في نفس اليوم أمس الأول قرأت رأيين متناقضين، أو علي الأقل: غير متطابقين. الرأي الأول تصدر الصفحة الأولي لصحيفة: »Le Temps« السويسرية تحت عنوان جاذب يتساءل: »هل تصبح إيران ضحية ربيع العرب؟« التساؤل هنا لم يبن علي خيال كاتب الافتتاحية، وإنما محاولة منه لاستطلاع الرأي في وجهة نظر تكشفت أمامه في الفترة الأخيرة التي شهدت فورات الغضب الشعبي والسخط العام التي عمت عواصم ومدن وقري العديد من الدول العربية. تقييم الكاتب »ستيفان بوسار« لما حدث، ويحدث، في بلادنا العربية من مغربها إلي مشرقها أنها ثورات شعبية حقيقية تطالب بالإصلاح والتغيير وتدعو إلي الديمقراطية والحرية بديلاً عن الديكتاتورية التي عانت الشعوب الأمرين تحت حكمها. انتفاضة شعبية بدأت في تونس وتكررت بسرعة البرق في القاهرة وصنعاء والمنامة وطرابلس والرباط ودمشق والجزائر تطلب الديمقراطية لنفسها ولغيرها بلا تفرقة بين لون أو جنس أو سن أو عقيدة. ويري الكاتب أن ما عرف ب »ربيع العرب« لقي ترحيباً من العالم كله الذي يؤيد سعي الشعوب إلي التخلص من أنظمتها الديكتاتورية بكل أشكالها وأنواعها ويساند حقها الأوحد في اختيار نظام حكمها وحكامها بالأسلوب الديمقراطي وليس فرضا من حزب أوحد أو جماعة متطرفة، وهذا بالضبط ما أراد كاتب المقال توضيحه لإثبات أن الفكر التطرفي، الجهادي، الإرهابي علي طريقة تنظيم القاعدة وغيرها من الجماعات والتنظيمات والخلايات النائمة أو الواعية لم يلعب دوراً ما في قيام وانتشار الانتفاضات الجماهيرية في المغرب والمشرق العربيين التي سرعان ما تحولت إلي ثورات شعبية تطالب بالديمقراطية والحرية للجميع بلا تفرقة علي أساس الدين أو الجنس أو اللون. حكام الجمهورية الإسلامية في طهران تسابقوا لخطف »ربيع العرب« بزعم أن الشعوب العربية ثارت وستثور من أجل هدف أوحد هو: تكرار التجربة الخومينية الإيرانية في عواصمها! ولسوء حظ حكام طهران أن العالم الإسلامي التونسي راشد الغنوشي لم يسكت علي مزاعم المرشد الأعلي الإيراني: علي خامئني التي ردد فيها التلاحم الشديد بين التجربة الإيرانية وبين الثورات العربية الحالية وسارع الزعيم الإسلامي الغنوشي بنفي هذا الزعم، مؤكدا في الوقت نفسه أن الثورة التونسية نبعت من الشعب بكل طوائفه ومعتقداته تعبيراً عن آلامه وآماله في مستقبل أفضل يعيد الديمقراطية وحقوق الإنسان للتونسيين. نفس الوقفة وقفتها »جماعة الإخوان المسلمين« في مصر، وسمعنا العديد من قادتها يكررون أن ما حدث في مصر هو: »ثورة شعب« وليس »ثورة الإسلاميين«. مقال محايد يحمل وجهة نظر أوافق عليها تماما، لكن المؤسف والمفجع أنه بعد انتهائي من قراءته سمعت عن خبر قيام نحو ألف شخص معظمهم من السلفيين بحصار إحدي كنائسنا المصرية في إمبابة وقاموا بإشعال النار فيها بعد سماعهم عن شائعة تزعم وجود فتاة مصرية قبطية تم احتجازها داخلها، عقابا لها علي إشهار إسلامها! وذكرت الأنباء أن اشتباكات ومواجهات بين مسلمين ومسيحيين أسقطت قتلي وجرحي بالعشرات، وهو ما يعيد الفتنة الطائفية إلي سطح الأحداث مرة أخري. الصدمة مفجعة كما قلت. والسكوت عنها لن يمنع تكرارها. وحسناً فعل رئيس الحكومة د. عصام شرف بتأجيل زيارته الخارجية ليعقد اجتماعاً طارئاً يخصصه لمناقشة أحداث إمبابة.. توطئة لإصدار قرارات حاسمة وعاجلة ورادعة طال انتظارها.