قبل أقل من ثلاثة أشهر علي انتصارها التاريخي، حققت ثورة 25 يناير العظيمة في الأسبوع الماضي (الأربعاء 4 مايو 2011) إنجازا كبيرا ورائعا علي صعيد القضية الفلسطينية، تمثل في تحقيق المصالحة بين حركتي: التحرير الفلسطينية "فتح"، والمقاومة الإسلامية "حماس"، وإنهاء حالة الانقسام والتمزق والفوضي في الساحة الفلسطينية، التي دامت قرابة السنوات الأربع. وهذا الإنجاز التاريخي الذي أسعد مئات الملايين في مصر وفلسطين والوطن العربي والأمة الإسلامية، بل وأحرار العالم أجمع، ينبغي تقديره والاحتفاء به، وتوجيه الشكر والتقدير لكل من ساهم في إنجازه بهذه السرعة، وعلي رأسهم المسئولون في المجلس العسكري وجهاز المخابرات العامة ووزارة الخارجية المصرية، إضافة إلي جهود عربية مخلصة، دعمت الاتفاق وشاركت في صنعه. لقد أثبت هذا الإنجاز الكبير قدرتنا كمصريين علي امتلاك إرادتنا الحرة واستقلال قرارنا السياسي، وأن مصلحتنا الوطنية ومسئوليتنا التاريخية والقومية، كشعب عربي ينتمي إلي الأمة الإسلامية، هي الأساس الأول لرؤيتنا الاستراتيجية وقرارنا المستقل، وأننا قادرون علي الحركة والفعل وتغيير المعادلة، بعد أن فقد الكثيرون الأمل في استقلالية القرار المصري في الشأن الفلسطيني بالذات. وأيا كانت الأسباب الحقيقية التي دفعت فريق أبو مازن وقادة حركة "فتح" في رام الله، إلي إتمام المصالحة مع حركة "حماس"، سواء كانت دولية أو إقليمية أو داخلية، فإن الأمر المؤكد أن هذه المصالحة هي خطوة مهمة علي طريق وحدة الصف والتئام الشمل الفلسطيني، وحل الكثير من القضايا والإشكالات الداخلية والوطنية، وبداية صحيحة لتحرير واستعادة الوطن. ولا شك في أن هذا الإنجاز المهم سوف يفتح الباب أمام إعادة ترتيب البيت الفلسطيني من الداخل، عبر تشكيل حكومة غير فصائلية مؤقتة، تكون مهمتها إجراء الانتخابات التشريعية، وإعادة تشكيل أجهزة الأمن الوطني علي أسس مهنية وليست سياسية، وأيضا إنهاء ملف المعتقلين والمضطهدين السياسيين، وإصلاح منظمة التحرير من خلال مشاركة الفصائل التي لم تنضو تحتها بعد، وعلي رأسها "حماس" و"الجهاد الإسلامي". وأيضا سوف يفتح هذا الإنجاز الباب واسعا أمام جهود فك الحصار الإجرامي، المفروض علي قطاع غزة منذ نحو أربع سنوات، واتخاذ إجراءات إعادة إعمار القطاع، التي أقرها مؤتمر القمة العربي في العام الماضي دون أن تنفذ، بعد أن دمرته آلة الحرب العنصرية الصهيونية في العدوان الأخير (ديسمبر 2009 يناير 2010). هذا بالإضافة إلي إعادة تشغيل معبر رفح الحدودي مع مصر، الذي أرجو أن يكون دائما وفق آلية جديدة، وألا يقتصر فقط علي عبور الأفراد، بل يمتد أيضا إلي دخول البضائع والخدمات، من خلال إقامة منطقة تجارة حرة لمصلحة الطرفين، وهذا لا يتنافي مع تحميل الاحتلال الصهيوني المسئولية القانونية الكاملة، عن توفير جميع الاحتياجات المعيشية لسكان القطاع، باعتباره خاضعا للاحتلال، عبر بقية المعابر الستة الموجودة بينه وبين غزة. وعلي الرغم من أجواء التفاؤل والأمل التي نعيش فيها بعد توقيع المصالحة، فإن المخاوف لا تزال قائمة من ظهور عقبات وتدخلات تهدف إلي إفساد هذه المرحلة الجديدة، سواء من جانب الاحتلال الصهيوني، الذي أعلن بوضوح رفضه إتمام المصالحة وهدد وتوعد، أو من جانب الولاياتالمتحدة ورجالها في المنطقة، أو من جانب بعض القوي الداخلية التي تعيش وتنمو في ظل الصراع. والمطلوب الآن هو التأكيد علي استمرار الدور المصري والعربي الداعم لمرحلة ما بعد المصالحة، والتأكيد علي أن مصر، بعد ثورة 25 يناير، لن تقبل أي تدخل من أي طرف، لإفشال أو تعكير هذا الجو الجديد أو إعادة الأوضاع إلي الوراء.