إن شوارعنا تشبهنا فهل ننظر إلي أنفسنا في مرآة الشارع ؟ إذا أردت صورة صادقة لمصر الآن فيمكنك أن تجدها في المرور، وهذه أهم معالم مرورنا : - فرض الأمر الواقع : منذ سنوات كان التوك توك ممنوعاً، ورغم هذا كان استيراده لا يتوقف، حتي بلغ عدد التكاتك طبقاً للإحصائيات غير الرسمية ستمائة ألف توك توك، وصار أمراً واقعاً، فاضطررنا للاعتراف به، وصار ملمحاً أساسياً في شوارعنا. تري لو كنا أوقفنا استيراده منذ البداية، هل كان الأمر سيصل لما وصل إليه ؟ لكن هكذا حالنا، نترك المشكلة حتي تستفحل، ثم نبذل الوقت والجهد والمال من أجل إيجاد حل لها، ولو عالجناها منذ البداية لوفرنا علي أنفسنا وعلي بلدنا الكثير، لكن من يقول ومن يسمع ؟ - العشوائية : وما دمنا نتحدث عن فرض الأمر الواقع فلابد أن نتحدث عن العشوائية، لأن عكس العشوائية هو التخطيط، أي سبق الواقع، ونحن لم نتعود علي هذا. وصور العشوائية في مرورنا كثيرة، منها : المواقف العشوائية، فوسائل النقل تصنع لنفسها ما تشاء من مواقف عشوائية، فتجد موقفاً للميكروباصات في مطلع أحد الكباري، أو موقفاً آخر في مفترق طرق فوق كوبري آخر، أو تجد موقفاً للتوك توك في مدخل أحد الشوارع، والتكاتك تسد هذا المدخل تماماً، أو تجد الميكروباصات تترك موقفها الرسمي وتقف خارج الموقف. إنها العشوائية، عشوائية بلا حدود. - الفوضي : ومن أبرز سمات المرور في مصر : الفوضي. ومن الأمثلة الحية للفوضي : ميدان الحصري بمدينة أكتوبر، فقد قامت المدينة بتوسعة الشوارع وجعلها اتجاهاً واحداً، وسعة الشارع تصل لثماني حارات، لكنك تجد الميكروباصات والأتوبيسات تحتل أربع حارات علي الأقل، وربما وجدت الميكروباص يقف في منتصف الشارع ليأخذ زبوناً، أو لينزل راكباً. وبسبب هذه الفوضي تشعر أن ما قامت به المدينة لتوسيع الشوارع وحل أزمة المرور لم يؤدِ الهدف منه. - غياب الشرطة : وفي غياب شرطة المرور يمكن لأي سائق أن يفعل ما يشاء، وسأعطي مثالاً، علقت مدينة أكتوبر لافتة في ميدان الحصري تقول »ممنوع سير التوك توك »، وفي غياب الشرطة لم يجد سائقو التوك توك مكاناً للوقوف فيه أفضل من جوار اللافتة، وبعد قليل أداروا اللافتة إلي الناحية الأخري، ثم نزعوها تماماً، وصار المكان موقفاً عشوائياً دائماً للتوك توك. تري هل كان هذا ليحدث لو أن شرطة المرور كانت موجودة بحق ؟ وبسبب غياب الشرطة تجد أن سائقي التوك توك غالباً من الصبية، ولا يحملون رخصة، والتوك توك نفسه بلا رخصة ولا أرقام، ولذلك لا يمكنك الوصول إليه لو ارتكب أي مخالفة. - السير في الاتجاه العكسي : ومن ملامح المرور في مصرنا العزيزة : السير في الاتجاه العكسي، لدرجة أنك لا تكاد تجد توك توك واحداً يسير في الاتجاه الصحيح، وأضف إليه موتوسيكلات التوصيل للمنازل، التي تسير بطريقة مجنونة من أجل توصيل الطلبات بأقصي سرعة، لدرجة أن الواحد منهم يسمي » الطيار ». إن السير عكس الاتجاه تجسيد حقيقي لرغبتنا في كسر القانون. - الأولوية للأقوي : والأقوي هو صاحب السيارة، أما الأضعف فهو الماشي علي قدميه. انظر مثلاً لمحور 26 يوليو، بالتحديد في المنطقة المواجهة لجامعة مصر، أو المنطقة المحيطة بميدان الحصري، حيث توجد جامعة أكتوبر، لن تجد كوبري مشاة يحمي أرواح أبنائنا من أخطار السيارات. هذه مجرد أمثلة، ومن المؤكد أن غيرها بلا حصر.