[email protected] مواقف كثيرة جاءت متناقضة مع ماسبقها من كلام، وفجرت في نفسي مخاوف جمة، فالغرب بين أمريكا وأوروبا بدا مندهشاً ومعجباً بثورة المصريين في يناير وأشاد قادته جميعاً بطهارة الثورة ونصاعتها وبريقها الانساني الأخاذ. ومنهم من ذهب الي ضرورة تدريسها لابنائهم، كان هو أوباما، وحتي هذه اللحظة بقيت الثورة بأجنحتها يصونها الجيش المصري بعقيدة الولاء للوطن ومصالحه العليا مغلبة علي أي فرد ولو كان واحداً منهم، ولم يحدث ان ابدت الثورة المصرية عداءً الإحدي هذه الدول أو اساءت الي قادتهم أو مست شيئاً من كرامة شعوبهم، بل علي العكس، فإن الثورة بعمقها الشعبي الأصيل ونقاء جوهرها قد اتخذت منهجاً ديمقراطياً يريده الغرب ويرضاه في كل ما يصدر عن توجهاته ورغبته في اشاعة الديمقراطية في الشرق الاوسط وخاصة دولة في حجم مصر. ولطالما سمعنا من أغلب القادة الغربيين تصريحات وكلمات تحث القيادات العربية علي فتح منافذ الحرية والديمقراطية للشعوب، وللاسف كانت الاستجابة أدني من أي كلام وأقل من مستوي المسئوليات الملقاة علي عاتق الحكام، وتبدل الخطاب الغربي في لحظات غامضة ليهبط أيضاً إلي مستوي ضعيف فاتر ويسمح للديكتاتورية ان تستمر وتبقي، ويمد أركان الانظمة بإمكانات غير مسبوقة لقمع الشعوب وإهدار كرامتهم، وقد ظهر ذلك جلياً في المواجهات التي حدثت بين الثوار والانظمة الفاسدة، ولم تسلم مصر من هذه المفارقات وتأكدنا من أن اسلحة الغرب الحديثة كانت سبباً في قتل مئات الابرياء وإحداث عاهات مستديمة في شباب مصر، ولن انسي ما حييت هذه المركبات المصفحة وهي تهرس وتطحن عظام الأبرياء في ميدان عبد المنعم رياض وعلي مطلع كوبري أكتوبر. والآن تدخل مصر منعطفاً خطيراً فتجد الثورة نفسها حائرة علي مفترق الطرق المتشعبة الكثيرة، وأولها طريق الاقتصاد الذي دمره الفساد وانهكته ديكتاتورية الحكم واحتكار الموارد العامة للوطن لصالح فئة قليلة جداً، أهدرت ثروات مصر، فمن المؤكد أن مبارك ترك مصر في مهب الريح منذ سنوات، وتراكم المشكلات التي كان يجب ان يحلها وينجو بالبلد وهي في رقبته منذ ثلاثين عاماً من كل ما ألم بها حتي الآن وأعتقد أن آثار ذلك سوف تمتد طويلاً.. ولا أستغرب ما أراه اليوم من موقف غربي متخاذل وغير مفهوم يتخلي فيه عن أعجابه الأول بالثورة علي أرض الواقع والمحك، فالازمة الاقتصادية والتي نمر بها تحتاج الي عون دولي وإقليمي لكي تخرج مصر من عنق الزجاجة الموضوعة فيه منذ حكم »السادات« الحليف والشريك للغرب، وفي نهاية المطاف تخلوا عنه وتركوه لقدره الذي لاقاه في يوم انتصاره، وبالرغم من أنهم فعلوا نفس الشئ مع مبارك تقريباً إلا أنهم عادوا اليوم ليتخلوا عن الثورة التي أعجبوا بها وأشادوا، انهم يعاقبون شعب مصر علي ثورته وإطاحته بنظام مبارك الديكتاتوري الفاسد والولوج الي الديمقراطية وساحتها الرحيبة، ليشهد الأحرار في كل بلاد العالم أن الثورة المصرية السلمية الصادقة النظيفة تتعرض في هذه الآونة الحرجة إلي عملية حصار غير مرئي من الغرب كله. ومن بعض الانظمة العربية التي كان يجب ان تحتضن شباب مصر الجديد وبعثها الذي سيبعث الروح في الجسد العربي الهامد المحتضر، ولكن الواقع يقول غير ذلك، وأن الذين يقولون مالا يفعلون يزيدون من الشكوك التي تثار حول نواياهم من الثورة المصرية وخوفهم من امتداد اثرها علي كراسيهم، إنني أتصور أن مصر قادرة علي عبور هذه الازمة التي تمر بها وأن علي الضاغطين بالأوراق الاقتصادية أن ينظروا الي المستقبل والا ينزلقوا إلي عرض زائل بل أعتقد بمنطق طبائع الأشياء أنه نظام فسد فلم يستطع ان يبقي أكثر من ذلك وأن صلاحيته للحياة اصبحت مستحيلة، وقد يكون من المجدي في هذا المقام أن اذكر بأن لدينا طاقات وعقولا عظيمة يجب إلي توجه في طريق صحيح وفعال فما أري ضرورة لاستغراق رجل اقتصاد مهم مثل الدكتور عبد العزيز حجازي في مسألة الحوار الوطني، ومصر تحتاج بما له من حجم علاقات دولية وعربية للتحاور والتفاوض وإيصال صورة الثورة وإزالة اللبس حولها إلي عالم أعتقد أنه يحتاج ذلك، وكنت أود أن يقوم الدكتور يحيي الجمل بعمل شبيه في مجال خبراته القانونية: بإعداد ملف قانوني يطالب فيه بحقوق مصر من كل الدول الأوروبية التي اعتدت عليها ونهبت ثرواتنا خاصة أن هناك تجربة قريبة جداً جرت بين ليبيا وإيطاليا، بدلاً من أن تنهكه ملفات داخلية تنفيذية يمكن ان تقوم بها مئات غيره، ونفس الشئ أرجوه لشيخ الأزهر الدكتور احمد الطيب وقداسة البابا شنودة بما لهما من قيمة وتأثير واسع في العالمين الاسلامي والمسيحي لحث دول كثيرة متقدمة اقتصادياً لمعاونة مصر ودعم اقتصادنا. وأعتقد أنه بمجرد أن يتحركا في هذا الجانب سيخدمان كثيراً نيران الطائفية التي لا تزيدها الاجتماعات والكلمات التقليدية إلا اشتعالا. دفتر اشعار الثورة معذرة يا أهل البلد الطيب إن داستكم خيل البربر وانتقمت منكم نوق الهمجية معذرة يا شطآن البحر الهادر إن خان هديرك اسماء وهمية أو غدرت بنضالك أبطال ورقية معذرة يا أعظم اسم في وطني يا أجمل وجه رسمته الأقدار علي الزمن ياشهداء التحرير