أحد أيام الأسبوع.. تمام الساعة الحادية عشرة.. كنت بالفعل قد بدأت جولتي داخل محل من المحلات الكبري لبيع أقمشة التنجيد.. وأنا في عجلة من أمري لإنجاز جدول زمني مُنظم أضعه لنفسي يوميا - هكذا تربيت أو نشأت - وهو ما ساعدني علي النجاح في إنجاز حياتي بأكملها.. كما أتاح لي دائما فرصة ذهبية لاستكمال باقي اليوم في الاستمتاع سواء بهواياتي أو براحتي وإجازاتي.. أسرعت في البحث عن احتياجي ولكني لاحظت أن اثنين من البائعين قد اندمجا تماما في رحلة الإفطار علي حين تركوا الإنجاز للزبائن أنفسهم! في هذه الأثناء، تقدم لي رجل أنيق في نهاية الستين من العمر قائلا: »تحت أمرك يا هانم».. في البداية ترددت في سؤاله عن مطلبي، ولكنه سرعان ما بادرني أنا صاحب المحل.. وبالفعل استكملت معه جولتي واخترت طلباتي من الدور الثاني في المحل شديد الاتساع، بل إنه قام بالفعل بقص القماش الذي طلبته بنفسه.. وعندما توجهت لمكتبه لدفع حسابي قال لي بأسي: » تخيلي أنا معين 10 بائعين.. ماجاش منهم غير اللي أنتي شايفاهم لحد دلوقتي والساعة 12.. مع ان احنا بنبتدي الساعة 10 والنصف صباحا، وبنقفل الساعة 9.. وكمان امبارح كان الأحد يعني يوم أجازة أسبوعي.. قبلها 4 أيام أجازة العيد.. يعني أي شاب من الشباب اللي معينهم كان لازم يجي النهاردة في ميعاده وآخر نشاط.. مع إني لسه مزود لهم المرتب يوم السبت اللي فات علي طول.. وخليت الشاب يقبض 500 جنيه في الأسبوع!». فجأة.. دخل شاب.. ألقي بإهمال » بشنطة » صغيرة علي كرسي في المكان.. قائلا صباح الخير من خلف زجاج نظارته السوداء.. ببلادة من استيقظ من نومه مضطرا! صاحب المتجر معاتبا: الساعة كام دلوقتي؟ أجاب الشاب بلا مبالاة متناهية.. الساعة 12 ونص.. أجابه الرجل: »اعتبر نفسك مرفود ومش عايز أشوفك هنا تاني».. تقدم الشاب بمنتهي البرود مد يده ساحبا حقيبة يده الملاقاة جانبا وغادر »بقرف».. وصاحب العمل يضرب كفا بكف! اليوم.. أتابع تقريرا مصورا في محطة »کT» الروسية من جامعة الفرات بدير الزور في سوريا، وهي المنطقة المدمرة التي يجري تحريرها الآن من الدواعش في معركة صعبة جدا - بعد أن احتلوها 5 سنوات - التقرير عن انتظام العملية التعليمية بالجامعة التي قُصفت، وكيفية التزام الحضور من جانب الطلاب الدارسين.. رغم من تعرضوا للقتل.. ومن تعرضن للاغتصاب سواء من الأساتذة والإداريين أو من الطلاب.. ورغم ذلك فالكل حريص علي استكمال مسيرة التعليم، وعلي حضور الامتحانات للحصول علي شهادات التخرج.. أما الأغرب فهو استضافة التقرير لاثنين من المتحدثين يرتدون ملابس الجيش السوري الوطني.. ويؤكدون أنهم يشاركون في معارك التحرير.. وفي نفس الوقت يدرسون لإنهاء مسيرتهم التعليمية! شتان الفرق ما بين شباب وشباب.. همة ولا همة.. انتظار الأمل ورفض النجاح.. يا خسارة يا مصر.. ويا شبابها.. أقصد يا بعض شبابها! • مسك الكلام.. نفسي سوريا الحبيبة تعود.. ويعود لها أهلها.. كي يعلمونا كيفية إعادة بناء وطن في زمن قياسي بحب وإخلاص غير عادي يساوي في عظمته معني الانتماء الحقيقي للوطن.