بعدما أذهلنا العالم.. هل تقدم السينما المصرية فيلما يليق بثورتنا؟ أم يتدافع صناعها ليركبوا الموجة يتبارون علي تقديم أفلام هزيلة سطحية لا ترقي لمستوي الحدث؟! الملاحظ انه بعد خطاب »التخلي« فورا انهالت تصريحات السينمائيين حول افلام طويلة وقصيرة انطلقت في مخيلتهم فجأة عن الثورة وأحداثها وشهدائها.. وكأن حدث بهذه الضخامة من السهل الاقتراب منه ورصده في فيلم سينمائي ما بين عشية وضحاها! فجأة اصبحت »الثورة« - حتي عند من لم يشاركوا فيها وكان ولاؤهم للنظام الفاسد - هي التيمة الأهم والاكثر إلحاحا.. ودخل كتاب السيناريو مباراة في تأليف افلام عن الثورة »علي كل لون« وكأنها بضاعة لابد من عرضها بسرعة قبل ان »تبور«! أعرف ان »الإستسهال« شيمة المشهد السينمائي في مصر لكن لا ينبغي ابدا القفز علي تاريخ ومجد صنعه المصريون بدمائهم وكفاحهم وصمودهم من أجل حفنة أموال.. ودون وازع من ضمير تجاه ثورة تقرر مصير شعب عبقري أنحني له العالم وانبهر به اهل المعمورة من أقصاها الي أدناها. يجب ان تحترم السينما المصرية جمهورها.. وعندما تتحدث عن ثورته تقدم عملا صادقا يرقي إليها ويرضي طموح المصري العظيم.. فيلم يسبقه تأمل وتفكير ثم رصد لحدث فصوله لم تكتمل بعد.. فيلم يأخذ حقه من الإعداد وترصد له ميزانية ضخمة تتناسب مع طبيعة الحدث.. لا افلام كل هدفها تعبئة العلب لتسويقها! تسونامي أفلام الثورة المشهد الان مرتبك ومثير للدهشة.. فكما لو أن موجات تسونامي لافلام الثورة اجتاحت الوسط السينمائي فجأة.. عدد الافلام القصيرة التي تم تصويرها أو في الطريق للتصوير من الصعب حصره فهي بالعشرات تتدافع حتي تصيبك بالدوار! في مهرجان كان السينمائي الدولي الذي تبدأ فعالياته بعد اسبوع سيعرض لمصر عشرة افلام روائية قصيرة في اطار الاحتفال بالسينما المصرية والافلام لعشرة من كبار مخرجي السينما وشبابها الذين شاركوا في الثورة وإن كانت القائمة تضم بعضا من مؤيدي النظام السابق مما يثير حولهم جدلا كبيرا.. ويعيد مرة أخري التساؤل لماذا التدافع علي تقديم الافلام حتي ولو كانت قصيرة إذا لم تكن عشت احداث الثورة وشاركت فيها وانفعلت بها بشدة؟! وهو ما ينطبق علي مخرجين منهم يسري نصر الله وله »داخلي وخارجي« ومحمد علي »لما يجيك الطوفان« وكاملة ابوذكري »خلقة ربنا« واحمد عبدالله »شباك« وكلهم للحق شاركوا في الثورة وكانوا في الميدان من اليوم الاول متظاهرين معتصمين.. من الطبيعي ان يرصدوا الاحداث التي عاشوها وبسرعة.. اما الاخرون فأمرهم مختلف ويحتاجون من الوقت الكثير للرصد والتحليل قبل صناعة الفيلم حتي لو كان قصيرا. وهناك سيل جارف في احتفالية جمعية الفيلم المقامة حاليا حتي انه في بعض الايام يعرض ثمانية افلام دفعة واحدة فتجاوزت الافلام القصيرة عن الثورة في الاحتفالية خمسين فيلما! هذ غير ما يجري تصويره حاليا او مزمع تصويره خلال ايام وهو كثير ايضا ولا يمكن حصره! سر الأفلام الطويلة أما الافلام الطويلة والتي بلا أي جدال - تحتاج فعلا لفترة زمنية ليست قصيرة لإعدادها.. فلم يختلف المشهد كثيرا.. فهناك عدد كبير من الافلام بعضها تم تصويره والبعض الاخر يجري الاعداد له وإن كنت بالنسبة للافلام الطويلة اشك في انجاز معظمها لصعوبة التمويل حاليا والسينما تمر بأزمة حقيقية.. فإن كان الفيلم القصير يتكلف »آلاف« من الجنيهات فانتاج فيلم طويل يحتاج عدة »ملايين« علي الاقل. سألت المنتج والموزع محمد حسن رمزي.. عن السر في التسابق علي انتاج افلام طويلة عن الثورة فقال: بعض القنوات الفضائية طلبت فعلا افلاما عن الثورة ولذلك تهافت المنتجون علي تقديمها.. إلا انه لكن هذا العدد الكبير من الافلام قد يجد صعوبة في تسويقه.. فالقنوات تريد عددا محدودا وبعدما تشتري ما تحتاج لن يجد منتجها سبيلا لتسويقها! وهكذا ولهذا السبب يأتي ماراثون افلام الثورة.. بعضها لا نشك في حماس وصدق مخرجيها ومنتجيها والبعض الاخر لم يصنعها الا من اجل المال! ودون تمييز بين هذا وذاك هناك عدد من الافلام تم تصويرها فعلا اولها ما تم تعديل بعض مشاهده أو اضيف لها مشاهد من الثورة مثل »صرخة نملة« لسامح عبدالعزيز والذي سيسبق الافلام الطويلة كلها حيث يُعرض هذا الشهر.. وثانيها فيلم »ميدان التحرير« الذي يجري تصويره الان المخرج المتميز مجدي احمد علي والذي عاش التجربة كاملة في الميدان فنقلها الي السينما.. ففيلمه قصة واقعية لجراح قلب شهير ظل لا علاقة له بالسياسة الي ان تفجرت ثورة يناير وشاركت فيها ابنته التي اتصلت به تليفونيا تحكي له عما حدث للمتظاهرين في موقعة الجمل وتطلب منه النجدة فكون فريقا طبيا محدودا وذهب للميدان وهناك انقلبت حياته رأسا علي عقب. ومن الافلام المزمع تصويرها »ليلة سقوط النظام« الذي تدور احداثه حول الساعات الاخيرة قبل »التنحي«.. مرشح لبطولته خالد صالح وبسمة وعمرو واكد وهم من المشاركين في الثورة وهناك ايضا »ليلة سقوط الرئيس« لمحمود كامل والذي يؤكد انه لم يرشح ابطاله حتي الان رغم تعدد الاخبار المنشورة حول نجوم الفيلم و»حكاية مصرية« لاسامة عشم بطولة اسامة منير وآيتن عامر.. و»52 ميدان التحرير« لخالد بهجت و»شوارع الجنة« لخالد الحجر و»اقالة شعب« الذي يتناول قضية الشهيد خالد سعيد وتلعب بطولته نجلاء فتحي ومحمد رجب ! وهناك فيلم الشهيدة سالي زهران والذي رشحت لبطولته مني زكي لكنها عادت لترفض بعدما ثار جدل كبير حول الشهيدة التي اعلن اهلها - ربما مضطرين - انها استشهدت أو ماتت ببيتها رغم تأكيدات زملائها انها استشهدت بالميدان امام احد المطاعم الشهيرة! علي الجانب الاخر هناك مخرجون رفضوا تماما فكرة تقديم فيلم عن الثورة الان ومنهم محمد امين الذي تساءل كيف اقدم فيلما عن الثورة ومازالت احداثها مستمرة.. وقال انه سيقدم فيلما عنها في المستقبل لكن بعدما يعرف نتائجها ويكون لديه الوقت لانجاز عمل يليق بها خاصة ان فيلمه عن ثورة يناير يحتاج ميزانية ضخمة.. وكان خالد يوسف يتفق معه في الرأي إلا انه عاد وغير موقفه بعدما جاءته فكرة اثارت حماسه لتقديم فيلم عن الثورة. المهم ألا تصبح ثورة يناير الان مجرد غنيمة يتصارع عليها الجميع لاقتسامها واقتناص ما يمكن منها فنحن ننأي بالسينمائيين ان يركبوا الموجة أو يقفزوا علي الثورة لتحقيق مكاسب شخصية.