هل يمكن ان نخرج من العموميات في طرح المطالب التي تفجرت مع 25 يناير إلي طرح قضايا محددة نري أن الإقتراب منها يقطع الطريق علي الاستغراق في الجدل اللانهائي ، ويأخذنا إلي رسم طريق الخروج الي الدولة المدنية وترتيب حياتنا الي تنمية حقيقية .يأتي علي قمة اولوياتنا منظومة الادارة المحلية. وقد عرفت مصر نظام الإدارة المحلية كمنتج من منتجات الحملة الفرنسية عندما قسم نابليون بونابرت مصر إلي 16 مديرية ، وعقب تولي محمد علي الحكم عدل التقسيم الي 14 مديرية وقسم كل مديرية الي عدد من المراكز، وفي تطور مهم صدر قانون ينظم الادارة المحلية في مايو 1883 وفيه يتم إنشاء مجالس المديريات والتي تعد فروعاً للإدارة المركزية بالعاصمة، ولكنها لم تكن تتمتع بالشخصية الاعتبارية وكانت استشارية إذ بقي القرار في يد الإدارة المركزية بالقاهرة، ويأتي عام 1890 ليتأسس نظام المجالس البلدية والتي بدأت ببلدية الاسكندرية، وعندما يصدر دستور 23 يتضمن إقراراً في المادتين 132 و 133 بتشكيل جميع المجالس (بلديات مديريات) عن طريق الانتخاب, كما منح الدستور المجالس اختصاصات تتعلق بتنفيذ السياسة العامة محلياً , وألزمها بنشر ميزانياتها وأن تكون جلساتها مفتوحة للمواطنين. وعبر منظومة الإدارة المحلية تتجمع كل معاملات المواطن منذ لحظة ميلاده وحتي لحظة وفاته بل وتمتد لما بعدها فيما يتعلق باجراءت الوراثة وما في حكمها. ومن هنا تتبدي لنا أهمية منظومة الإدارة المحلية ودورها المحوري في حياة المواطن، والأزمة الحقيقية عندما تسيطر علي هذه المنظومة انماط البيروقراطية المحكومة باللوائح والقوانين والتعليمات والتي مع توالي السنين تحولت إلي نصوص جافة لا تتفاعل مع روح النص والهدف من وجودها كآلية لتيسير حاجيات المواطن اليومية والحياتية. وربما لهذا كان الإهتمام بتحديث نظام الادارة المحلية خاصة في اتجاه تفعيل اللامركزية، والمشاركة الشعبية فيها وهو مانص عليه دستور 1971 وتعديلاته 1980 والذي حدد الهيكل التنظيمي والقانوني للإدارة المحلية (مواد 163/162/161) واضاف تشكيل مجالس محلية علي مستوي الوحدات الادارية ( محافظة مدينة قرية حي ) وتتشكل بالانتخاب الحر المباشر مع الالتزام بتوافر نسبة 50٪ من العمال والفلاحين. وهي تجربة تحتاج الي قراءة نقدية ومراجعة موضوعية قياساً علي الهدف الذي تأسست لتحقيقه، وهو تحقق المشاركة الشعبية الحقيقية في الادارة المحلية ونقل السلطة اليها بشكل تدريجي بحسب النص الدستوري، ولعل الأمر يحتاج الي تحديد طبيعة العلاقة بين تلك المجالس والوحدات الإدارية المناظرة لها ، وحدود صلاحيات الرقابة عليها، ومدي حقها في سحب الثقة من القيادات التنفيذية، ودراسة دستورية وقانونية تحديد مواصفات محددة فيمن يرشح لعضوية هذه المجالس وفق تحليل النتائج التي اسفرت عنها المجالس المتوالية، ولعلنا نلمس قصور دور هذه المجالس الي الدرجة التي يقفز مرشحو البرلمان عليها بتبني حل المشاكل اليومية واعتمادها كورقة يقدمون بها انفسهم لجمهور الناخبين، وهو ما يأتي خصماً بعد فوزهم بالعضوية البرلمانية من دورهم القومي التشريعي والرقابي. ولعلنا ننتبه الي أن حاجتنا لتفعيل الدور التنموي الموكول لمنظومة الادارة المحلية، سواء التنمية المحلية أو التنمية الريفية أو تطوير المناطق العشوائية، تحتاج الي تحرك ايجابي يتجاوز الدراسات النظرية والتوصيات التي تصاغ في الغرف المغلقة، وهو أمر يتطلب بحث ميداني يقترب من ارض الواقع تقوم به مؤسسات بحثية متخصصة بعيداً عن الانتماءات الحزبية والتقسيمات السياسية والخلفيات الايديولوجية، مع الاستعانة بالتجارب المماثلة في الدول التي قطعت شوطاً في الادارة المحلية ( انجلترا وفرنسا علي سبيل المثال ). ومن اللافت أن مفهوم الحكومة والحزب عند المواطن البسيط غير المسيس قد يأتي مختلفاً عن التعريفات الاكاديمية والسياسية عند النخبة والمتخصصين، هما عنده الوحدة المحلية والحي حيث تعامله اليومي ومصالحه الحياتية، ومن هنا فموقفه رضاءَ وغضباً يظل مرتهناً بمدي قدرة منظومة الادارة المحلية علي التعامل مع حاجياته بغير استعلاء أو استغلال، وهنا تبرز أهمية اعداد كوادرها فنياً ووظيفيا من خلال دورات تدريبة ًبالاشتراك مع المعاهد العلمية ومراكز اعداد القادة، ومحاربة الفساد المستشري فيها وتفعيل الدور الرقابي للمجالس الشعبية المحلية وإعادة النظر في منظومة الأجور والمرتبات بما يكفل لهم حياة كريمة قد تسهم بقدر في مقاومة الفساد، وهو أمر يجب ان يتدعم من خلال كل آليات التنوير سواء الشعبية أو الرسمية وخاصة الإعلام ومنظمات المجتمع المدني.