بالأمس تفاءلت.. تفاءلت.. تفاءلت.. حتي تشاءمت! أما اليوم فإني أغرق.. أغرق أغرق.. بل إني حتي لا أتنفس تحت الماء.. وتحت ثقل أسئلة لاتولد في عقلي إلا أسئلة.. وأغرق تحت جهل إجابات.. لاتأتي إلا بالمزيد من التساؤلات.. وأغرق تحت جبل إرهاصات تغرس أنيابها في جسد الوطن.. وفزاعات تلتف حول رقاب أبنائه كحية رقطاء متلفحة بلون الخيانة، ومتسلقة بطعم الخيانة، ومتسللة بسم الإرهاب، ومتأهبة بكل حيل الدهاء! لقد تشاءمت لأني صرت متأكدة من أن من استبعدوا.. صاروا هم الأقرب.. ومن كنا نتمني تصفيدهم صاروا هم الأكثر انطلاقا.. ومن ثاروا صاروا هم الأكثر إقصاء.. ومن استشهدوا أصبحوا أكثر نسيانا! لقد تناثرت في طرق الثائرين وممراتهم جحافل من أهل الشر.. نشير إليهم ولانعرفهم.. أو نعرفهم ولا نُعرّفهم.. حتي صرت لاأعرف هل أنام أم أقاطع النوم.. أم هل أنا في حالة صحوة أم غيبوبة.. أم هل أنا علي قيد الحياة.. أم أن حياتي توقفت عند لحظة حسرة الوطن علي نزيف فرقة الأطياف! هكذا اغتالت المخاوف أحلامي حتي أني صرت أتوقع أن نصحو غدا لنجد أن الهرم قد تم هدمه تحت شعار أنه ضريح لقدماء المصريين يزوره الناس الطيبين! صدقوني هذا ليس خيالا، بل حقيقة سوف أذكركم بها بعد أن تقع الراس في الفاس! وقد يصفني البعض بالجنون وهذا حقهم.. إلا أنني سوف أتحمل ظلم الاتهامات اليوم.. شرط ان يتم إنقاذ أكبر المعجزات الحضارية علي وجه الأرض وهي الأهرامات كرمز لحضارة مصر ، وأن نُحذّر من امتداد أيادي الهدم إلي الجار المصري القديم »أبو الهول« بحجة أن هناك تشبها بخلق الله! أما عن مبرراتي فقد نمنا مساء علي استتباب أمان تراث الوطن وأفقنا علي هدم عدد من الأضرحة في سواد الليل الأعظم، ثم دفنا الخبر علي ضوء وضح النهار! بعدها سمعنا بمواربة والتفاف إعلامي عن وجود بعض متفجرات من بقايا مخلفات الحروب القديمة بجانب الهرم، أكد بعدها جميع المسئولين و»ببراءة شديدة« أن شيئا لم يحدث، وتم دفن الحقيقة في سردايب المومياوات الغامضة! بعدها توالت الأخبار متفرقة وعلي عجل تنبئنا بهدم ضريح الشيخ زويد.. حيث تم نسف توابع الخبر! ومنذ أيام وفي سابقة غير متوقعة في سوهاج.. تم هدم تمثال نصفي للزعيم الراحل جمال عبد الناصر وأكد البلاغ الرسمي تهشيم رأس التمثال وجسده! إذن ماذا ننتظر.. ومالذي نتوقع هدمه، »الدور علي مين قولولي«؟ إن أصابع الاتهام كلها تشير بل أياديه وأكفه إلي الجناة، إلي الذين فعلوها بدم بارد.. وتركونا وكأننا نحن من في حالة تلبس.. أوكأننا نحن المواطنون المصريون المجبرون علي إثبات الحقيقة.. وحيث تتركنا كل جهات التحري »العالمة ببواطن الأمور« وحدنا داخل زنزانة الغضب، فنلهو بالعبث وننصرف عن ثورتنا، ونلتف حول جدارات الخوف، ونتشابك بالاتهامات، ونهتف ضد بعضنا البعض، ونتخاصم مع أرض الوطن، وننقسم تحت شعار الفتنة الطائفيه البغيضة، وكأن لسان حال بعضهم يقول لنا ألم تثوروا وتعترضوا وترفضوا وتطالبوا.. إذن ذوقوا مرارة اختياراتكم ونحن بكم متربصون! مسك الكلام.. إن كنا قد رضينا سابقا ببعض الوطن.. فلا يمكن أبدا الآن وبعد ثورتنا الملهمة أن نرضي إلا بكل الوطن!