غدت الكنافة بالقطائف تسخر.. وتقول إني بالفضيلة أجدر.. طويت محاسنها لنشر محاسني.. كم بين ما يُطوي وآخر ينشر.. فحلاوتي تبدو وتلك خفية.. وكذا الحلاوة في البوادي أشهر القراءة في التراث المصري والعربي شيء ممتع، أعود إليه كلما جاءت مناسبة ما، ففي جلسة عائلية دار الحديث عن أصل الكنافة والقطائف ولماذا ارتبط وجودهما بشهر رمضان الكريم، وتسابق الجميع حول أصلهما، مصري أم سوري، في دراسة شائقة للمحقق التاريخي المعروف محمد سيد كيلاني أجري دراسة في أربعينيات القرن الماضي بعنوان » شهر الكنافة والقطائف » نشرها في مجلة الرسالة الشهيرة في العدد 888 عام 1950، تصدي فيها لهذه الأقاويل وقال »لفظ الكنافة لم يذكره أحد من أئمة اللغة، ولا نجد في الألفاظ اللغوية ما يصلح أن يكون مادة لها، فلعلها كلمة يونانية»، وروي السيوطي عن ابن فضل الله العمري صاحب (مسالك الإبصار) أنه قال »كان معاوية يجوع في رمضان جوعا شديدا فشكا ذلك إلي محمد بن آثال الطبيب فاتخذ له الكنافة فكان يأكلها في السحر فهو أول من اتخذها» ولكن الكيلاني شكك في صحة هذا القول وقال لو عُرفت الكنافة منذ عصر معاوية لذكرها شعراء العصر العباسي مثلما ذكروا القطائف في أشعارهم وهاموا بها شعراً ونثرا، ويضيف الكيلاني أنه لاحظ أن الشعراء المصريين كانوا أول من ذكر الكنافة في أشعارهم، وأول من تغني بها مثل الشاعر أبو الحسن الجزار المصري الذي قال » سقي الله أكناف الكنافة بالقطر وجاد وليها سكر دائم الدر.. وتبا لأوقات المخلل إنها تمر بلا نفع وتحسب من عمري » وقوله في قصيدة أخري » ومالي أري وجه الكنافة مُغضباً.. ولولا رضاها لم أرد رمضانها.. عجبت لها من رقة كيف أظهرت.. عليّ قد صد عني جناحها..» وهذا شاعر آخر يذكر ليالي الكنافة في عمره بالخير فيقول » ولم أنس ليلات الكنافة قطرها هو الحلو إلا أنه الحب الغر.. تجود بها كفي فاهتز فرحة كما انتفض العصفور بلله القطر »، والشاعر ابن حنين الذي سخر من القطائف لحبه الشديد للكنافة فقال » غدت الكنافة بالقطائف تسخر.. وتقول إني بالفضيلة أجدر.. طويت محاسنها لنشر محاسني.. كم بين ما يُطوي وآخر ينشر.. فحلاوتي تبدو وتلك خفية.. وكذا الحلاوة في البوادي أشهر »، أما عن أصل القطائف، يشير الكيلاني أن بعض المؤرخين يرجع أصل تسميتها لتشابه ملمسها مع ملمس قماش القطيفة (المخمل)، وقيل أيضا إنه عندما عُرفت خلال العصر المملوكي اتخذت هذا الاسم حين قدمت كفطيرة محشوة ليقطفها الضيوف فلقبت فطيرة القطف، ثم تحول الاسم عن طريق دخول العامية فتحولت إلي قطايف، ولكن الكيلاني ينفي ذلك ويقول إن القطائف عُرفت في العصر العباسي وليس المملوكي فقد ذكرها ابن الرومي وكثير من شعراء هذا العصر، وفي كتاب » منهل اللطائف في الكنافة والقطائف » لجلال الدين السيوطي ذكر قول الشاعر زين الله السكندري » لله در قطائف محشوة.. من فستق دعت النواظر واليدا.. شبهتها لما بدت في صحنها.. بحقاق عاج قد حشين زبرجدا » وقال آخر في القطايف » أقول وقد جاء الغلاء بصحنه.. عقيب طعام الفطر يا غاية المني.. بحقك قل لي جاء صحن قطائف.. وبح باسم من أهوي ودعني من الكني ». أما الشاعر الدكتور عبد الله صلاح فقد قارن بين الروايات المتعددة والمختلفة عن بدايات الكنافة والقطائف هل في العصر الأموي أم العباسي أم الفاطمي، المهم أنهما كانا من أهم الأطباق علي الموائد الرمضانية، وتغني بها رواد أدباء الشعر العربي مثل ابن الرومي والإمام البوصيري والمرصفي وأبو الهلال العسكري والسراج الوراق والمرصفي والصفدي إلي جانب شعراء العصر الحديث، فيقول الشاعر سعد الدين بن عربي » وقطائف مقرونة بكنافة.. من فوقهن السكر المذرور.. هاتيك تطربني بنظم راق.. ويروقني من هذه المنثور ». اختلفت الروايات ولكن تظل أطباق الكنافة والقطائف إضافة إلي مشروب قمر الدين والخشاف، من الأطباق الرئيسية علي موائد الأغنياء والفقراء خلال الشهر الكريم، والتي يرجع تاريخها إلي نحو ألف عام، وكانت تسمي بحلوي الملوك، وأصبحت مع الوقت حلوي الأغنياء والفقراء، لكن يبدو أنها هذا العام بسبب الأزمة الاقتصادية وارتفاع أسعارها عادت للمسمي الأصلي لها، حلوي الملوك. نفحات روحانية الجمعة: أسبح بروحي وعقلي وتتملكني أحاسيس جياشة كلما اقترب شهر رمضان المبارك، نفحات روحانية تتخلل كل خلايا جسدي كلما تفكرت في عظمته، هذا الشهر العظة الذي تُفتح فيه أبواب الجنة وتغلق أبواب النار، وتُصفد الشياطين، صفاء نفسي ونورانية تتزايد كلما اقتربت أيامه الفضيلة، لا يعكر صفاء ما أشعر به سوي الزحام المروري الشديد والجهاد اليومي للوصول إلي مكتبي، والتكالب علي شراء المواد الغذائية بالأسواق والذي لا أجد له سبباً مقنعاً، وأتساءل، ما كل هذه الكميات المبيعة منها والتي تكفي للقضاء علي المجاعات في أفريقيا، تعودت أن انتظر حتي يبدأ الشهر الكريم لأبتاع احتياجاتي الأسبوعية بعد أن ينقضي الزحام، أجد بعض الانخفاض في الأسعار، يا ألله، لو كلنا أخذ احتياجاته فقط بعيداً عن التخزين لم تكن الأسعار ترتفع كل عام قبل قدوم الشهر الكريم، فالقاعدة الاقتصادية معروفة، كلما زاد الطلب علي المعروضات ارتفعت الأسعار وكلما انخفض الطلب قلت الأسعار، ولكنها قاعدة تُنسي عمداً أمام هواية الشراء والتخزين لأيام الشهر الفضيل، وأمام سيل من الإعلانات التنافسية بين شركات السلع الغذائية التي تقفز في وجوهنا طوال اليوم، والبرامج اليومية في كل أوقات اليوم تتحدث عن السع والدعم والتي تنافسها برامج الطهي التي تمتلئ بها القنوات التليفزيونية والفضائية وتتزايد بكثرة مع اقتراب شهر رمضان، وكأننا مقبلون علي مجاعة رمضانية..! وبدلاً من الانشغال برضوان الله في أيام مباركة أُغلقت فيها أبواب النار وفُتحت أبواب الرحمة والغفران، ننشغل بالطعام والشراب والمسلسلات وبرامج التسلية، وسط ما يحاصرنا من ظروف اقتصادية وعمليات إرهابية تأخذ في طريقها أبناء الوطن، وتنغَص علينا أوقاتنا ونحن نستقبل أيام الشهر الكريم، رحم الله شهداءنا، ولتكن دعوانا، اللهم ارحم واغفر إنك أنت السميع العليم، وثبت قلوبنا علي الحق، وابعد عنا شر أنفسنا وشرور من حولنا، وانصرنا فأنت خير الناصرين. شياطين الإنس الأحد : ونحن علي أعتاب ساعات قليلة من استقبال الشهر الكريم، استيقظت صباح الجمعة علي كم من الحزن والوجع علي حادث أتوبيس المنيا الذي راح ضحيته 29 ضحية من شهدائنا الأقباط رجالاً ونساء وأطفالاً وإصابة العشرات، بسبب هجوم مسلح من إناس أقل ما يوصفون به أنهم من شياطين الإنس الذين انعدمت الرحمة من قلوبهم، يستحلون دماء الأبرياء بلا سبب، ليحرق الله قلوبهم ويعمي أبصارهم وُيرينا فيهم كل شرور الدنيا ومصائبها هُم ومن يساندونهم ويمولونهم، قد يكون ما قامت به قواتنا المسلحة الباسلة بدك عدد من حصونهم ومعاقلهم في ليبيا قد أشفي جزءاً من غليلنا، ولكن هل مزيد يشفي ما نعانيه من قسوتهم وحقدهم الأسود لنُخلص البشرية من شرورهم. ولا نملك سوي عبارات المواساة والدعاء لله سبحانه وتعالي أن يرحم شهداءنا ويُصبرنا ويُصبر ذويهم، وليعلم كل إرهابي وكل مساند وممول له أننا رغم كل ما يفعلونه بنا سننتصر عليهم، ليقرأوا التاريخ جيداً ليعلموا أن الحفاظ علي العرض والتراب والوطن والوحدة بين المصريين علي اختلاف انتماءاتهم وعقائدهم جين أصيل موجود في دمائهم لن يتغير ولن يتبدل. الأزهر المفتري عليه مع كل حادث إرهابي يرفع الكثيرون أصابعهم مشيرين إلي الأزهر الشريف، يقولون إن الخطاب الديني هو سبب وجود الإرهاب، ويطالبون بتغيير وتنقية المناهج الأزهرية، وكُنت مثل الكثيرين أتمني تغيير الخطاب الديني جملة ظهرت علي السطح منذ عقدين من الزمان، بالتحديد في تسعينيات القرن الماضي بعد ظهور الحركات الإرهابية المتعاقبة وحادث الأقصر الشهير، وعلمت وقتها أن الأزهر الشريف استطاع عدد لا بأس به من جماعة الإخوان اختراقه حتي شكلت نسبتهم به حوالي 40 في المائة من شيوخه وطلابه، وأرجو هنا من القائمين علي الأمر التصحيح لو كانت معلوماتي غير صحيحة، وكنت أتمني تغيير أو القضاء علي الخطاب الوهابي السلفي المتزمت، وليس الخطاب الديني الوسطي الصادر عن الأزهر الشريف منذ أكثر من ألف عام. لم أنبهر كغيري بما يقوله المجددون في الدين الذين ظهروا علي السطح منذ عقدين من الزمان وسمموا الأفكار بفتاواهم الغريبة، وأضع هنا مائة خط تحت كلمة المجددين، ولكن لأني اعتدت كما علمني والدي رحمة الله عليه وهو من رجال التعليم الكبار درس بالأزهر الشريف وبالتحديد كلية دار العلوم وقت أن كان يتهافت عليها خريجو التعليم الثانوي، وحتي نال أرقي الدرجات العلمية بها، وقد توفي منذ 27 عاماً، ولكن تعاليمه مازلت أحفظها عن ظهر قلب، وكان حافظاً للقرآن الكريم، عالماً في أمور الدين واللغة العربية وقد علمني ألا أستمع إلي رأي أو فتوي وأرددها قبل أن أفندهها وأقرأ وأقرأ وأقرأ كثيراً حتي أصل إلي قناعاتي بهذا الرأي أو الفتوي عملاً بالأحاديث الشريفة » اطلبوا العلم ولو في الصين » و» استفتي قلبك ولو أفتوك »، لقد كان وسطياً لم يفرض علينا رأياً في أمور الدين، لم يأمرنا بالحجاب والصلاة، علمنا وتركنا نختار ما نقوم به من واجباتنا تجاه الله سبحانه وتعالي، وقد ازدادت معرفتي بقدر والدي بعد أن كبرت سناً، وقت أن كان للعلم والمُعلم احترامه، وشاهدت الكثيرين من المشاهير في المناصب العليا في مختلف التخصصات، ممن تعلموا وتخرجوا علي يديه يكادون حين يشاهدونه في أي مكان أن يقبلوا يده ورأسه عملاً بالمثل الشهير » من علمني حرفاً صرت له عبداً »، وعودة للأزهر الشريف المفتري عليه، والذي تخرج منه كبار شيوخ الوسطية علي مر العصور، والذين درسوا به تلك المناهج التي يطالبون الآن بتجديدها، ولم يتحولوا إلي إرهابيين، فكل ما يتم اقتطاعه أو تجزئته منها والتي بها ما يخالف الإسلام هي نصوص تُدرَس تبين الرأي المخالف للإسلام والرد التوضيحي الشرعي السليم، ولهذا اجتزاء هذه النصوص هو خطأ فادح يقع فيه الكثيرون بحجة أنها تُحرض علي العنف، وإذا قرأنا النص كاملاً في هذه الكُتب فسنجد العكس تماماً فهي كتب دراسية تُبين جميع الآراء المتشددة وحتي نصل للرأي الإسلامي الصحيح باقتناع تام. إن الخطاب الديني لا يُريد تجديداً بقدر ما نريد تجديد العقول بالعودة إلي القراءة الصحيحة الناضجة والإيمان بوسطية دون تشدد وهو ما كان رابطاً بقلوب المصريين علي مر العصور، وأيضاً العودة إلي التعليم الجيد والتربية السليمة لأبنائنا و» اللمَة » الأسرية المفقودة، والأهم من هذا وذاك أن نُعيد للمساجد احترامها وللمنابر قدسيتها وإغلاق الزوايا التي انتشرت خلال العقود الماضية تحت الأبنية والأبراج والتي قام ملاكها ببنائها تهرباً من الضرائب العقارية وهو قانون خبيث صدر في غفوة من الزمان جعلت من هذه الزوايا مرتعاً للمتشددين من جماعة الإخوان والجماعات السلفية والوهابية المتشددة الوافدة علينا منذ سبعينيات القرن الماضي، والكثير منها حتي هذه اللحظة مازال قائماً ويسيطر عليه أصحاب الفكر المتشدد، ولا يخضع لإشراف وزارة الأوقاف، المطلوب تنقية الأزهر الشريف ووزارة الأوقاف من المتشددين من أصحاب الفكر الوهابي الذين أساءوا إلي الأزهر وليس تغيير مناهجه التي درسها كبار شيوخنا الأفاضل علي مر التاريخ وعلموا الدنيا كلها سماحة الدين الإسلامي ووسطيته. مشاهير القراء الإثنين : أسعد بسماع القرآن الكريم بأصوات مشاهير القراء في مصر الذين ارتبطوا في ذهني بشهر رمضان الكريم، أمثال الراحل الشيخ عبد الباسط عبد الصمد قيثارة القرآن الكريم وصوت الذهب الخالص والذي حقق شهرة واسعة لم ينلها أحد من قبله وكانت الدعوات تنهال عليه من كل أركان الأرض ليس في شهر رمضان فقط بل في كل شهور السنة، لقد قرأ القرآن الكريم في المسجد النبوي الشريف بالمدينة المنورة والمسجد الحرام بمكة المكرمة والمسجد الإبراهيمي بالخليل بفلسطين والمسجد الأموي بدمشق وفي أشهر المساجد بالقدس وفي آسيا وأفريقيا والولايات المتحدةالأمريكية وفرنسا ولندن والهند ومعظم دول العالم، ومثله العشرات من مشاهير القراء الراحلين العظماء، الشيخ محمد رفعت الذي لُقب بالقيثارة العبقري، والشيخ مصطفي إسماعيل الذي تشعر معه بالخشوع والرهبة، والشيخ محمد صديق المنشاوي ذو الصوت الحزين الذي روي ابنه أنه في فترة الستينيات عرض عليه أحد الموسيقيين أن يُلحن له القرآن قائلاً إنه الشيخ الوحيد الذي سيقبل صوته الموسيقي وكان ردّ الشيخ صديق المنشاوي حاسمًا حين قال.. يا سيدي لقد أخذتُ الموسيقي من القرآن الكريم، فكيف تُلحن أنت القرآن بالموسيقي؟ والشيخ مصطفي إسماعيل الذي يتنقل بين المقامات بسلاسة وعذوبة فائقة ونال أوسمة وجوائز من معظم بلدان العالم وقرأ القرآن في القدس حين اصطحبه الرئيس الراحل أنور السادات خلال زيارته عام 1977، الشيخ محمود خليل الحصري شيخ عموم المقارئ المصرية أول من قرأ القرآن في الكونجرس الأمريكي، وأول من قرأ القرآن في القاعة الملكية وقاعة هابوارت المطلة علي نهر التيمز في بريطانيا وخلال زيارته لماليزيا حملت الجماهير سيارته علي أكتافها وهو بداخلها، وإذا أردت أن تتعلم القرآن ببساطة وتقرأه صحيحاً فاستمع له. وعدد كبير من الشيوخ الأفاضل أتذكر منهم، طه الفشني، عبد الفتاح الشعشاعي، محمد الطبلاوي، أبو العينين شعيشع، محمود البنا، النقشبندي، والشيخ علي محمود أفضل المبتهلين منذ ظهور هذا الفن، وغيرهم ليس العشرات بل المئات ممن ملأوا الدنيا بأصواتهم الشجية الخاشعة. آخر الكلام » قيل لأحد الصالحين.. أيهما أفضل رجب أم شعبان، فقال.. كن ربانياً ولا تكن شعبانياً ».