منذ سنوات وأنا انظر بإعجاب للتجربة الصينية في تنظيم النسل والسيطرة علي الانفجار السكاني هناك بقصر الامتيازات الحكومية علي اول طفلين للأسرة بعدهما يكون علي رب الأسرة تحمل تكاليف ما يزيد علي الطفل الثاني من مأكل وملبس وعلاج وتعليم.. كنت أتساءل في نفسي هل تصلح هذه التجربة للتطبيق في بلدنا في إطار منظومة تنمية متكاملة تحسن الاستفادة من الثروة البشرية الهائلة وتحولها إلي مصدر عظيم للتنمية ؟ كانت الإجابة في ذهني تصطدم بالواقع المغاير الذي نعيشه بمفاهيمنا وقيمنا الإخلاقية والروحية المغلوطة. فعلي عكس الصين، تعتبر معظم الأسر في الصعيد والأرياف وبعض الطبقات الموسرة في الحضر كثرة العيال »عزوة»، أما الأسر المنتمية للطبقات الفقيرة فتعتبر كثرة الإنجاب استثمارا جيداً ومصدرا لتعدد الموارد بتشغيل الأبناء. الأسر المتواضعة لا تبالي بتعليم أبنائها ولايزعجهم تسربهم من التعليم رغم انه إلزامي ومجاني، بل قد يشجعون عليه ويدفعون في اتجاهه؛ فهم في كل الأحوال لديهم بطاقة تموينية توفر لهم المنتجات الغذائية الأساسية بسعر معقول وآخر دعواهم طبيب الوحدة الصحية لعلاج الأمراض الطارئة أما الأخري المتوطنة من سوء تغذية وبلهارسيا تنهش أكبادهم فمآلها الاستسلام لإرادة الله. منذ بضع سنوات قريبة تغيرت الأحوال الاقتصادية والاجتماعية في مصر واخذت الامتيازات الحكومية في الانكماش وهي في طريقها إلي زوال فالدعم الذي كان ينعم به كل المصريين آخذ في التراجع وبدأ في التلاشي ورغيف العيش المدعم أصبح بالبطاقة وفي طريقه للتحرر من أسرها. التعليم المجاني ظاهرياً لم يعد كذلك وباتت تكلفته لمن يحرص عليه اثقل من ان تتحملها الأسر الفقيرة وبالتالي لم يعد هناك ما يحفز تلك الأسر علي التمسك به والإصرار عليه لا سيما بعدما اكتشفوا اكذوبة ان التعليم هو الطريق الوحيد للترقي الاقتصادي والاجتماعي وأدركوا بفطرتهم البسيطة الخلل في الميزان الاجتماعي فكم من متعلمين وحاملي شهادات عليا يعانون من شظف العيش مقارنة بأقرانهم من غير المتعلمين الذين شقوا طريقهم للمهن الحرفية او حتي الهامشية، وبعدما صارت السمسرة هي لغة العصر والمال يأتي من الهواء بلا تعب وكد حقيقيين. ولأن الفكرة قديمة لم اندهش من جرأة احدي نواب البرلمان علي طرح مشروع قانون يفترض ان يعرض علي الدورة البرلمانية الحالية يطالب بتحديد عدد الأبناء بطفلين فقط، لكني تعجبت من التوقيت. فما الذي يمكن ان تضغط به الحكومة الآن أو تقايض به أو حتي ان تغري به اصحاب فكرة »العزوة» والاستثمار بالإنجاب بينما هي(أي الحكومة) تتخلي تدريجيا عن مسؤولياتها الاجتماعية ولم يعد لها دور رعوي حقيقي للشعب؟ الدهشة الأكبر كانت من إعلان لوزيري الصحة والتنمية المحلية في اجتماع بحضور المحافظين عن بدء تنفيذ الخطة » الاستراتيجية» المنضبطة للسكان علي مستوي المحافظات بعنوان »تنمية مصر.. طفلين وبس»! وهو مانشرته »المصري اليوم» في أحد مانشيتاتها. الوزيران علّقا تنفيذ الاستراتيجية الجديدة علي النجاح في القضاء علي الأمية وظواهر التسرب من التعليم والزواج المبكر، وعلي تشغيل الفتيات وتوفير »محفزات» للأسر لخفض الإنتاج ( البشري بالطبع) والاهتمام بالبنية التحتية وهي كلها مهام تحتاج أعواماً من العمل الدؤوب ومرهونة بالنجاح في تحقيق تلك الأهداف قبل التمكن من إقناع الأسر بفكرة طفلين وبس. لهذا استهللت المقال بعنوان انها فرقعة في الجو. الأهم ان الوزيرين أشارا إلي ضرورة الاهتمام بالخطاب الديني الذي يلعب دورا مهمافي الموضوع وهذا صحيح إلي حد كبير، لكن من بين ما يلفت النظر في كلام وزير الصحة هو أن موانع الحمل آخر شئ يمكن الاعتماد عليه في الاستراتيجية السكانية الجديدة وهذا في رأيي هروب من الاصطدام مع المفاهيم الدينية المغلوطة التي تحرم تحديد النسل وتستند إلي حديث شريف وحيد مفاده »تناكحوا تناسلوا فإني مباهٍ بكم الأمم يوم القيامة» دون النظر إلي حديث مقابل »يوشك الأمم أن تداعي عليكم كما تداعي الأكلة إلي قصعتها»، فقال قائل: أومِن قلة نحن يومئذ؟ قال: »بل أنتم يومئذٍ كثير، ولكنكم غثاء كغثاء السيل، ولينزعن الله من صدور عدوكم المهابة منكم، وليقذفن في قلوبكم الوهن»، فقال قائل: يا رسول الله وما الوهن ؟ قال: »حب الدنيا، وكراهية الموت».