تجربة هي الأولي من نوعها تعيشها القارة الافريقية وتحديدا في كينيا مركز التجارة والأعمال في شرق القارة، بقرار اللجنة الانتخابية إعادة الانتخابات الرئاسية في 17 أكتوبر المقبل، بعد إلغاء المحكمة العليا نتيجة الانتخابات التي أجريت في أغسطس الماضي والتي فاز فيها الرئيس المنتهية ولايته أوهورو كينياتا، بأكثر من 54% من أصوات الناخبين مقابل 44% لمنافسه زعيم المعارضة رايلا أودينجا، وذلك بسبب ارتكاب تجاوزات أدت لتزوير في التصويت والتسجيل والنقل وتأكيد النتائج. إلغاء نتيجة الانتخابات جاءت علي الرغم من غياب أي اعتراض دولي علي سير العملية الانتخابية، وتأكيد العديد من المراقبين الدوليين للانتخابات علي مصداقيتها، فقد أكد وزير الخارجية الأمريكي السابق، جون كيري، الذي يقود بعثة مراقبة »مركز كارتر للانتخابات»، علي سلامة العملية الإلكترونية للانتخابات، كما أشار رئيس بعثة الكومنولث لمراقبة الانتخابات والرئيس السابق لغانا، جون ماهاما، إلي أنه لا يوجد سبب للشك في قدرة اللجنة الانتخابية علي تقديم انتخابات ذات مصداقية، وأكد رئيس بعثة الاتحاد الأفريقي والرئيس السابق لجنوب أفريقا، ثابو مبيكي أنه راض عن أداء اللجنة والطريقة التي أدارت بها الانتخابات. الانتقادات لقرار اللجنة الانتخابية جاءت من جانبي كينياتا وأودينجا، فمن ناحية وصف الرئيس المنتهية ولايته قضاة المحكمة العليا بأنهم »محتالون»، ويعارضون إرادة الشعب مؤكدا أنه يختلف شخصيا مع حكم المحكمة العليا، أما زعيم المعارضة أودينجا فقد انتقد اللجنة الانتخابية لاعلانها موعد الانتخابات دون التشاور مع المعارضة، كما اشترط للمشاركة في إعادة الانتخابات التحقق من النظام الالكتروني للجنة واستقالة عدد من اعضائها وامكانية الترشح لكل شخص تنطبق عليه الشروط بمن في ذلك من المرشحين الستة الآخرين الذين شاركوا في انتخابات الشهر الماضي. التحول الديمقراطي في كينيا يقترب من عامه الثلاثين فقد بدأ في عام 1991 باتاحه نظام التعددية الحزبية وانهاء نظام الحزب الواحد، وفي العام التالي أجريت اول انتخابات تعددية في كينيا وفاز بها الحزب الحاكم الاتحاد الوطني الأفريقي الكيني، وانتقلت البلاد في عام 2000 لمرحلة جديدة حينما شكلت لجنة لمراجعة مواد الدستور، ثم استطاعت المعارضة بعد ذلك الصعود بأحد مرشحيها إلي كرسي الرئاسة وقدمت في عهده مسودة جديدة للدستور في العام 2005 لكنها رفضت من الشعب. دخلت كينيا في عام 2007 مرحلة صعبة اثناء عملية التحول الديمقراطي كان أحد أطرافها رايلا أودينجا الذي شكك في نزاهة الانتخابات الرئاسية التي أسفرت عن فوز مواي كيبياكي ما أدخل البلاد في أسابيع من الاقتتال العرقي خلف نحو 1200 قتيل، وانتهي بالتوصل إلي اتفاق تقاسم للسلطة في مارس 2008 بين التحالف الحاكم بزعامة كيباكي والحركة الديمقراطية البرتقالية بزعامة رايلا أودينجا، بعد تدخل دولي. من جهتها تري الدكتورة اماني الطويل مدير البرنامج الإفريقي بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية ان افريقيا تشهد عمليات تقدم في بعض بلدانها مثل كينيا واثيوبيا وبعض دول غرب افريقيا التي حققت خطوات تنموية علي المستوي الاقتصادي، واكدت ان كينيا من الدول الاسرع نموا في افريقيا وايضا التجربة السياسية في كينيا لابد ان يتم الاحتذاء بها كنموذج، مشيرة إلي الرئيس كينياتا الذي يقدم نموذجا لزعيم افريقي يقبل فكرة الالتزام بحكم محكمة علي المستوي الداخلي. واضافت ان كينياتا وكينيا يقدمان نموذجا قابلا للتكرار في افريقيا لان دول القارة قامت بخطوات متقدمة فيما يتعلق بنظم العدالة. إلغاء محكمة لانتخابات رئاسية وقبول الطرفين بالحكم يعد الحدث الأول من نوعه في افريقيا، إلا أنه حتي الآن لم تتضح سيناريوهات مستقبل الأزمة التي قد تكون مؤشرا علي مستقبل التحول الديمقراطي في القارة الافريقية، فمن ناحية تبدو التهدئة وقبول نتائج انتخابات الشهر المقبل حلا منطقيا، في ظل تجربة العنف المريرة التي تعرض لها الشعب الكيني عقب انتخابات 2007، وما نتج عنها من تداعيات لا تزال آثارها حتي اليوم باقية، إلا أن عدة عوامل ترشح النزاع للاشتعال أهمها أن الانتخابات المقبلة تبدو الفرصة الأخيرة لكينياتا وأودينجا، حيث لن يسمح الدستور لكينياتا بالترشح في انتخابات 2022، أما أودينجا الذي خسر 3 انتخابات متتالية فسوف يكون عمره 79 عامًا. وفي كل الأحوال يبدو انتهاء هذه المواجهة يحمل آمال كثيرة في استعادة الاستقرار، واستكمال كينيا لمسيرتها التنموية.