قسم الله سبحانه وتعالي الأرزاق بين العباد، وجعل منهم الغني ومنهم الفقير وأباح لهم البيع والشراء والهبة والإرث، وغير ذلك من الوسائل التي يمتلك بها الإنسان المال، ولكنه سبحانه وتعالي -في نفس الوقت- بين للإنسان كيفية إنفاق هذا المال، ففي الأموال حقوق كثيرة ثابتة بالكتاب والسنة والاجماع، منها نفقة الزوجة ونفقة الأولاد، ونفقة الأقارب المحتاجين ونفقة الوالدين، وهناك حقوق أخري تخرج من محيط الأسرة إلي محيط المجتمع كالزكاة وهي نوعان زكاة فطر وزكاة مال، ومن كمال التشريع الإسلامي أن حدد المولي عز وجل لمن توجب حقوق الزكاة، ولنا أن نتخيل مجتمعا يلتزم فيه الأفراد بهذا المنهج السامي الذي شرعه الله في أموالهم. هل نجد فيه محتاجا، أو جائعا؟ أقول هذا بمناسبة ما ذكره تقرير أعدته شركة عالمية للاستشارات تحمل اسم “كابجميني” من أن عدد المليونيرات في العالم ارتفع فوصل إلي 16.5 مليون تقريبا وهو أعلي مستوي علي الإطلاق حتي الآن وبلغ حجم ثرواتهم 63.5 تريليون دولار، ومن المتوقع ان تتجاوز 100 تريليون دولار بحلول عام 2025، وفي المقابل أظهرت تقارير منظمة غالوب العالمية أن 22٪ من سكان العالم تحت خط الفقر. الأمر الأكيد أن الله سبحانه وتعالي تكفل برزق الإنسان علي الأرض فموارده الاقتصادية موجودة، تكفي وتفيض، ونشوء المشكلة في الموارد كما يقول الدكتور عيسي عبده -في كتابة الاقتصاد الإسلامي- بفعل الممارسات البشرية والأساليب الخاطئة في التعامل مع الموارد واستخداماتها الممكنة، فأساليبهم غير مخططة وغير قائمة علي أشكال تعاونية ولذا يري الشرع كفاية الفقراء من أموال الأغنياء، حيث يقول الإمام الغزالي، من أخذ من أموال الدنيا أكثر من حاجته وكنزه وامسكه وفي عباد الله من يحتاج إليه فهو ظالم ويقول: فلكل واحد أن يتناول مقدار الحاجة، ولا ينتهي إلي حد الترفة والتنعم والشبع ولا يقتصرون علي حد الضرورة، والحاجة العامة في حق كافة الخلق تنزل منزلة الضرورة الخاصة في حق الشخص الواحد. وكان عمر بن الخطاب “رضي الله عنه” يقول: إني حريص علي أن لا ادع حاجة الا سددتها ما اتسع بعضنا لبعض، فإذا عجز ذلك عنا تأسينا في عيشنا حتي نستوي في الكفاف. إن ما يملكه أثرياء العالم من تريليونات يسع حاجاتهم وحاجات فقراء هذا العالم، لو اتقوا الله فيما استخلفهم عليه من أموال.