في مطلع هذا الأسبوع انطلقت الدورة الثانية من منتدي دندرة الثقافي, الذي أصبح معلما من معالم العمل الثقافي في صعيد مصر, وعرسا للثقافة والإبداع, حيث يتلاقي عدد من أصحاب الفكر والثقافة والشعر والفنون الشعبية والتشكيلية والفولكلورية, مع جمهور حاشد لا يقل عن عشرة آلاف شخص من مختلف محافظات الصعيد.. ومن أنحاء مختلفة من البلاد. ينتمون إلي كل الفئات العمرية والتعليمية وطوائف المجتمع, بدءا من أساتذة الجامعات وصولا الي المواطن البسيط الذي حصل علي قدر محدود من التعليم ولكنه يتمتع بقدر هائل من الوعي والتشوق للمعرفة ويتابع بإنصات وفهم وتفاعل. كانت الدورة الأولي للمنتدي الذي يتخذ له توجها عاما يبحث في قضايا ثقافة الجنوب كأصالة وكإبداع متجدد قد انعقدت في مايو من العام الماضي تحت عنوان بيئة الجنوب وأثرها علي الفكر والإبداع والثقافة.. وها هي المسيرة تتواصل وتتقدم, فتنعقد الدورة الثانية هذا العام تحت عنوان الهوية الثقافية وعوامل تشكلها في الماضي والحاضر. وقد شملت أنشطة المنتدي وفقراته المتعددة التي امتدت طوال يوم كامل بدأ في التاسعة صباحا وامتد الي العاشرة مساء العديد من الفقرات والأنشطة الثقافية والفولكلورية وجلسات حوارية وأمسية شعرية حاشدة ومعرضا للكتاب وآخر للحرف التراثية وللفنون التشكيلية وعرضا لفرقة السيرة الهلالية من سوهاج, ومهرجان الخيول والفروسية( المرماح), وكذلك مهرجان للعبة التحطيب( العصا).. كما شهد هذا العام مبادرة( نورت دندرة) للفنون التشكيلية التي قادها الفنان أحمد عبد الوهاب الدندراوي وشملت تنفيذ ملتقي لرسم جدران بيوت دندرة ومعه مجموعة مميزة من الفنانين المشاركين, بالإضافة الي ورشة التصوير الفوتوغرافي لرصد مظاهر الاحتفال ووجوه الناس والمظاهر الأخري للثقافة الفولكلورية لقرية دندرة. كان من أبرز المشاركين الدكتور عباس منصور رئيس جامعة جنوب الوادي, والكاتب الكبير الأستاذ أحمد الجمال, والدكتور محمد شومان عميد كلية الإعلام بالجامعة البريطانية بالقاهرة, الدكتورة هدي زكريا أستاذ الاجتماع السياسي بجامعة الزقازيق والدكتور يسري عبد الله الناقد المعروف والأستاذ بجامعة حلوان. وعدد كبير من أساتذة الجامعات والمثقفين والشعراء من مصر وسوريا والسودان. وقد خصصت هذه الدورة من المنتدي موضوعها الرئيسي لقضية الهوية وما يتفرع عنها من قضايا وروافد. وذلك لما يشغله هذا الموضوع من موقع مركزي في كل الجدالات التي تشغل مصر منذ عقود, حيث تتجلي عبقرية المكان الذي يتعامد عليه الزمان في تعاقب قرونه وحقبه, الأمر الذي أنتج هوية مصر عبر تفاعل الحقب التي مرت عليها جميعا. وحيث أصبحت الشخصية المصرية اليوم مزيجا مركبا تركيبا جدليا وتاريخيا, لا تستطيع قوة أن تسحق عناصر منها أو تسلخ بعضها. ولأن الهوية الثقافية في الغالب مستويات ثلاثة: فردية, وجمعوية, ووطنية قومية. فقد كانت هناك إشارات خاصة لمنطقة صعيد مصر لما تتسم به هذه المنطقة من سمات ثقافية هي جزء لا يتجزأ من هوية مصر وسماتها الثقافية ولكنها تتمايز عن بعض مناطق مصر الأخري في العديد من الظواهر سلبا أو إيجابا. إن منتدي دندرة الثقافي الذي يمثل احد أنشطة الأسرة الدندراوية, يمثل نموذجا لمبادرة أهلية ولعمل طوعي يتم بالجهود الذاتية ولا يتلقي تمويلا لا من الداخل ولا من الخارج, ويحقق في الوقت نفسه نجاحا لافتا دورة بعد أخري, بسبب صدق التوجه ونبل المقصد وإخلاص العمل. فتحية لكل القائمين علي هذا العمل وعلي رأسهم الأمير هاشم الدندراوي صاحب المبادرة وراعي المنتدي.