تكشف نتائج الجولة الأولي للانتخابات الرئاسية الفرنسية أن القضية الرئيسية.. التي تطرح نفسها في أوربا هي الصراع بين العولمة والسيادة الوطنية.. وبين الهوية الوطنية والهوية الأوربية.. بين التمايز الجغرافي والتاريخي.. والذوبان في محيط أوسع. وقد تحددت معالم »المعركة» عبر أوربا وبقية العالم: التدويل في مقابل القومية الجديدة.. والنخب في مقابل الكتلة الضخمة من »الكادحين في الأرض». وثمة انقسامات حقيقية بين طبقة سياسية عابرة للقوميات وهي عدوانية وسلطوية »ناعمة» لها أبعاد دولية بعد أن عسكرت نفسها وبين حركات قومية متمردة تنبثق من جانبي الطيف السياسي لكي تتحدي »النظام العالمي» الذي تتشبث به النخب الغربية. والاتجاه السائد الآن يعكس تغير سلوك الناخبين وحركة الرأي العام، وتغير موازين القوي وتركيب التيارات السياسية وخطوط التماس التقليدية بين اليمين واليسار، والرفض المتزايد للمؤسسة وفقدان الثقة بالنخب والاحزاب التقلدية. لم يعد الحديث عن الوحدة والتكامل والقوة مغريا في ضوء الفوارق الاقتصادية داخل الاتحاد الأوربي والركود وتدابير التقشف وانخفاض الأجور وكذلك الانفاق العام وانكماش سوق العمل. وتبدأ هواجس الأوربيين بالهجرة ثم الارهاب (لقي 230 فرنسيا مصرعهم في هجمات إرهابية منذ يناير 2015) والخوف من الأوضاع الاقتصادية وتفاقم البطالة (والنسبة 10٪ في فرنسا وربع الفرنسيين دون ال 25 سنة عاطلون عن العمل)، وهيمنة المؤسسات الأوربية والأوساط المالية علي القرار السياسي، والخطر الذي يهدد ثقافتهم. وبعد مرور ستين سنة علي ولادة الاتحاد الاوربي، لم يعد اليمين المتطرف فقط هو الذي يعرب عن شكوكه في هذا الاتحاد بل قطاع كبير من اليسار أيضا، والنتيجة ان القوي التي احتكرت القرار السياسي في فرنسا علي مدي ثلث قرن تكاد تتلاشي. ويبرز في المقدمة المرشحون »الخوارج» وسط الانهيار التاريخي لنظام الحزبين اللذين حكما البلاد طوال أكثر من نصف قرن. والملاحظ ان من بين المرشحين الرئيسيين الأربعة، كان هناك مرشحان يعارضان استمرار فرنسا في القيادة العسكرية لحلف الاطلنطي، وربما خروجها تماما من الحلف. وكان هناك ثلاثة مرشحين يعارضون استمرار العقوبات المفروضة علي روسيا، بل كان جميع المرشحين الرئيسيين يعارضون المخطط العولمي بدرجات مختلفة، ماعدا ايمانويل ماكرون، الاقتصادي الذي ينسب نفسه إلي »الوسط»، فهو الوحيد الذي يعتبر أن العولمة تشكل فرصة بالنسبة لفرنسا، وليست تهديدا وماكرون هو رجل المصارف والاستثمارات ومرشح القطاع المالي للعالم. انه الطفل المدلل لوسائل الاعلام التي يملكها اشرس ممثلي الرأسمالية الفرنسية. كما ان ماكرون كان يعمل أصلاً في بنك »روتشيلد» الذي يملك نصف ثروة العالم (مايعادل 500 تريليون دولار) ويتولي ادارة الاصول المالية وتوفير مجموعة شاملة من الخدمات لرجال الأعمال منذ تأسس علي أيدي عائلة ذات أصول يهودية ألمانية ويعمل في 40 دولة. كلمة السر: التغيير