دفعني الفضول الصحفي إلي القيام بمغامرة من العيار الثقيل . قررت أن أذهب إلي شرم الشيخ لأجري حواراً مع مبارك الرئيس السابق ، طوال الطريق كنت أفكر في الأسئلة التي أريد أن أعرف إجابات قاطعة لها منه هو شخصياً وليس من أي أحد سواه ، فهو خزانة المعلومات والأسرار وهو رئيس مصر علي مدي ثلاثين عاماً مضت وهو كذلك المحبوس الآن علي ذمة التحقيق في سلسلة من التهم والمنتظر لعقوبات تصل إلي الإعدام. وجدت سيلاً من الأسئلة تتدافع إلي رأسي وعشرات من علامات الاستفهام تعقبها علامات التعجب ترتسم في خيالي. وما أن وصلت إلي هناك ودخلت غرفته حتي هالني المشهد، فالرجل في ذهول لا يكاد يصدق ما حدث في ثمانية عشر يوماً فقط ، ولا يصدق أن ما يعيشه حقيقة وليس كابوساً ثقيلاً يصعب احتماله. طلبت منه أن يفتح قلبه فربما تكون تلك هي المرة الأخيرة التي يتاح له فيها أن يقول كل شيء، فتحت أوراقي وجهاز تسجيلي وبدأت أطرح كل ما يتدافع إلي ذهني وما يقتلني الفضول لمعرفته منه هو. حسني مبارك الرئيس السابق لمصر. سألته : لماذا هانت عليك سنوات البطولة والشجاعة والتضحية من أجل مصر ؟ لماذا وأنت قائد عسكري صاحب دور مؤثر ورئيسي في نصر أكتوبر المجيد تترك القيادة لمن يعبث ويمحو تاريخك الذي كان مشرفاً ؟. تساءلت: هل كنت ضعيفاً أمام رغبات ابن تطلع إلي الاستحواذ علي سلطتك وتاريخك وهل عشت صراعاً إنسانياً بين الرئيس من جهة والاب من جهة اخري ؟ هل كنت مقتنعاً بأن الشعب المصري الذي كنت واحداً منه يمكن أن يقبل بعودة الملكية تحت ستار الجمهورية ويقبل بتوريث جمال لعرشك ؟. هل كنت تدرك أن شلة جمال المكونة من أباطرة رجال الأعمال في مصر قادرة علي الاحساس بالمواطن البسيط محدود الدخل الذي كنت دائماً تكرر انحيازك له في خطاباتك أمام الحزب الوطني الذي كان؟. سؤال آخر: أعلم أن حالتك الصحية قد وهنت في السنوات الخمس الأخيرة وأن هذا جعلك مستسلماً وسلبياً أمام الشهوة المجنونة لجمال في امتلاك العرش لكن دعني أقول لك بكل صراحة: ألم يكن من الأكرم أن تتنازل عن الحكم وتعلن عن انتخابات نزيهة لاختيار رئيس جديد ، "انتخابات نزيهة" أكرر تنهي بها تاريخك بصورة يتذكرها الشعب وتحفر اسمك في وجدانه؟. والآن بماذا تشعر في هذه اللحظة المليئة بالندم والمهانة هل تعترف بينك وبين نفسك أنك أخطأت في حق مصر؟ ، هل تدرك الآن الفرق بين القائد الذي يضع مصير أمته فوق كل اعتبار ولا يفكر في شخصه والديكتاتور الذي لا يفكر إلا في القبضة الحديدية علي كل شبر من أرض الوطن؟. أين كنت يوم 25 و 28 يناير الماضيين، ألم تسمع أصوات الشعب وهي تنادي "تغيير .. حرية .. عدالة اجتماعية" ، أم اكتفيت بهتاف الاتباع "بالروح بالدم نفديك يا ريس". سؤال أخير : لو امتلكت عجلة الزمن وعادت عقارب الساعة بك إلي الوراء أين تريد أن توقف السنين؟ وماذا كنت ستفعل حينها ؟ ، هل توقفها عام 1980 وتطلب من الرئيس السادات أن يعفيك من منصب نائب رئيس الجمهورية وأن يرسلك إلي إحدي الدول الأوروبية سفيراً بها كما كانت رغبتك في يوم من الأيام أم كنت ترجع قليلاً إلي 1973 وتوقف العجلة عند هذا اليوم ؟. عزيزي القارئ بالطبع انت تنتظر الآن الإجابات التي سمعتها من حسني مبارك رئيس مصر السابق بفضول وترقب لكن دعني أكشف لك سراً أن هذا الحوار افتراضي بما أننا نعيش جميعاً عالماً افتراضياً تكثر فيه الأسئلة وتحيط بنا سحب الغموض الكثيفة من كل جانب .. إنه حوار تخيلي لم يحدث لكنه بالتأكيد حمل كل أسئلتنا كمواطنين مصريين تلك الأسئلة التي ستظل طويلاً تبحث عن إجابات!.