ليس مستغربا ان يكون يوم 91 أبريل من كل عام يوم بهجة منتقصة في إسرائيل فيه بلغت عامه الثاني والستين. فإن سعدت لبلوغها هذا العمر غير الطويل فلابد ان تكون سعادتها متواضعة، ففيه لا تتعدي السلاحف مرحلة الطفولة، واذا شعرت في هذه المناسبة بنقص في بهجتها فهذا امر قد لازمها منذ نشأتها وسيبقي كذلك طالما انكرت حقائق لا تجد سبيلا لمحوها مهما وردت ستينات بعد أخري عليها. ستون عاما وعليهما اثنان، لم يخرج منها الحلم الصهيوني بالشكل الذي صوره واضعوه، ارادوا هم السواد لغيرهم فكان هو كذلك عليهم ولم يجلب الا الأحزان لهم ولمن اراد قدرهم ان يكونوا حولهم. ستون سنة انزلت فيها الي حلبة السياسة الدولية فنون الاستيلاء علي ممتلكات الغير فالمساومة عليها لاعادتها اليهم بمقابل، وفيهم عملت علي تقنين اهلاك من يقاوم دفاعا عن حقوقه المشروعة ونعته بأنه مصدر الشرور كلها. يصف الاسرائيلي »جيلاد اتزمون« قومه الذين عسكروا في فلسطين بالتغافل عن اصول الصراع الذي يعيشون في توابعه فيرددون حججا لا تجد صدي لها الا في خطابهم اذ تتعري من المعاني فور خروجها من الشارع اليهودي. فيتساءلون بتعجب عن الاسباب التي تجعل الفلسطينيين يصرون علي العيش علي ارض اسرائيل بدلا من الذهاب للعيش في البلدان العربية؟ وعما يريدون وقد جئنا اليهم بالماء والكهرباء والتعليم فلم نجد منهم إلا العداء والكراهية؟ يري الرجل ان قبيلته تعجز عن فهم ان اسرائيل قامت علي حساب شعب اخر وعلي اراضيه ومدنه وقراه ومزارعه. وان سكان غزة ومخيمات اللاجئين هم في الاصل اناس طردوا من كل انحاء بلد قامت هي باحتلاله وعملت علي ازالة كل ما يشير الي حضارته ما قبل 84 وطمس ما حدث من تصفية عرقية ومجازر لسكانه الاصليين. وان الاسرائيلي لا يعرف ولا يهمه ان يعرف إلا ما يتعلق بالروايات التي تصف عذابات اليهود متجاهلا تماما تلك التي تصيب غيره. ولا يعي ان تلك الصواريخ التي يطلقها الفلسطينيون علي سيديروت واشكالون ما هي في الحقيقة الا رسائل موجهة من محبوسين إلي الارض التي اغتصبت منهم وإلي غيطانهم ومزارعهم وهي تحمل في باطنها معني واحدا هو.. اننا لم ننس. ويري المحلل الشجاع ان اسرائيل عبرت نقطة اللاعودة ولا تمتلك استراتيجية خروج مما هي فيه الآن مما يجعلها غير واضحة المصير، وان نظرة موجزة الي الحقائق تكفي لتظهر بوضوح سوء حالها الذي تكتبه كل قنبلة تلقيها علي المدنيين الفلسطينيين، ولا يوجد لديها حل عسكري لما تتعرض له من هجمات علي الرغم مما تحدثه حملاتها الانتقالية من خسائر في المدنيين الفلسطينيين وفي قادتهم، وانها في سبيل الي استنفاد تكتيكاتها القاتلة التي ربما يزول بعدها هذا التعنت المستمر، وليس علي الفلسطينيين إلا الاستمرار في الحياة وسوف ينتصرون في النهاية، وعندئذ ستعود إسرائيل في رحلة السقوط الي ترديد اهازيج اضطهاد اليهود المعتادة وابراز تقوقعهم المفرط تجاه آلامهم مع التعامي في الوقت ذاته عن آلام الغير. وهو فارق بين أمرين يمنعهم من فهم معني التعرض للمحرقة وإمكانية تفادي القادمة. فارق يحول بينهم وبين ان يكونوا جزءا من الانسانية. وان تصميمهم علي وضع الغمائم علي اعينهم قد يكون منذرا بتيه جديد يأخذهم مرة اخري الي قدر مجهول يبدو انهم اعتادوا علي العيش فيه.