوات.. وكانت تعليماته جيئة وذهاباً من خلال الاثنين الحرس الجمهوري وكبير الياوران، بالإضافة إلي السيد القائد العام للقوات المسلحة.. ولم تكن القوات المسلحة متأثرة بالتخبط الموجود في بيت الرئاسة بل كان عندها نظم معلوماتها الدقيقة والمتوفرة بل كانت ممتعضة تماماً من نظم معلومات الرئيس الذي لم تكن تصله أي حقائق أو معلومات.. وإذا كان هناك من يجد العذر للرئيس في عدم وجود نظام معلوماتي، ولكني أري أن العيب فيه تماماً لأنه لم يضع نظام معلومات شأنه شأن رئيس أي دولة في العالم يجب أن يكون له مجلس خاص به يسمي مجلس المخابرات القومية يتبع له شخصياً ويضم رؤساء الأجهزة الاستخباراتية فتكون العلاقة بينه وبينهم علاقة وطيدة تسمح بالأخذ والرد والنقاش لأن المعلومات التي تأتي متناثرة ومتفرقة لا يمكن فهمها أو الوثوق بها وإنما يجب أن تأتي بأسلوب علمي داخل وخارج، يناقش فيها وتناقش بأسلوب علمي. وأضاف د. خلف أن بعض رؤساء الدول يذهبون إلي مراكز المعلومات والأجهزة المخابراتية ليعرفوا من أين تأتي المعلومة وكيف حتي لا يحدث تلاعب. والولايات المتحدة مثال حي لذلك حيث يوجد في البيت الأبيض مجلس مخابرات قاعدين يقرأوا ويحللوا ويضعوا التقارير أمام القيادة السياسية لأن الرئيس لو لم يملك الوقت يستطيع أعضاء المجلس أن يفيدوه بالنصح والإرشاد خاصة أن هذا المجلس من اختياراته الشخصية برجال يثق فيهم ويثقون فيه.
أحترم هذا الرجل
قلت للدكتور محمود خلف وم:ن باب الثقة من تري في ديوان عام رئاسة الجمهورية من الرجال يستحق أن يثق فيه؟
فأجابني بسرعة: إنني لم أر شخصية متميزة تقول الحقائق في رئاسة الجمهورية غير شخصية الدكتور أسامة الباز فهو شخصية متميزة وفيرة العلم والثقافة يتحدث بجرأة ومتواضع تواضع العلماء وهو الوحيد الذي كان يستطيع أن يتحدث ويتفاهم ويعبر عن نقمه للأوضاع وبالطبع تم إبعاده لأنه كان يقول الحقائق وكلمة الحق وله ذاكرة كبيرة ومتقدة ولكن الصف الثاني في دوار العمدة كان له دوره في حجب المعلومات، وإذا حدث ووصلت للرئيس معلومة ما يكون شغلهم الشاغل ليس حقيقة المعلومة أو التأكد منها وإنما كل همهم من الذي أوصلها وهو ما يشكل خطراً شديداً عليهم.
موظف كبير
قلت للدكتور محمود خلف: إذا كان هذا الأمر في ديوان رئاسة الجمهورية فما هو الحال في مجلس الوزراء ودور رئيس الوزراء في مصر في العهد الماضي؟
ضحك الدكتور خلف وقال: رئيس الوزراء كان في عهد الرئيس المخلوع كبير موظفي الدولة الذي يعمل لدي الرئيس مبارك.. يعمل بالقطعة ولا يستطيع أن يتخذ قراراً بدون العودة للرئيس، إذا لم يمل عليه القرار أصلاً.. لم أر رئيساً للوزراء في عصر مبارك ولكنه كبير للموظفين يعمل في الإطار المرسوم له وتحت شعار »علشان الرئيس مايزعلش« ولتحقيق المثل الذي أراده شيخ الخفراء أن الدولة بكامل قوتها وأجهزتها تعمل من أجل الرئيس وتخدم بقاءه وليس العكس.. ولم يتمكن رئيس للوزراء في عصر مبارك من التصرف كرئيس وزراء باستثناء الدكتور كمال الجنزوري الذي عندما حاول أن يخرج عن الإطار المرسوم له ويمارس اختصاصاته كرئيس للوزراء كان الثمن الإطاحة به مثلما حدث مع كثير من الشرفاء في مصر!!
النظام الهش عجّل بالثورة
سألته: هل كنت تتوقع قيام الثورة وأن تنجح بهذا الشكل؟ وما مقومات استمرار الثورة في المرحلة الحالية؟
فقال الدكتور محمود خلف: من إجاباتي السابقة يمكن التوصل إلي حقيقة مطلقة وهي أن النظام كان هشاً، كان كما قلت آنفاً، دوار عمدة وليس نظام دولة لها أركانها ولو كان نظاماً راسخاً لأمكنه التصدي والصمود ولكن دوار العمدة كان منهاراً من الداخل تسيطر عليه العشوائيات، وهذا يفسر للجميع سرعة سقوط النظام خاصة في ظل الهوة السحيقة التي كانت بينه وبين الشعب.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.