أراهن من الآن ان رئيس وزراء العراق نوري المالكي لن يدع قوات الاحتلال الامريكي ترحل عن بلاد الرافدين تاركة أياه وحيداً أمام الشعب العراقي. فهو يعلم ان هذه القوات ستحميه خلال السنوات الثلاث المقبلة من مظاهرات "الشعب يريد اسقاط النظام" كما حمته خلال السنوات الخمس الماضية، وكما حمت الحكومتين الاولي والثانية في ظل الاحتلال. لن يجازف أو يغامر أو يقامر المالكي بالموافقة علي رحيل قوات الاحتلال في نهاية العام الحالي طبقاً للمعاهدة الأمنية التي وقعها مع الامريكيين قبل ثلاثة أعوام.. فيا روح ما بعدك روح! والمالكي يعلم أكثر من أي مواطن عراقي ان العد التنازلي لنظام حكومات الاحتلال مستمر ويقترب من ساعة الصفر. وأثبتت الاشهر الثلاثة الأخيرة ان رياح التغيير التي هبت في تونس ومصر ودول عربية أخري وصلت الي "ساحة التحرير" في بغداد. ومظاهرات بغداد والمدن العراقية الأخري التي لا تزال مستمرة لم تعلن في بدايتها عن هدف اسقاط الحكومة العميلة. لكن المتظاهرين سرعان ما رفعوا سقف المطالب، أسوة بما فعل التونسيون والمصريون، ليكون اسقاط المالكي هو الهدف. ومثلما فعلت الأنظمة السابقة في تونس ومصر، استخدم المالكي عصا ارهاب الدولة ضد المتظاهرين. واستصدر "فتوي" عجيبة من مرجعية النجف بان "المظاهرات ضد الحكومة حرام"! وهي فتوي مشابهة لفتوي خامنئي في طهران، الذي لم يكتف بتحريم التظاهر، فاضاف اليها تحليل قمع المظاهرات! وهذا ما حدث في العراق طوال الاشهر الثلاثة الأخيرة، وخاصة بعد انتصار ثورة 25 يناير علي أرض الكنانة، فاطلق المالكي كلابه المسعورة من قوات ما يسمي بمكافحة الشغب لتضرب المتظاهرين بالرصاص الحي والغازات والهراوت. لم يبق علي المدة المحددة لرحيل قوات الاحتلال العسكرية الا سبعة أشهر. الشعب العراقي يعد الايام والساعات لتطهير بلاده من هذا العار، عار الاحتلال وعار حكوماته العميلة. وقد وجد المالكي نفسه في "حيص بيص" فاستعان مرة أخري بمرجعيته في النجف التي لم تخذله وأعلنت ان قرار تمديد بقاء القوات الامريكية متروك لنواب البرلمان. أي انها خولت النواب الذين يمثلونها، وهم الاكثرية في البرلمان المزور، صلاحية تمديد بقاء قوات الاحتلال و "استخراع" الحجج اللازمة لذلك بدءاً من "خطورة الاوضاع الامنية" وانتهاء ب "عدم جاهزية القوات العراقية". والمشكلة الحنجورية هنا ان "تيار مقتدي الصدر" أعلن مراراً وتكراراً انه لن يوافق علي استمرار تواجد الاحتلال الامريكي، فهو يحترم رغبة طهران في اخراج الامريكيين من العراق ليخلو الجو أمام الاطماع الفارسية. لكن هذا التيار كما لمسنا خلال السنوات الثمان الماضية يمكن ان يتراجع عن أي قرار بين ساعة واخري كما حدث في موقفه الرافض لعقد الاتفاقية الامنية بين الحكومتين العراقية والامريكية.. ثم وافق عليها "حفاظاً علي وحدة الموقف الشيعي"! وحدث الامر نفسه حين رفض التيار الصدري تولي المالكي رئاسة الوزراء مرة أخري واتهمه بالخيانة والعمالة والدكتاتورية ونظم المظاهرات الصاخبة التي تهتف بسقوطه" كلا.. كلا.. المالكي"، ولمّا جدّ الجد وأوشك المالكي علي الذهاب الي مزبلة التاريخ قال مقتدي الصدر نفسه انه يؤيد تجديد ولاية المالكي بناء علي ضغط من حكومة طهران! ولذلك فان العراقيين الوطنيين لم يعودوا يعولون كثيراً علي مواقف هذا التيار وميليشياته المتذبذبة بين اقصي "الوطنية" في الصباح وأقصي "الايرانية" في المساء! كما ان الحزبيين الكرديين المتحالفين برئاسة البرزاني والطالباني لم يخفيا ترحيبهما الشديد ببقاء قوات الاحتلال لانها تضمن الاوضاع الشاذة في شمال العراق. ولذلك أيضاً فان المالكي مطمئن الي ان مجلس النواب في جيبه وسيصوت بالاغلبية علي بقاء قوات الاحتلال الامريكي سنوات أخري تحت مسميات جديدة مثل قوات حراسة السفارة الامريكية وحماية البعثات الدبلوماسية الاجنبية والشركات الامنية الخاصة وقوات تدريب الجيش العراقي والمستشارين العسكريين. القوات الامريكية في العراق اليوم بحدود خمسين الف عسكري، ولا مانع، حفاظاً علي ما تبقي من ماء وجه المالكي، ان يتم تخفيضها الي ثلاثين الف عسكري لنشر "الديمقراطية" في هذا البلد المبتلي!