لو أن هذا القرآن من عند رسول الله صلي الله عليه وسلم فما الذي يجعله يدخل في قضية كهذه؟ لم يطلب أحد منه أن يدخل فيها. وكيف يغامر رسول الله صلي الله عليه وسلم في كلام متعبد بتلاوته إلي يوم القيامة لا يتغير ولا يتبدل بإعلان نتيجة معركة ستحدث بعد سنين؟ وقف الصحابة والمؤمنون الذين عاصروا رسول الله صلي الله عليه وسلم عند عطاء القرآن وقت نزوله فيما استطاعت عقولهم أن تطيقه من أسرار الكون، ومن أسرار القرآن الكريم، فلم نجد صحابيا سأل رسول الله صلي الله عليه وسلم عن معني آيات الكون في القرآن، أو عن عطاءات القرآن الكريم في اللغة، فمثلا لم يسأل أحد عن معني »ألم» أو »عسق» أو »حم» مع أن رسول الله صلي الله عليه وسلم كان يستقبل كثيرين يؤمنون بكتاب الله وكثيرين يكفرون بما أنزل الله، وكان هؤلاء الكفار يريدون أن يقيموا الحجة ضد رسول الله صلي الله عليه وسلم وضد القرآن الكريم.. لم نسمع أن أحداً منهم.. وهم قوم بلغاء فصحاء عندهم اللغة ملكة وموهبة وليست صناعة.. لم نسمع أحداً من الكفار قال ماذا تعني »ألم».. أو »حم».. أو »عسق». كيف يمر الكافر علي فواتح السور هذه ولا يجد فيها ما يستطيع أن يواجه به رسول الله صلي الله عليه وسلم ويجادله.. لقد كانت هذه هي فرصتهم في المجادلة.. ولا شك أن عدم استخدام الكفار لفواتح السور هذه.. دليل علي أنهم انفعلوا بها وإن لم يؤمنوا بها.. ولم يجدوا فيها ما يمكن أن يستخدموه لهدم القرآن أو التشكيك فيه.. ولو أن هذه الحروف في فواتح السور كانت تخدم هدفهم.. لقالوا للناس وجاهروا بذلك. رسول الله صلي الله عليه وسلم - وهو الذي عليه القرآن نزل - فسر وبين كل ما يتعلق بالتكليف الإيماني.. وترك ما يتعلق بغير التكليف للأجيال القادمة.. ويمر الزمن ويتيح الله لعباده من أسرار آياته في الأرض ما يشاء.. فيكون عطاء القرآن متساوياً مع قدرة العقول.. لماذا؟ لأن الرسالات التي سبقت الإسلام كانت محدودة الزمان والمكان.. أما القرآن الكريم فزمنه حتي يوم القيامة.. ولذلك فلابد أن يقدم إعجازاً لكل جيل.. ليظل القرآن معجزة في كل عصر. والقرآن نزل يتحدي العرب في اللغة والبلاغة.. ولكن لأنه دين للناس جميعاً.. فلابد أن يتحدي غير العرب فيما نبغوا فيه.. ولذلك نزل متحديا لغير العرب وقت نزوله.. فقد حدثت حرب بين الروم والفرس وقت نزول القرآن.. وكانت الروم والفرس تمثلان في عصرنا الولاياتالمتحدةالامريكية والاتحاد السوفيتي.. كانا أعظم وأقوي دولتين في ذلك العصر.. وحدثت الحرب بينهما وانهزم الروم.. وإذا بالقرآن ينزل بقوله تعالي: الَمَ (1) غُلِبَتِ الرُّومُ (2) فِي أَدْنَي الْأَرْضِ وَهُم مِّن بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ (3) فِي بِضْعِ سِنِينَ لِلَّهِ الْأَمْرُ مِن قَبْلُ وَمِن بَعْد وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ (4) (سورة الروم) ولو أن هذا القرآن من عند رسول الله صلي الله عليه وسلم فما الذي يجعله يدخل في قضية كهذه؟ لم يطلب أحد منه ان يدخل فيها.. وكيف يغامر رسول الله صلي الله عليه وسلم في كلام متعبد بتلاوته الي يوم القيامة لا يتغير ولا يتبدل.. بإعلان نتيجة معركة ستحدث بعد سنين.. وماذا كان يمكن أن يحدث لقضية الدين كله لو أن الحرب حدثت وانتصر الفرس مرة اخري.. أو ان الحرب لم تحدث وتوصل الطرفان الي صلح؟! إنها كانت ستضيع قضية الدين كله.. ولكن لأن الله سبحانه وتعالي هو القائل وهو الفاعل جاءت هذه الآية كمعجزة لغير العرب وقت نزول القرآن.. وحدثت المعركة فعلا وانتصر فيها الروم كما أخبر القرآن الكريم. ولكن القرآن لم ينزل معجزة لفترة محدودة.. بل هو معجزة حتي قيام الساعة.. والقرآن هو كلام الله والكون هو خلق الله ولذلك جاء القرآن يعطي اعجازا لكل جيل فيما نبغوا فيه.. إذا اخذنا العلوم الحديثة التي اكتشفت في القرن العشرين وأصبحت حقائق علمية.. نجد ان القرآن الكريم قد أشار اليها بإعجاز مذهل.. بحيث ان اللفظ لا يتصادم مع العقول وقت نزول القرآن.. ولا يتصادم معها بعد تقدم العلم واكتشاف آيات الله في الارض.. ولا يقدر علي هذا الإعجاز المذهل إلا الله سبحانه وتعالي.. اقرأ مثلا قول الحق تبارك وتعالي (وَالْأَرْضَ مَدَدْنَاهَا وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنبَتْنَا فِيهَا مِن كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ) والمد معناه البسط.. وعندما نزل القرآن الكريم بقوله تعالي »وَالْأَرْضَ مَدَدْنَاهَا».. لم يكن هذا يمثل مشكلة للعقول التي عاصرها نزول القرآن الكريم فالناس تري ان الارض ممدودة.. والقرآن الكريم يقول »وَالْأَرْضَ مَدَدْنَاهَا».. وتقدم العلم وعرف الناس أن الأرض كروية.. وانطلق الانسان الي الفضاء ورأي الارض علي هيئة كرة.. هنا أحست بعض العقول بأن هناك تصادمات بين القرآن الكريم والعلم.. نقول لهم : قال الله سبحانه وتعالي أي أرض تلك المبسوطة أو الممدودة؟ لم يقل ولكنه قال الارض علي إطلاقها.. أي كل مكان علي الارض تري فيه الارض امامك مبسوطة. إذا نزلت في القطب الشمالي تراها مبسوطة وإذا كنت في القطب الجنوبي تراها مبسوطة.. وعند خط الاستواء تراها مبسوطة.. وإذا سرت من نقطة علي الأرض وظللت تسير الي هذه النقطة فالارض امامك دائماً مبسوطة.. ولا يمكن أن يحدث هذا أبداً إلا إذا كانت الارض كروية.. فلو أن الارض مثلثة أو مربعة أو مسدسة.. أو علي أي شكل هندسي آخر.. لوصلت فيها إلي حافة ليس بعدها شيء.. ولكن لكي تكون الأرض مبسوطة امامك في أي مكان تسير فيه لابد أن تكون علي هيئة كرة. هذا الإعجاز الذي يتفق مع قدرات العقول.. وقت نزول القرآن الكريم.. فإذا تقدم العلم ووصل الي حقيقة لما كانت يعتقده الناس.. تجد أن آيات القرآن تتفق مع الحقيقة العلمية اتفاقاً مذهلاً.. ولا يقدر علي ذلك إلا الله سبحانه وتعالي.