صندوق التأمينات: ضبطها يتطلب جهدا كبيرا ونعتمد علي الشكاوي علماء الدين: تزوير متعمد وحرام شرعاً مئات من حالات الطلاق تشهدها الأسر المصرية بشكل يومي، وبالرغم من أن احصاءات الطلاق السنوية تبدو صادمة للبعض، وفقاً لآخر إحصائية صادرة من وزارة الصحة والسكان فإن مصر تشهد سنوياً نحو 200 ألف حالة طلاق، حتي بلغ عدد المطلقين 710850 ألف نسمة أغلبهم من الإناث بعد رفضهن الزواج مرة أخري حرصاً علي حضانة الأطفال، فوصلت نسبتهن إلي 64.9% من إجمالي المطلقين، مقابل35.1% من الذكور. وربما تكون هناك عشرات الأسباب المعروفة والمعلنة وراء الارتفاع الكبير في عدد حالات الطلاق، إلا أن أحد الأسباب الخفية وراء ارتفاع تلك النسبة في السنوات الأخيرة هي الطلاق الوهمي بين الزوجين للاحتيال علي القانون والاستيلاء علي معاش الوالد أو الأخ، فيلجأ الزوجان للطلاق »بوثيقة رسمية» مع إخفاء الأمر عن الجميع والاكتفاء بتقديمها لوزارة التضامن الاجتماعي، مع الاستمرار في الحياة معاً بورقة زواج عرفي بعد الحصول علي معاش والد الزوجة أو شقيقها، إلا أنه وفي حالات أخري يكون الانفصال رسمياً فيضطر الزوجان إلي الطلاق والعيش بشكل منفصل من أجل نفس الهدف وهو الحصول علي معاش للزوجة، تكون النتيجة تشتيت أسرة كاملة. »الأخبار» حاولت اختراق هذا الملف الشائك، الذي تتداخل فيه أحيانا الأبعاد الإنسانية، مع التحايل علي القانون. لم يكن من السهل مطلقاً إقناع الحالات بالحديث عن هذا الوضع غير القانوني، خاصة أن إثبات هذا الأمر سيعرضهم للمساءلة القانونية، ولكننا حاولنا قدر الإمكان ان نقبل بشروطهم من إخفاء هويتهم ومنع تصويرهم وعدم ذكر أسمائهم كي نتمكن من الوصول لحقيقة قصصهم، وذلك بعد أن تأكدنا من حصولهم علي المعاش بطرق غير قانونية، فسعينا بعد جهد كبير لاقناعهم بضرورة الحديث حتي تمكنا من ذلك. كانت أول حالة قابلناها لسيدة تعدت الأربعين من العمر حصلت علي معاش والدها منذ سنوات عديدة بالرغم من كونها متزوجة، وهو ما أكده لنا جيرانها بعد عدة مقابلات معهم، فتقول»إ، س» احد سكان منطقة الزاوية الحمراء »زوجي يعمل ارزقي وليس له دخل ثابت ولدينا اربعة اطفال وما يتمكن من تحصيله لا يكفي حتي الخبز الحاف، وبالرغم من انني حاولت البحث عن عمل اكثر من مرة كي اساعده في الإنفاق علي البيت إلا انني لم اتمكن من ذلك، فليس لدي اي شهادات تؤهلني للعمل، ولا املك من يتوسط لي في اي من الأماكن، وبالرغم من كل هذا لم ايأس وحاولت العمل خادمة بالبيوت ولكني تعرضت لمشكلات عديدة لم اتحملها، ووجدت انني لن استطيع ان اكمل في هذا العمل فتركته، وكدنا نموت انا واطفالي جوعا من ضيق الحال». حيلة مجربة وأضافت أنها سمعت عن معاش توفره الدولة لمن لا يملك عملا أو وظيفة او املاكا، وكانت جميع الشروط تنطبق عليها وزوجها، ولكن بالرغم من ذلك لم يستطيعا الحصول علي المعاش رغم حصولهما علي فيزة القبض، وسعوا كثيرا لمعرفة السبب ولكنهم لم يتمكنوا من ذلك. وعن فكرة الطلاق أشارت إلي أنها بعد فترة وجيزة اقترح عليها أحد الموظفين بحيلة تمكنها من الحصول علي معاش والدها دون الاضطرار للطلاق من زوجها، وأوضحت قائلة » نصحني الموظف ان يطلقني زوجي رسميا علي الورق، وأن نعيد زواجنا بأوراق عرفية وحينها سوف اتمكن من تقاضي معاش والدي شهريا دون اي مشكلة، ترددت في بداية الأمر ولم استوعب جيدا كلام الموظف، فناقشت زوجي في الأمر وتحمس كثيرا لهذه الحيلة خاصة حين اخبره الموظف ان هناك العديد من الحالات نفذت هذه الحيلة ولم يضرها شيء، ومنذ ذلك الحين من عشر سنوات تقريبا وانا اتقاضي معاش والدي شهريا وليس لدينا دخل سواه، ونحاول ان نخفي هذا الأمر قدر الإمكان كي لا نتعرض للمساءلة القانونية فلا يعلم ذلك سوي اقرب المقربين». فرصة كبيرة أما »م.ه» سيدة تعدت الثلاثين من العمر تعيش بمنزل عائلة زوجها بأحد الأحياء الشعبية بالجيزة، وبالرغم من امتلاك الزوج لعربة »فول» يقتات منها ما يكفيه للانفاق علي عائلته، إلا أنها قررت منذ نحو 4 سنوات الطلاق منه للحصول علي معاش والدها الذي اقترب من الألفي جنيه، مع الاستمرار في الحياة بمنزل العائلة بورقة »زواج عرفي»، تواصلنا معها لتروي أسباب اللجوء لهذا الأمر، فقالت » لم أفكر يوماً في فكرة الطلاق إلا أنه مع غلاء المعيشة وكثرة ضغوطات الحياة بسبب الدروس الخصوصية لأولادي مع عدم كفاية ما يحصل عليه زوجي يومياً، نصحتني إحدي صديقاتي في التفكير في الانفصال للحصول علي معاش والدي». وأضافت: » في البداية رفضت عرض صديقتي تماماً فزوجي رجل بسيط وعطوف جدا مع أولاده وهم في حاجة فعلية له، خاصة أنهم ثلاثة أولاد ولم أرزق بأي ابنة، لذا عادت صديقتي مرة أخري لتعرض علي فكرة الانفصال رسمياً ثم الزواج بورقة عرف للاستمرار معاً وتربية الأبناء فوافقت بعد التفكير ملياً وبدأنا في الإجراءات حتي أنهيناها وحصلت علي معاش والدي للمساعدة في توفير متطلبات أولادي». وحينما سألناها عما إذا كانت لا تخشي أن يبلغ عنها أحد فيُسحب منها المعاش مرة أخري، أكدت لنا أنها تربت في هذا الحي منذ نعومة أظافرها، وأن الجميع يعلمون جيداً ظروفها ومنهم من شجعها علي هذه الخطوة كما أن هناك حالات أخري بنفس الحي تعيش بنفس الطريقة للحصول علي المعاش لذا لن يغدر بها أحد ممن حولها. عشرة عمر عم »رضا خضر» كان حالتنا الوحيدة التي استطعنا التحدث معه بكل صراحة دون اخفاء اي معلومات، رجل يبلغ من العمر 63 عاماً دفعته الظروف إلي الانفصال عن زوجته بعد زواج دام أكثر من 34 عاماً، رغبة في الحصول علي معاش والد الزوجة بعد عدم قدرته علي توفير احتياجات اولاده الخمسة، إلا أنه رفض فكرة الزواج العرفي فاضطر لترك منزل الأسرة نهائياً والعيش وحيداً لبقية عمره، ويروي لنا عم رضا قصته قائلاً: » تزوجت نهاية عام 1978 وكنت حينها شاباً مفتول العضلات متميز في لعبة المصارعة التي اشتهرت في هذا العصر، ومع مرور السنوات رزقني الله بابنة وأربعة أولاد فقررت أن امتهن المصارعة واصبحت من اشهر المدربين بمنطقة حلوان، بجانب عملي في أحد المصانع، إلا أن المقابل المادي لم يكن مجدياً بشكل كبير فقررت السفر إلي دولة اليونان بداية عام 91، وبالفعل كانت سنوات جيدة وكنت أرسل لأسرتي معظم ما أجنيه وعدت عام 2008 ومعي مبلغ من المال بدأت في الاعتماد عليه لتلبية احتياجات أولادي وعلي رأسها إنهاء تعليمهم الجامعي». قرار الانفصال وأوضح عم رضا أنه لم يجد عملاً مناسباً عقب عودته من سنوات الغربة، ومع الظروف التي مرت بها البلاد وارتفاع متطلبات المعيشة نفد كل ما معه من أموال خاصة مع تزويج اثنين من أولاده، حتي أصبحت أسرته في وضع لا تحسد عليه وأضاف » في هذه اللحظة بدأنا جدياً في البحث عن مصدر إضافي للدخل ولم نجد حلاً سوي حصول زوجتي علي معاش والدها وهو ما لن يحدث إلا بالطلاق، فقررنا منذ خمس سنوات وبكل هدوء الانفصال بعد عشرة عمر طويلة، وتركت منزلي لها ولأولادي وانتقلت إلي منطقة أخري حيث وفر لي أحد تلاميذي القدامي منزلا بسيطا لأعيش فيه،وعملت بشكل جزئي علي تاكسي لأوفر مصاريفي اليومية ومنذ ذلك الحين وانا وزوجتي منفصلان وبالرغم من أن الأمر قوبل من أولادنا برفض شديد إلا أنهم استسلموا للأمر الواقع في النهاية. الحل الوحيد ! أما »ت. م» نستطيع أن نقول أنها عروس جديدة فلم يمر علي زواجها عدة سنوات قليلة، بدأت قصتها قائلة » منذ ان تزوجت وانا اعيش حياة مريرة بسبب ضيق حالنا وقلة دخل زوجي، ففي بداية زواجنا لم يكن الوضع بهذا السوء فقد كان زاوجي عاملا بأحد المصانع ودخله معقولا إلي حد ما وكنت راضية بما قسم الله لنا وخاصة انني احب زوجي كثيرا وكنت ارغب في الزواج منه ولكن بعد عامين من زواجنا تعرض زوجي لحادث ارقده وجعله غير قادر علي العمل وهو ما جعل صاحب المصنع ينهي عمله وكنا قد انجبنا طفلا حينها فعدت لا اعرف كيف ادبر وجبة هذا الرضيع الذي لا يكف عن الصراخ من شدة الجوع، وبالرغم من هذا لم اترك زوجي وبقيت معه عامين علي هذا الوضع انجبنا فيهما طفلة اخري، وكنا نعيش علي مساعدات الأهل والجيران». وأضافت وهي تتذكر تلك السنوات »لكن لم تدم تلك المساعدات طويلا وسرعان ما انقطعت وحينها لم اعد احتمل هذه الحياة مطلقا فحتي لو تحملتها انا كيف سيتحملها اطفالي، فقررت الانفصال عن زوجي كي استطيع الحصول علي معاش والدي، وكنت اتمزق وجعا لتركه ولكن ليس لدي اي حلول اخري، وبعد عام من انفصالنا كان زوجي دائما مايرغب بالعودة الأمر الذي يزيد وجعي ولكن ان تركت معاش والدي سأكون بذلك قد جنيت علي اطفالي فرفضت العودة له مطلقا، حتي ان أهداني الحل اخيرا وهو أن نعيد زواجنا ولكن بأوراق عرفية، وحينها سأتمكن من تقاضي المعاش شهريا وانا متزوجة، وبالفعل قمنا بعمل عقد زواج عرفي وعدنا ثانية بعد طلاق عام، وأضافت »اعلم ان هذا الأمر قد يكون غير قانوني ولكن ليس لدينا اي حلول بديلة سوي أن نتجه للسرقة والإجرام أو نموت جوعا». عقوبة رادعة وعقب الانتهاء من مقابلة جميع الحالات تواصلنا مع سامي عبد الهادي، رئيس صندوق التأمينات العام والخاص، والذي أكد أنه لاتوجد بمصر آلية محددة يمكن من خلالها مراقبة مستحقي المعاشات والبحث عن الحالات التي تحصل عليه بطرق ملتوية، نظراً لعدم وجود جهة تمتلك الامكانيات أو الصلاحيات لذلك. وأضاف أنه يتم الاعتماد علي الشكاوي التي تصل لهم ويتم حينها التحرك فوراً لإثبات الواقعة، وذلك بالاعتماد علي تحريات الشرطة، أو البحث عن شهود لوثيقة الزواج العرفي، وفي حالات كثيرة يتم الاتجاه للأحوال المدنية لإثبات وجود طفل عقب فترة الطلاق وأثناء الزواج العرفي. وأكدعبد الهادي أن كل ذلك يعد أمراً صعباً للغاية أيضاً فالبرغم من إمكانية اثبات وجود طفل نتيجة الزواج العرفي فمن الممكن أن يعترض ذووه ويقدموا شكاوي بحجة أن شهادة ميلاد الطفل تثبت النسب فقط وليس الزواج نفسه، وأوضح أنه في حالة اثبات الحصول علي المعاشات عن طريق الزواج العرفي يتم وقفه وتحصيل جميع الأموال التي تم الاستفادة منها مع فوائدها أيضاً. وصمة اجتماعية أكد منير سليمان مسئول المتابعة باتحاد المعاشات، أنه من الممكن أن يصل عدد حالات الطلاق الوهمي للحصول علي المعاش إلي الآلاف من الأزواج، الذين ارتضوا أن يعيشوا بهذه »الوصمة الاجتماعية» وتحت فعل يعاقب عليه القانون مقابل الحصول علي مبالغ إضافية تعينهم علي الحياة، وأضاف أن الطلاق للحصول علي معاش اجتماعي له حالتان، الأولي الطلاق الرسمي وهو أن تطلق الزوجة للحصول علي معاش الوالد أو الأخ علي سبيل المثال، إلا أنها هنا تستقل بمعيشتها لتربية الأولاد بعيداً عن الزوج وهو ما ينتج لنا أسرة مفككة، أما الحالة الثانية فهي »الطلاق الوهمي» ومن هنا يتجه الزوجان للطلاق لإثبات الحالة في التأمينات بوثيقة طلاق رسمية، بينما يتفقون علي إكمال الحياة معاً بشكل طبيعي سواء بزواج عرفي أو غيره.وأشار سليمان إلي أن غالبية حالات الطلاق الوهمي يعود سببها بشكل رئيسي إلي الظروف المعيشية القاسية، خاصة أنها من الممكن أن تتم بعد خروج الزوج للمعاش أي بعد سنوات طويلة من الزواج، فتغير المبلغ الذي كانت تعتمد عليه الأسرة يدفع الزوجين إلي سلسلة من الأزمات والمشاكل تنتهي بالطلاق والاتجاه للحصول علي المعاش بشكل أو بآخر، وأضاف أن علي الدولة التركيز بشكل كبير علي المشكلة الرئيسية هنا وهي »تدهور المعاشات» والتي تصل في بعض الأحيان إلي 10% من قيمة الراتب الذي اعتادت الأسرة الاعتماد عليه. تزوير وتحايل من جانبه يؤكد د. اسامة العبد رئيس لجنة الشئون الدينية بمجلس النواب » ان الحصول علي المعاش بهذه الطريقة محظور في الشريعة وحكمه حكم التزوير، فهو استباحة شئ بغير حق تحججا بضيق الحال وقلة الدخل، كمن يسرق ليحسن دخله او يرتكب اي من الجرائم مبررا لذلك بضيق حاله». ويضيف: »إن الله سبحانه وتعالي أمرنا بالسعي وراء الرزق ووعدنا بأن لكل مجتهد نصيبا، فمن الأفضل بدل البحث عن الطرق غير المشروعة للتحايل علي الرزق، السعي وراء الرزق المشروع الذي احله الله وضاعفه بالبركة، اما التحايل للحصول علي ماليس لنا غير مقبول تماما وتحرمه كل الأديان».