أفلام رائعة اختيرت بذوق فنان قد لا تتاح الفرصة لمشاهدتها إلا من خلال مهرجان كبير له قيمته، استطاع مهرجان الجونة في دورته الأولي اقتناصها وعرضها في مختلف أقسامه، بعضها يتبعها لقاءات مع صانعيها وفي الحالتين : العروض واللقاءات، التنظيم جيد جدا أجمل ما فيه حالة التفاعل بين الافلام ومبدعيها والجمهور التي لم أشاهدها منذ زمن، ويكفي المهرجان في اول دوراته قدرته علي جذب الجمهور من أهل الجونة وسائحيها لدور العرض الرائعة والمجهزة بشكل مبهر والجميل حقا أن بعضها كان كامل العدد منذ اليوم الأول، حتي فنادق الجونة »المدينة الساحلية الهادئة» أصبحت كاملة العدد وأعلنت هذا علي كل المواقع الالكترونية الخاصة بها ! في رأيي هذا ما يغفر للمهرجان الوليد سلبيات وقعت فيها الإدارة منذ حفل افتتاحه الجمعة الماضي وحتي كتابة السطور، عنصرية الافتتاح ! يبدو أن القائمين علي مهرجان الجونة السينمائي تصوروا أن وضع المهرجان علي خريطة المهرجانات العالمية سيتحقق بتجاهل الصحفيين المصريين وحجبهم عن أهم وأولي فعاليات المهرجان الوليد الذي دعموه إعلاميا مرحبين بتفاؤل شديد بمهرجان يحمل رؤية احترافية وفكرا طموحا فجاءوا للجونة ليتابعوه ( لايف ) وليس من غرف فندقية مغلقة،، ففي سابقة هي الأولي من نوعها منع مهرجان الجونة السينمائي دخول الصحفيين المصريين حفل الافتتاح داخل وخارج قاعة الحفل وقصر متابعة الحفل علي الصحفيين الاجانب والعرب في حين أُجبر الصحفيون المصريون علي متابعة الحدث من خلال شاشات بالفندق المقيمين به، بزعم انه المتبع في المهرجانات العالمية الكبري،وهو غير حقيقي بالمرة، وإن كان رجال الأعمال الذين يقيمون المهرجان توهموا ذلك فالغريب أن مدير المهرجان انتشال التميمي صاحب الخبرة الكبيرة في إدارة المهرجانات والتاريخ الطويل في متابعة المهرجانات الدولية، يدرك تماما أن المهرجانات الدولية تنظم للصحفيين وجودهم داخل حفل الافتتاح وفقا لسنوات متابعة المهرجان وليس وفقا لقربهم من الإدارة أو جنسياتهم، كما تسمح بمتابعة » الريد كاربت » ويتزاحم علي جانبيها عدد ضخم من المصورين والصحفيين، وهو المتبع في أكبر وأهم المهرجانات مثل » كان » و» فينيسيا »، حتي الأوسكار تخصص للصحفيين قاعة بجوار القاعة الرئيسية المقام بها الحفل بعد متابعة الريد كاربت،،و لم نسمع عن بدعة إبعاد الصحفيين عن منطقة حفل الافتتاح بالكامل إلا في مهرجان الجونة ! حماقة الفيشاوي هناك مثل قديم يقول » اللي يخاف من العفريت يطلع له» ويبدو أن إدارة المهرجان خشيت علي نجوم الحفل المصريين من الصحافة المصرية حتي لا تنقل هفوة أو خطأ ما فأبعدتها، لكن أحمد الفيشاوي خذل الجميع فظهر في حالة غريبة يترنح ويهذي بلفظ خارج لم تستطع القناة الفضائية التي نقلت الحفل حصريا حذفه، وكانت أولي السقطات، وهذا لا يمنع أن الفيشاوي محق في استيائه ( وليس في سقطته لفظا )من الشاشة الضخمة التي عرض عليها فيلم الافتتاح فهي رغم جودتها تترنح مع تيارات الهواء لكونها في الهواء الطلق وهو ما يشتت التركيز في المشاهدة أحيانا، الغريب أن كل الحصار والخوف من الصحافة علي نجوم مصرية وعربية اعتاد الصحفيون بل والجمهور مشاهدتها والتعامل معها في مهرجانات مصرية كالقاهرة والاسكندرية مثلا، فلم يكن بحفل المهرجان نجوم عالمون معروفون كما كنا ننتظر من مهرجان ثري يموله رجل اعمال، وكنا نظن وفقا لوعود بمفاجآت أن يستضيف المهرجان نجوما عالميين لهم بريق غير بعض صناع الأفلام المشاركة وكلهم غير معروفين للجمهور المصري، و الاغرب أن نجوم السينما المصرية المتواجدين بالجونة اختفوا بعد حفل الافتتاح ولم يهتموا بمتابعة العروض أو حتي بالتواجد بين الجمهور في الاماكن المختلفة لخلق حالة من التواصل والاحتفالية التي تليق بالمهرجان وأهدافه، وهو ما حرص عليه بشكل واضح نجوم وصناع السينما العربية الذين حلوا ضيوفا علي المهرجان وكانوا أكثر حرصا علي متابعة فعالياته. اختيار موفق الفيلم المصري » الشيخ جاكسون» لعمرو سلامة اختيار موفق لافتتاح المهرجان، خاصة انه يتناول قضية التعصب الديني والتسامح الانساني وهي الأبرز في المرحلة الحالية وتناسب طبيعة المهرجان الذي يقام تحت شعار » سينما من اجل الانسانية »، طرح المخرج القضية الشائكة من خلال الشيخ خالد المحمل منذ الطفولة بكل الخوف والرعب من الذات الإلهية بسبب المفاهيم والتربية الخاطئة، مع مرور السنوات يبدو خالد مراهقا متأثرا بازدواجية الاب واستبداده بعد رحيل امه وهو طفل صغير، وكانت رمانة الميزان في حياته، يعشق ملك البوب مايكل جاكسون الذي يسيطر علي جيله من الشباب بأغنياته ورقصاته وحركاته التي ميزته، رغم تحذيرات والده الذي يقصر الرجولة علي الشكل فقط فيصف مايكل جاكسون بالمخنث ويأمره بعدم سماع اغنياته او تقليدها ويتعامل معه بمنتهي العنف مما يؤدي إلي صدام ينتهي برحيله عن والده ليقيم مع خاله المتعصب دينيا فيؤثر عليه ويتحول تماما ليصبح الشيخ خالد عنيفا مع نفسه ومع الحياة، خائفا من الوعيد بالعذاب، يبكي ذعرا وليس خشوعا، وتسيطر عليه هواجس عذاب القبر والآخرة، وأن يحشر مع من يحب، فيتحول عن حب مايكل جاكسون خوفا من ان يكون معه بالنار مثلما يسمع ويردد مغيبا، فتتحول حياته إلي جحيم فيلجأ إلي طبيبة نفسية لتعالجه وتنجح في وضع حد للصراع بداخله، فيتسامح مع نفسه ووالده والحياة كلها، جسد احمد الفيشاوي شخصية خالد ( شيخا ) ونجح ببراعة في ترجمة الصراع الداخلي بشكل مبهر وكان أفضل عناصر الفيلم نافسه ماجد الكدواني الذي يزداد تألقا من فيلم لآخر ، الفيلم يعد أيضا أفضل افلام عمرو سلامة الذي نجح في استخدام أدواته بكثير من النضج رغم بعض الهنات في السيناريو الذي لم يوضح جيدا خيوط الربط بين خالد وتحولاته النفسية واختيار مايكل جاكسون تحديدا وهو المتهم بالشذوذ والمثير للجدل شخصا وفنا والذي ابهر وسيطر علي الشباب في تلك المرحلة التي شهدت بداية التعصب الديني ايضا وهو ما لم يوضحه السيناريو جيدا وإن بدا مفهوما لمن عاصر هذه الفترة، ورغم أن الظهور النسائي يبدو ضعيفا من خلال أربعة شخصيات، الام ( درة ) و الحبيبة (ياسمين رئيس ) والزوجة ( أمينة خليل ) والطبيبة ( بسمة ) وساهم أداؤهن العادي جدا في حضورهن الضعيف إلا أنهن الشخصيات السوية والأكثر تأثيرا ونضجا واستقرارا نفسيا في الفيلم، تلك الصورة السوية للمرأة في كل أفلامه تحسب لعمرو سلامة وتميزه عن جيله، وتتألق كالعادة ريم العدل كمصممة للملابس في حين أخفقت موسيقي هاني عادل في تقليد موسيقي واغنيات مايكل جاكسون بل أثرت سلبا وكان من الافضل الاستعانة بموسيقي جاكسون الشهيرة كأغنيات او موسيقي تصويرية، في كل الاحوال يحسب لادارة المهرجان اختيار الفيلم للافتتاح ليس فقط دعما لإبداع مخرج ومنتج موهوبين ولكن دعما لصناعة السينما المصرية، و عرض الفيلم المصري الثاني في المسابقة »فوتو كوبي» بطولة محمود حميدة وشيرين رضا مساء امس والجريدة ماثلة للطبع، بنجمة الجونة ويختتم المهرجان فعالياته الجمعة القادم حيث تعلن جوائزه في حفل الختام الذي يقام بالمارينا، وتتنافس أفلامه في ثلاث مسابقات هي الروائية الطويلة والتسجيلية والقصيرة علي جوائز تتجاوز قيمتها 200 ألف دولار أمريكي، وتبلغ قيمة نجمة الجونة الذهبية للفيلم الروائي الطويل 50 ألف دولار، وسيتم خلال الحفل تكريم النجم الامريكي فورست ويتكر، ويعرض الفيلم الرائع » تدفق انساني » للمخرج الصيني الشهير أي واي واي،وكانت جائزة ورشة طيارة للفيلم القصير المقامة في اطار منصة الجونة ضمن فعاليات المهرجان اعلنت أمس لتصبح اولي الجوائز المعلنة وفاز بها فيلم » شوكة وسكينة » وقيمتها عشرون الف جنيه، ضمت لجنة تحكيم المسابقة كلا من هند صبري وعمرو سلامة وتامر حبيب ومريدو شاندرا ويسر طاهر ومحمد البسيوني.