جميل أن تسعي الدولة أخيراً لاسترداد حقوق المصريين في الأراضي العامة التي استولي عليها تحت مسمي وضع اليد أفراد ومؤسسات اقتصادية خاصة، وعظيم جداً أن تفصل الدولة ما بين مواطن استخدم حقا كفلته الدولة لسنين بوضع اليد علي أراض صحراوية فاستصلحها محققاً بذلك لنفسه مكاسب مادية وللوطن فائدة بإضافة مساحة من الأرض الزراعية المنتجة للغذاء وغير ذلك من صور الانتاج الزراعي المدرة للدخل والتي تضيف للاقتصاد الوطني، فتسمح بتقنين وضعه وتملكه تلك الأرض، وأن تفرق بينه ومواطن آخر استغل الأمر في الاستيلاء علي مساحات شاسعة من الأراضي بهدف الاتجار بها وتحقيق ثروات علي حساب عموم الناس الملاك الحقيقيين لكل شئ تحت سماء هذا الوطن.. و ربما يظن البعض في الإجراءات التي بدأت اجهزة الدولة باتخاذها إثر الدعوة التي أطلقها الرئيس لملاحقة ناهبي أراضي المصريين الواقعة ضمن الملكية العامة، نهاية المطاف لاسترداد كامل حقوق الشعب من فئة وجدت أمامها ولأسباب كثيرة طرقاً مفتوحه لتحصل علي ما ليس حقاً لها في ظل حالة من الإهمال والتسيب والفساد سادت كل المواقع والأشياء في بلدنا لعقود من الزمان، لكن الصحيح أن هذه الإجراءات علي أهميتها وجدتها لن ترد للشعب إلا النزر اليسير من ممتلكاته سواء في صورتها الأصلية كأراض تعود لحيازة الدولة ممثلة في الإشراف علي هذه الملكية أو بالتحصل علي أثمانها ممن وضعوا أيديهم عليها.. و أتصور أنه ليس خافياً علي الرئيس ولا علي مؤسسات الدولة أن وضع اليد بكل صوره المستقر والمقنن، لم يكن هو الوسيلة الوحيدة للاستيلاء علي الأراضي، وإنما شهدت مصر وبالاقل علي امتداد عقود ثلاثة هي فترة حكم المخلوع مبارك عمليات نهب واستيلاء منظم علي الأراضي تمت بصياغات قانونية عدة في ظل فساد مؤسس استفاد منه رجال النظام الذي أسقطه الشعب وحفنة من كبار رجال الأعمال.. والمقصود بالنظام هنا مستوياته كلها برجاله من وزراء ومحافظين ومسئولين كبار وحتي عناصر حزبه وممثليه بالمجالس النيابية كلها من البرلمان وحتي أصغر المجالس المحلية للقري. نعم شهدت البلاد وأينما حل بصرك علي امتداد خارطة الوطن عمليات واسعة للاستيلاء علي أراضي الشعب بأبخس الأثمان وبلا مقابل في كثير من الحالات وهذه العمليات قننت بقرارات صدرت من وزارة الزراعة ومن محافظين ومسئولين كبار استولوا لأنفسهم علي أراض غير تربحهم في مقابل التوقيع لأصحاب نفوذ أو مال علي ما سمح لهم بالاستيلاء علي ما هو حق لهذا الشعب وتحقيق ثروات هائلة.. و ليس الأمر قاصراً علي الأراضي الزراعية فهناك مئات الكيلو مترات لا الأفدنة في أراضي الاستثمار الصناعي والسياحي وحتي من أملاك الدولة داخل المدن الرئيسية تحصل عليها هؤلاء وبلا مقابل يذكر عبر مسالك الفساد التي أجادها وأبدع فيها مسئولون خانوا الأمانة.. وهذه الأراضي هي خارج عملية الاسترداد الحالية تأسيساً علي أن ناهبيها ومن مكنوهم منها احترفوا التلاعب بالقوانين.. فشرعوا جرائم الاستيلاء علي المال العام.. وإذا كانت الأراضي التي استولي عليها وزراء ومحافظون ومسئولون ونواب وأعضاء مجالس محلية سابقون في الغالب لن يكون ممكناً استردادها لأنها بيعت علي الورق لمرات، فلا يعني ذلك التسليم بضياع أموال الشعب، وإنما إذا ما جدت وصدقت النوايا لن تعجز الدولة عن التوصل إلي حقيقة ما جري من تصرفات عليها، وتكفي مراجعة الشهر العقاري بأسماء هؤلاء وزوجاتهم وأبنائهم لتبيان مدي فداحة الفساد الذي عاشته مصر وكيف حقق هؤلاء ثرواتهم الحرام علي حساب الوطن.. فإذا ما انكشفت الحقائق يكون ممكناً محاسبة هؤلاء واسترداد حقوق الشعب التي لا تسقط بالتقادم. الفساد المؤسس بمصر بدأ منذ قبلت الدولة في الثمانينات بردم البحيرات المرة في الإسماعيلية وإنشاء فيلات للوزراء والمسئولين عليها وللبجاحة سموا المنطقة بلسان الوزراء..