ما إن فرغت من قراءة هذه الرسالة المؤثرة حتي توقفت لحظات وأنا أتخيل كاتبها الذي لم ألتق به قط.. تلقيت الرسالة التالية أنشرها بنصها. تحية قلبية.. وبعد انه ليسرني أن اكتب لسيادتكم هذا الخطاب تعبيرا عن احترامي وتقديري الصادق لكم. وعبر»الانترنت« حصلت علي عنوان عمل سيادتكم ومن خلال هذه السطور البسيطة، أتمني أن تتقبلوا ادارة هدية متواضعة. أنا فاروق الطيباوي مصري الجنسية، من أواخرالخمسينيات مغترب في اوربا، حاليا أعيش في المانيا، من هواة جمع الكتب ذات القيمة الثقافية »ودراستها« من سور الأزبكية الي سوق روبابيكيا في برلين أو جنيف. هذا وعجلة الزمن مستمرة في الدوران لا تقف- واصبحت الآن 66 عاما من العمر-احيانا يدور بخيالي العد التنازلي- وقبل ان تدق ساعة الزمن اردت ان اكتب وصية رغما من أنني لا أمتلك شيئا ماديا يستحق كتابتها، سوي »فكر ومعرفة وخبرة حياة« لكني أمتلك مكتبة صغيرة »باللغة الالمانية« تحتوي علي: جميع فروع العلوم ما يقرب من 0003 ثلاثة آلاف كتاب ومازلت اجمع- هذا من موسوعات ادبية تاريخية- لغوية..هندسية-... دينية- فنية.. الي مراجع علمية. فقلت لنفسي: خسارة يجب أن أرسل هذه الكتب الي الوطن الحبيب. لكن لمن؟ للأسف لظروف عائلية اصبحت وحيدا لم يبق لي إلا الانتماء الروحي الي الوطن -مصر- سيدة العالم ومولد الحضارة. كنت ومازلت محتارا؟ ماذا افعل في هذه المجموعة من الكتب »القيمة في نظري« التي اصبحت جزءا مني وأعلم جيدا ان لها قيمة علمية عالية -لقد جمعتها مؤخرا منذ 5 سنوات- اعطيها لمن عندما يحين الأوان؟ فقررت في خيالي عندما تدق الساعة ترسل عن طريق شركة شحن الي قرية من قري الصعيد.. لكن لمن؟ وكيف؟ ولشخص يعرف قيمة هذه المجموعة من العلوم! وعملت فورا من كام شهر تأمينيا قيمته المادية تساوي مصاريف ارسال الجثمان لدفنه في ارضنا العظيمة ويكفي لارسال المكتبة ايضا. ومن عدة ايام فقط وفي مناسبة جميلة وقع في يدي كتاب باللغة الالمانية تحت عنوان »der safranishe flush« وعلمت ان الكاتب السيد/جمال الغيطاني- مصري- ويافرحتي- وجدت صورته علي الغلاف- شابا وسيما اوحي لي بأنه يعلم انه يقدر قيمة هذه المكتبة المتواضعة- فورا-قلت في نفسي الشاب المصري ده مؤلف هذا الكتاب ذو معان وفكرعميق- هو هذا اللي سوف أهدي له هذه المكتبة! لو يتقبلها..! فجاء بخاطري أن اكتب له طالبا استشارة ربما له رغبة فيها!؟ وربما يستفيد ويفيد منها آخرين من اولاد الوطن الغالي! وربما يقدم مشكورا نصيحة..! وعندما اردت الحصول علي عنوانه- وجدت صورته »الحديثة« علي صفحة اخبار اليوم في الانترنت.. »ومن قلة معرفتي«.. اصبح هو الآخر رجلا وقورا رئيس تحرير جريدة »اخبار الادب« من قادة الفكر في الشرق الاوسط. فتأكدت في نفس الوقت انه هو 001٪ الاختيار المناسب اذا وافق!؟ لذلك اكتب لسيادتكم هذه الرسالة المتواضعة.. اذا كان لدي سيادتكم الرغبة في هذه المكتبة-طبيعي بالدواليب والارفف فرجائي اعلامي بذلك لكي اذكر ذلك في »الوصية« واحضر لكم الاجراءات اللازمة لكي لا تقعوا تحت »رحمة« »مزاج موظف جمارك« ولما نكون ماشيين سليم مع القانون لا تتعب في ادخالها. فقط كل ما يفعل وضع الكتب في كراتين والدواليب والارفف في كونتينر وترسل، طبيعي التأمين يدفع المصاريف- شركة الشحن تتولي هذه الأمور -تحت رقابة القنصلية. هذا وعلمي ان الصحفيين دائما علي سفر الي عواصم البلاد. لكن -للاسف انا عايش في مدينة صغيرة علي الحدود الالمانية الهولندية- ورغم معرفتي ان رئيس تحرير مليء بمشاغل ومسئوليات ومواعيد »ووجع دماغ«- ومحتاجين دائما اجازة- ربما تحود علينا وتشرفنا بزيارة لتطلع علي الكتب »تعمل اجازة« ونكتب قائمة بمحتوياتها ونصدق عليها في القنصلية لتسهيل دخولها الي الوطن الحبيب. »ربنا يحفظنا من مزاج موظف جمارك سفراني المفاهيم او مصاب بشعوزة سفرانية«. ولكي يستطيع سيادتكم ان تأخذوا موافقة المسئولين بسهولة علشان كل شيء زي ما قوانينا وعاداتنا تتطلب ولا نخالف لوائح ولا نظما ولا قوانين حتي بعد الانتقال الي العالم الآخر »بعد الموت« »وما نعملش زي الشيخ عطية« هذا ويبقي عندي وقت -ربما محتاجين اجراءات لا اعلمها- ربما من وزارة الثقافة أو أمنية- علي كل القنصلية تعلمنا! لكي استطيع تنفيذها من هنا- لكي اسهل لكم كل شيء في هذا الخصوص. السيد الفاضل الاستاذ جمال الغيطاني.. طولت عليكم شوية.. هذا وأتمني ان يتقبل سيادتكم ادارة هذه الهدية المتواضعة وان لم تستطيعوا الحضور لظرف من الظروف اطمع في ارسال »صبي« يكون عنده خبرة، ينوب عن سيادتكم. واهلا بكم- قول لي سيادتكم متي وانا استطيع استقبال سيادتكم او استقبال »النائب« في مطار دوزل دورف desseldoff انه يبعد عن المدينة التي اعيش فيها تقريبا 03كم. واهلا بكم في شقة متواضعة- عندي مكان مش محتاجين هوتيل وياميت الف اهلا وسهلا، انه ليس من المقام لكن من القلب. ويسعدني ان اتلقي من طرف سيادتكم الموافقة وميعاد لفرز الكتب لربما كتاب او اخر يكون مخالف من وجة نظر مسئولين »لكي افنيه بحرقه« وبالتأكيد ان سيادتكم عندكم الخبرة في ذلك. وعلشان أعلق علي الشاي واذبح فحل بصل ودبيحة مثلجة طازجة من السوبر ماركت. والي اللقاء قريبا. تمنياتي القلبية أن تتمتعوا بطول العمر وبصحة وعافية. وتقبلوا خالص التحية والاحترام. المخلص فاروق الطيباوي تعليق أثارت عندي تلك الرسالة شجونا، هكذا اللقاءات غير المنتظرة، غير المتوقعة، لقد رأي كاتبها صورتي علي غلاف رواية »وقائع حارة الزعفراني« التي ترجمت الي الالمانية منذ واحد وعشرين عاما، الصورة المطبوعة عليها ملتقطة قبل عدة اعوام، هكذا تصور انني مازلت شابا، عمره ستة وثلاثون ، وانا اوشك الان علي اتمام الخامسة والستين، أي أن مشاعري تشبه ما يمر به،الاستعداد للرحيل، وها هو الرجل يختارني كي اتصرف في مكتبته التي تمثل ثروة بالقطع، ثروة فكرية وعلمية، اعرف ماذا تعنيه العلاقة بالمكتبة، كل كتاب بمثابة نفس من تلك الانفاس التي تؤمن استمرار الحياة، لقد بادرت مرحبا برسالة الكترونية، ولانني لا اجيد الالمانية، فقد عرضت عليه جهتين يمكن التبرع اليهما، مكتبة الاسكندرية او كلية الالسن بجامعة عين شمس. في اليوم التالي اتصل بي، قرأته من صوته، قال انه يفوضني في اختيار الجهة، لقد اوكل لي الامر تماما. هذا ما سأقرره عند وصول الكتب، واتمني ان يحضر فاروق الطيباوي مراسم اجراءات تسليم مكتبته الي الجهة التي سيقرر اهدأها اليه، مكتبة الاسكندرية او كلية الالسن. جري ذلك منذ عامين وخلالها حاولت الاتصال به مرات وما من مجيب ، لعله بنشر رسالته يرد عليها ، او فاللقاء هناك لعل ثمة فرصة اشكره علي ما لم يتم في الحياة الدنيا.