صدق من قال »أذل الحرص أعناق الرجال« فلم يطغ حاكم إلا وكان وراء طغيانه تأليه من حوله له.. ومن حوله هذه تضيق وتتسع، كلما استقر الحاكم في موقعه وأطال المقام به، اتسعت دائرة من حوله من المنتفعين والمنافقين، والطامعين والخانعين، اتسعت هذه الدائرة لتشمل هؤلاء وأمثالهم ومن علي شاكلتهم، وبالتالي زاد طغيان الحاكم واحتسب نفسه فوق البشر. وفوق المساءلة.. فزادت خطاياه واستفحلت بلاياه، حتي انه ليظن شعبه من النعاج، لايؤبه لهم ولا يعمل لهم حسابا.. فهم راضون بما يقسمه لهم، صابرون علي اذاه، لا يشكون ولايتذمرون.. وإن فعلوا ففي الخفاء، وهذا أس البلاء.. لماذا نفعل هذا بأنفسنا؟! أظن ان القلة القليلة التي تلتف حول الحاكم بأنانيتها المفرطة، هي التي تشيع هذه الثقافة في المجتمع، مثل الحجر الذي يلقي في بركة، فإنه ينتج دوائر تتسع بإستمرار حتي تشغل مساحة البركة كلها أو تكاد.. فهي قدوة سيئة للمجتمع علي إتساعه.. فوزر الفساد الذي ينهش الأمة يقع علي اكتاف هذه القلة القليلة، الطامعة الذليلة، التي تتبع الحاكم اين ذهب واين حل..وفي الغالب الأعم تبوء هذه القلة بالخسران والخزي، حينما يطفح الكيل، فتهب الشعوب في وجه هذا الحاكم وزمرته، في ثورة تعصف بهؤلاء، فيتساقطون صرعي كأنهم اعجاز نخل منقعر.. هذا في الدنيا، وفي الآخر يؤخذون بآثامهم وأوزارهم، فيتبرأون من بعضهم البعض، ويحاول كل منهم إلقاء اللوم علي الآخر »وقالواربنا إنا أطعنا سادتنا وكبراءنا فأضلونا السبيلا. ربنا آتهم ضعفين من العذاب وألعنهم لعنا كبيرا »الاحزاب 76 86« مصيرهم في الدنيا الخزي.. ومصيرهم في الآخرة أشد العذاب. هل كانت الفرص التي أتيحت لهم بقربهم من الحاكم تستأهل خزي الدنيا وعذاب الآخرة؟! هم ظنوا انهم مانعتهم مراكزهم ومناصبهم وإرتباطهم بالحاكم، ظنوا ان ذلك يحصنهم من المساءلة والملاحقة، فمضوا في طريقهم غير عابئين بشيء، ونهبوا من الأموال السائلة والمنقولة والعقارية ما يزيد عن حاجتهم وحاجة ابنائهم وأحفادهم، ومالا يستطيعون ان ينفقوه مهما اسرفوا في الانفاق.. تحولوا إلي وحوش ضارية.. لا يردعها رادع ولا يمنعها مانع.. والآخرة لم تكن في حسابهم علي الإطلاق.. لم يكونوا يرجون حسابا كما في الدنيا، ولكن خاب فألهم وخابت ظنونهم، والذي ينتظرهم في الآخرة ادهي وأمر »ولعذاب الآخرة أشد وأبقي« »طه 721«.. لقد اضلهم الشيطان وأعمي بصائرهم وأمات ضمائرهم »وكان الشيطان للإنسان خذولا« »الفرقان 92«.. لو أنهم تلبثو قليلا، وفكروا مع انفسهم، انهم بهذايهلكون انفسهم ولا يغنمون شيئا ذا قيمة حقيقة، فليس تكديس الأموال ولا تكريس المناصب، جالب للسعادة ولا للرضي عن النفس، ولا جالب للإطمئنان وراحة الضمير.. انه عبث لا طائل وراءه لو كانوا يعقلون.. ولكنهم لايعقلون.. ويمضون في غيهم يعمهون.. »وهم يحملون أوزارهم علي ظهورهم ألا ساء ما يزرون« »الأنعام 13«.. الإنسان حينما يترك لنفسه العنان، ولايراجعها ولايكبحها، ويستعلي علي عباد الله، ويذيقهم الهوان.. فلسوف يعاني من الندم ألوان.. ولم يكن ذلك داخلا في الحسبان.. وقانا الله كيد الشيطان »يعدهم ويمنيهم وما يعدهم الشيطان إلا غرورا« »النساء 021«..