بدعوة كريمة من الدكتور هاني رسلان مدير دراسات المياه الأفريقية بمركز الدراسات السياسية والاستراتيجية بجريدة الأهرام قضيت ثلاثة أيام بمدينة قنا في إطار احتفال منتدي دندرة الثقافي تحت عنوان » القراءة في مصر. واقع وحلول » صاحبني فيها عدد من الكتاب الكبار هم الدكتور والروائي عمار علي حسن والدكتور جمال زايدة والدكتور نصر عارف الكاتب والمفكر الإسلامي والأستاذ أحمد الجمال الكاتب والصحفي الكبير والسيدة هبة دربالة ومن الشباب الشاعر والصحفي سيد محمود والروائية منصورة عز الدين والروائية عزة سلطان ومحمد جمال الغيطاني ممثلا للكاتب الراحل الكبير جمال الغيطاني الذي كان هناك احتفال به وآخرين شعراء من الأسكندرية والعراق والصعيد. حفزني العنوان علي السفر وحفزتني الصحبة ووصلنا مساء الجمعة الماضية ليبدأ النشاط صباح السبت. كانت المفاجأة الكبري حين وصلنا إلي بلدة دندرة أن وجدت سرادقَ يسع علي الأقل لعشرين ألف شخص بين رجال ونساء وشباب من الجنسين. كل هؤلاء من أجل موضوع أهمية القراءة ؟ سألت نفسي. لا توجد وزارة في مصر تستطيع أن تحشد هذا العدد من أجل موضوع ثقافي. وعرفت ما كان غائبا عني وهو أن الأسرة الدندراوية تاريخ كبير في مصر إذ أسست عام 1875 ومؤسسها هو سيدي محمد الدندراوي من أحفاد السلطان اليوسف جد قبائل الإمارة بدندرة والذي بدوره من ولد الشريف إدريس الأول مؤسس دولة الأدارسة بالمغرب العربي. إذن أنا أمام تاريخ طويل وموضوع كبير ورغم أنها في البداية أسرة دينية إلا أنها لا تقف عند مذهب بعينه بل تحتوي المذاهب الأربعة وبينها متصوفون كبار أيضا. هي تجمّع للمذاهب الفقهيّة، وتجمّع للطرق الصوفيّة، وتجمّع للجمعيّات الخيريّة، وتجمّع للتنظيمات الوطنيّة. ولها نشاط اجتماعي في مصر وخارجها ولها حوالي ستين مركزا ثقافيا في مصر يشرف عليها الأمير هاشم الدندراوي المثقف الكبير خريج الجامعة الأمريكية والذي يقف وراء كل هذا النشاط الآن. كان المنتدي شاملا لموضوعات أخري مثل الشعر وألعاب الصعيد مثل التحطيب ومعرض للكتب وللفنون الشعبية وموضوعات تخص الأسرة الدندراوية وأنشطتها الاجتماعية استمرت ليوم تالٍ بينما انتهينا نحن من مهمتنا وكنت طوال اليومين أفكر كيف يمكن حقا للمجتمع المدني أن يكون هو الطريق العظيم لنهضة بلادنا. هذه تجربة كبيرة وحققت نجاحات في مشروعات كثيرة للشباب وغيرهم فضلا عن مدارس ومراكز دينية ومستشفيات وأشياء أخري علي مر السنين. كيف حقا نحتاج إلي مثل هذا النشاط الثري للمجتمع المدني الذي يتجاوز الحكومة والوزارات وله قدرات لا تعوقها أي بيروقراطية. أقول لنفسي ما أقوله دائما وهو أن المجتمع المدني هو طريق الخلاص لهذه الأمة من كل مشكلاتها وهو طريق التنمية والتقدم. وظللت مذهولا اليومين اللذين قضيتهما من كثافة الحشود وما يناقشونه ومن تواجد المطارنة والأساقفة في الصفوف الأولي بين حفاوة الجميع وأسأل نفسي من أين جاءت الفتن الطائفية. أسأل نفسي أنا الذي أعرف ما جري في مصر منذ السبيعنات من تحولات متطرفة في الفكر الإسلامي وأفكار وهابية وسلفية متطرفة أوسعت لها الدولة من فضلك الطريق أكثر من العوام. ثم ذهبت يوم الأحد إلي معبد دندرة الذي زرته منذ سنوات أكثر من مرة وأحببته كثيرا. ذهبت لأشاهد الإلهة حتحور في سقف إحدي الغرف وهي تستدير بجسمها وذراعيها وساقيها في السماء فوق الأرض تحتضنها وتخرج من بطنها الشمس ومن قلبها القمر فهي إلهة الجمال والنور. وأذكِّر نفسي كم في الصعيد من مواطن الجمال القديمة والجديدة بين أبنائه الذين إذا واتتهم الفرص يستطيعون حقا القضاء علي كل مذاهب التخلف. ولم يكن ذلك كل شيء. في المساء الأخير هاتفني الصديق الشاعر الدكتور محمد أبو الفضل بدران نائب رئيس جامعة جنوب الوادي الذي شارك معنا في النقاش والندوات يدعوني إلي حفل فني بجامعة قنا. ذهبت مندهشا. حفل فني موسيقي ورقص شعبي يقيمه طلبة الجامعة مع شباب من هولندا. أجل من هولندا حيث وجدت في الاحتفال رئيس جامعة جنوب الوادي الدكتور عباس منصور وعدداً من الدكاترة الهولنديين أخبرني الصديق أبو الفضل بدران أنهم أطباء وفدوا إلي الجامعة للمساهمة في إجراء بعض العمليات الجراحية للناس. رأيت في الحفل طلابا في غاية البساطة والجمال من الشباب والفتيات يعزفون الموسيقي ويغنون بأصوات رائعة حقا فضلا عن الأولاد والبنات الذين يقدمون استعراضات راقصة شعبية. ومعهم يعزف الشباب الهولنديون بعضا من الموسيقي الكلاسيك كما يساهمون في عزف بعض الأغاني العربية. سألت الصديق أبو الفصل بدران هل هذا يحدث في جامعة جنوب الوادي ؟ وكان مبتسما كعادته يقول لي يحدث لكن لا أحد يلقي الضوء عليه. نحتاج إلي أضواء الإعلام الذي يبتعد عنا، قلت له يبتعد عن كل ما هو جميل في البلاد ويصدعونا بالمشاكل الهايفة فالمؤتمر الكبير الذي حضرناه عن القراءة كان يستحق إعلاما كبيرا ولا شك أن مثله تفعله الأسرة الدندراوية في موضوعات أخري. هذه إحدي الطرق البسيطة لمواجهة التخلف. أن تكون هناك حفاوة بالجمال. لكن يبدو أنه لم تعرف هذه الحفاوة إلا حتحور الجميلة التي انثنت فوق الدنيا تغمرها بنورها وجمالها يوما ما.