جاموسة صابر.. هي الجاموسة المتحررة.. سليمة القلب وخفيفة الروح.. التي تسللت من عشة صابر.. في الصباح الباكر.. وهي تنكسر في مشيتها.. متجهة نحو الحديقة.. أي الحقل.. واثناء عبورها مزلقان العياط.. وهي غائبة عن الوجدان.. دهمها القطار.. وتوقف.. وتوقفت معه الحركة.. وهبط الركاب.. يستطلعون ما احدثته جاموسة صابر من تعطيل حركة الذهاب والاياب.. ولا تجري علي السنتهم سوي الحوقلة وفي هذه الاثناء جاء قطار اخر ينطلق بسرعة خارقة فائتة فوق نفس القضبان.. فاطاح بالقطار الذي دهم جاموسة صابر.. وقذف بالجماهير الغفيرة التي احتشدت تتابع الحادث عن قرب.. فمات العشرات.. ونقلهم الاهالي لعشش ذويهم.. لدفنهم علي نفقتهم. وعلي الرغم من ان خبراء السكك الحديدية.. القوا باسباب الحادث علي جاموسة صابر.. التي تركت العشة دون اذن من صابر.. الا ان القيادة السياسية.. اقالت وزير النقل.. أيامها.. منصور! وذهب الوزير منصور.. ونسي الرأي العام حكايته مع حسني مبارك.. إلا ان جاموسة صابر.. بقيت في الذاكرة.. واسلوبا في الخروج من المأزق خروج الشعرة من العجين. باتت فلسفة.. في الهروب من المسئولية.. ونجاة محاسيب النظام البائد.. من الحساب.. أو الدخول في تحقيقات مع المسئول الحقيقي عن الجرائم التي تهدر فيها ارواح الغلابة. كل جريمة يرتكبها مسئول كبير. تقع العقوبة فيها علي مسئول صغير.. في نفس عينة الضحايا.. غلبان مثلهم.. ولا حول له ولا قوة.. مثلهم.. لان الغلبان في بلدنا.. موعود بالعذاب.. علي رأي عبدالحليم حافظ. موعود بالعذاب في قطارات الصعيد.. التي يتفحم بداخلها الغلابة فقط.. من أهل الصعيد الجواني. وموعود بالعذاب في طوابير الطابونة. وموعود بالعذاب عند سقوط الاوتوبيسات من فوق الكباري العلوية.. وعند غرق العبارات.. وعند سقوط كتل الاحجار العملاقة فوق عشش الدويقة.. وعند اندلاع الحرائق بمنطقة زينهم التي يتزعمها فتحي سرور.. الخ. بلاوي مسيحة.. ومتنيلة بستين نيلة.. للغلابة فقط! وفي كل مرة تضيع المسئولية.. وتعود ريمة لعادتها القديمة.. لان المتهم في كل مرة هو »جاموسة صابر«! وجاموسة صابر ماتت في العياط.. ولكن نظريتها لا تزال قائمة.. علي نمط المذاهب التي مات أصحابها.. وبقيت المذاهب والافكار الفلسفية »خالدة« حتي اليوم ابتداء من ديدور.. وفولتير وروسو.. وبابيف.. وروبرت اوين.. وهارولد لاسكي.. وانتهاء بالصديق الدكتور علي الدين هلال. فلاسفة زائلون.. ونظريات فلسفية باقية! ويبدو اننا تأقلمنا.. علي فلسفة جاموسة صابر في الحكم علي الاشياء والمواقف.. بعد 03 سنة في الترويض.. فنحن نتحسب عندما تقترب اقلامنا من توجيه النقد للاقوياء الذين بايديهم »الشخط فينا« وتهديد أقوات احفادنا.. ونتباري في توجيه اللوم والتقريع للاطراف الاضعف. انه نوع من »الترويض«.. علي نحو ما نراه في سيرك الحلو.. وبما اننا في المجتمعات التي تعتمد علي الثقافة النهرية والزراعية التي تقوم علي »الترويض« فإننا نعد الاسرع من حيث القابلية للترويض.. عن الثقافات التي تعتمد علي الصيد. والقوي هو الذي يستطيع ترويض الضعيف.. واذا اخذنا جاموسة صابر.. مثلا لما نقول.. نري ان صابر وهو مقعد غلبان.. لا يستطيع ان يعول نفسه.. قد نجح في »ترويض« الجاموسة.. علي ان تعوله.. وان تخرج من العشة.. وتذهب الي الحقل وحدها. وكانت جاموسة صابر.. جاموسة »معيلة« وفقا للمصطلح الذي ابتدعته السيدة الاولي السابقة سوزان ثابت.. فهي التي كانت تعول صابر.. ولم يكن له مصدر رزق سواها.. ولو كان الله سبحانه وتعالي قد اعطي جاموسة صابر.. ملكة التحكم.. وابداء الرأي.. ومقارعة صابر الحجة بالحجة.. لكان لمدينة العياط موقع اخر علي خريطة المدن المصرية. نعود لموضوعنا.. فنقول ان مصرع جاموسة صابر عند مزلقان العياط.. لم يدفع النظام الاجرامي البائد لتحسين حال المزلقانات وتزويدها بالاشارات والادوات العصرية.. دائما ادي لابتكار وابتداع سياسة.. القاء المسئولية الجنائية والعقابية علي الاطراف الاضعف.. والاقل حيلة.. الاقوي يفلت.. والاضعف ينبشون في اوراقه وملفاته.. ولا يجد في البلد من ينطق بكلمة الحق.. حتي يتحمل مسئولية الجريمة وحده.. المثير في الموضوع انه علي الرغم من الحالة الثورية التي نمر بها.. والاطاحة بسياسات النظام البائد.. الا انه من الواضح.. اننا لم نتخلص بعد من فلسفة جاموسة صابر والدليل علي ذلك.. ان زعيم النظام الاجرامي البائد.. لم يقدم حتي الان للمحاكمة.. رغم انه كان المسئول الاول عن ادارة شئون الدولة لمدة 03 سنة.. وهو الذي يضع سياساتها في الداخل والخارج وهو الذي يعين الوزراء وهو الرئيس الاعلي للقوات المسلحة والرئيس الأعلي للشرطة وهو الذي يحل البرلمان.. ويصدر قرارات لها قوة القانون ويعتمد الاحكام.. وهو الذي يمنح آلاف الافدنة من الاراضي باشارة من اصبع السبابة.. وهو الذي اتخذ من كبار الفاسدين والمرتشين والسماسرة.. حاشية له.. يلبي شهواتهم ويخضع لسلطانهم.. وهو الذي اهدر القطاع العام كما يقضي علي الدور الاجتماعي الذي كان يضطلع به.. ويحمي البسطاء من سطوة المستثمرين الذين يحددون أسعار منتجاتهم بحسابات الربح والخسارة.. الخ. قائمة طويلة من الجرائم.. التي تصل في بعضها الي حد الخيانة العظمي.. ومع ذلك فهو لم يقدم حتي كتابة هذه السطور للمحاكمة.. لماذا؟.. لسبب بسيط.. هو اننا لم نتخلص بعد من نظرية »جاموسة صابر« التي يبدو انها لا تزال سارية المفعول.. ففي كل يوم.. تأتينا الانباء من سجن طره.. ومن الزنازين التي يقيم بها فتحي سرور وصفوت الشريف وزكريا عزمي وانس الفقي.. وتأتينا الانباء عن تحقيقات تجري عن تضخم الثروات.. لبعض رموز النظام الاجرامي البائد.. ولكن الانباء لا تصل في كل الاحوال لمحاكمة حسني مبارك.. علي الرغم من انه لم يكن سرا ان الرئيس المتخلي كان الرقم الصحيح بين مجموعة كبيرة من الاصفار.. كل مساعديه كانوا مجموعة من الاصفار التي تتلقي التعليمات وتنفذ ما يملي عليها من اوامر. في الدول التي سبقتنا في ثورات التحول من نظم متعفنة لنظم عصرية تواكب الزمن.. رأينا.. المحاكمات تجري لاصحاب الارقام الصحيحة.. وليس لكبار رجال الحاشية لسبب بسيط.. هو ان هذه الدول.. لم تكن قد توصلت للحل السحري الذي ابتدع النظام الاجرامي البائد عندنا.. وهو جاموسة صابر! ما رأيكم في تغيير اسم سجن طره ونحوله إلي »منتجع جاموسة صابر«؟