الرقابة النووية: لا مؤشرات على تغير أو زيادة في الخلفية الإشعاعية بمصر    نسب تنفيذ تقترب من الاكتمال.. رئيس "إجيماك" يتفقد محطتي NDHPS بالدلتا الجديدة    انخفاض الطلب على حديد التسليح محليا يدفع لنمو الصادرات 20% فى الربع الأول من 2025    رئيس وزراء باكستان للرئيس الإيراني: الاستفزازات الإسرائيلية الصارخة تهديد خطير للاستقرار الإقليمي والعالمي    ديمبيلي يكشف عن الهدف الأهم فى مسيرته    أتلتيكو مدريد يقترب من ضم نجم دفاع ليفربول    بتواجد عربي.. تفاصيل حفل افتتاح كأس العالم للأندية 2025    وزارة التربية والتعليم تعلن استعداداتها لامتحانات الثانوية العامة 2025 وتصدر تعليمات صارمة لضمان الانضباط    السعودية تنشئ غرفة عمليات خاصة وتضع خطة متكاملة لخدمة الحجاج الإيرانيين    وزير الأوقاف يفتتح المقر الجديد لنقابة القراء بحلمية الزيتون    جهاد حرب: 3 سيناريوهات محتملة للتصعيد الإيراني الإسرائيلي    اليوم بدء عرض مسلسل "فات الميعاد"    «الصحة» تُصدر تحذيرات وقائية تزامناً مع ارتفاع درجات الحرارة واقتراب فصل الصيف    مولينا: متحمسون لانطلاقة المونديال ومستعدون لمواجهة باريس سان جيرمان    الزمالك يفكر في استعادة مهاجمه السابق    لتفقد المنشآت الرياضية.. وزير الشباب يزور جامعة الإسكندرية- صور    تعاون بين «إيتيدا» وجامعة العريش لبناء القدرات الرقمية لأبناء شمال سيناء    امتحانات الثانوية العامة.. الصحة تعتمد خطة تأمين أكثر من 800 ألف طالب    توريد 225 ألف طن قمح للشون والصوامع بكفر الشيخ    بريطانيا تنفي تقديم الدعم لإسرائيل في الهجوم على إيران    جامعة سيناء تعلن فتح باب القبول لطلاب الثانوية العامة وما يعادلها بفرعي القنطرة والعريش    ب"فستان جريء".. أحدث ظهور ل ميرنا جميل والجمهور يغازلها (صور)    رئيس الوزراء يتفقد مركز تنمية الأسرة والطفل بزاوية صقر    الأكاديمية العسكرية تحتفل بتخرج الدورة التدريبية الرابعة لأعضاء هيئة الرقابة الإدارية    محافظ كفر الشيخ يُدشن حملة «من بدري أمان» للكشف المبكر عن الأورام    لطلاب الثانوية العامة.. نصائح لتعزيز القدرة على المذاكرة دون إرهاق    السجن المؤبد ل5 متهمين بقضية داعش سوهاج وإدراجهم بقوائم الإرهاب    تخفيف عقوبة السجن المشدد ل متهم بالشروع في القتل ب المنيا    إزالة 60 حالة تعد على مساحة 37 ألف م2 وتنظيم حملة لإزالة الإشغالات بأسوان    خبير اقتصادي: الدولة المصرية تتعامل بمرونة واستباقية مع أي تطورات جيوسياسية    «التعليم العالي» تنظم حفل تخرج للوافدين من المركز الثقافي المصري لتعليم اللغة العربية    جامعة جنوب الوادي تشارك في الملتقى العلمي الثاني لوحدة البرامج المهنية بأسيوط    والد طفلة البحيرة: استجابة رئيس الوزراء لعلاج ابنتى أعادت لنا الحياة    رئيس جامعة القاهرة يهنئ عميدة كلية الإعلام الأسبق بجائزة «أطوار بهجت»    بعد توصية ميدو.. أزمة في الزمالك بسبب طارق حامد (خاص)    إعلام عبرى: نقل طائرة رئيس الوزراء الإسرائيلى إلى أثينا مع بدء هجوم إيران    17 شهيدا في قصف للاحتلال الإسرائيلي على عدة مناطق في قطاع غزة    فضل صيام أول أيام العام الهجري الجديد    أهم أخبار الكويت اليوم السبت 14 يونيو 2025    ثقافة الإسماعيلية تنفذ أنشطة متنوعة لتعزيز الوعي البيئي وتنمية مهارات النشء    غدا.. بدء التقديم "لمسابقة الأزهر للسنة النبوية"    "القومي للأشخاص ذوي الإعاقة" ومؤسسة "شجرة التوت" يطلقان فعاليات منصة "القدرة على الفن - Artability HUB"    غدا .. انطلاق فعاليات مؤتمر التمويل التنموي لتمكين القطاع الخاص    مصرع شاب سقط من الطابق الرابع بكرداسة    باستخدام المنظار.. استئصال جذري لكلى مريض مصاب بورم خبيث في مستشفى المبرة بالمحلة    إيران تؤكد وقوع أضرار في موقع فوردو النووي    تأجيل محاكمة " أنوسة كوتة" فى قضية سيرك طنطا إلى جلسة يوم 21 من الشهر الحالي    إجرام واستعلاء.. حزب النور يستنكر الهجمات الإسرائيلية على إيران    طلب إحاطة يحذر من غش مواد البناء: تهديد لحياة المواطنين والمنشآت    " وزير الطاقة الأميركي " يراقب أي تطورات محتملة للتوترات علي إمدادات النفط العالمية    وكيل تعليم الإسماعيلية يجتمع برؤساء لجان الثانوية العامة    الطبيب الألماني يخطر أحمد حمدي بهذا الأمر    إحالة عامل بتهمة هتك عرض 3 أطفال بمدينة نصر للجنايات    الصحة: قافلة متخصصة في جراحات الجهاز الهضمي للأطفال ب«طنطا العام» بمشاركة الخبير العالمي الدكتور كريم أبوالمجد    حجاج مصر يودّعون النبي بقلوب عامرة بالدعاء.. سلامات على الحبيب ودموع أمام الروضة.. نهاية رحلة روحانية في المدينة المنورة يوثقوها بالصور.. سيلفي القبة الخضراء وساحات الحرم وحمام الحمى    جماهير الأهلي توجه رسائل مباشرة ل تريزيجية وهاني قبل مباراة إنتر ميامي (فيديو)    «الإفتاء» توضح كيفية الطهارة عند وقوع نجاسة ولم يُعرَف موضعها؟    ما حكم أداء النافلة بين الصلاتين عند جمع التقديم؟    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



واسلمي يا مصر. . من واشنطن
نشر في الأخبار يوم 16 - 04 - 2017

إنها واشنطن من جديد بعد قرابة عقد من الزمان.
المرة الأولي زرتها ضمن فريق فيه بعض الصحفيين والإعلاميين لتلقي دورة تدريبية في حقوق الملكية الفكرية في المكتب المختص بهذا ويتبع مكتبة الكونجرس.
هذه المرة مختلفة في كل شيء.. في التوقيت والزمان والأهمية.. هذه المرة ضمن فريق من الإعلاميين لمتابعة ورصد لقاء القمة بين الرئيس عبدالفتاح السيسي والرئيس الأمريكي دونالد ترامب.. قل ما شئت عن أهمية الزيارة، حيث جاء السيسي إلي البيت الأبيض، ليس كأي زائر، وليس كأي رئيس، فما أكثر الرؤساء الذين مروا وسوف يمرون علي البيت الأبيض الأهم في العالم، حيث يقطن رئيس أقوي دولة علي وجه الأرض، شئت أم أبيت.
جاء السيسي مدفوعاً دفعاً بدعوة من ساكن البيت الأبيض، حتي قبل أن يسكنه، إنها كما ردد جميع المراقبين، الكيمياء التي جمعت ترامب بالسيسي.. الأول رأي فيه زعيماً يمتلك كل مواصفات الزعامة التي جعلت منه المنقذ لبلاده وسط بركان إقليم احترق ويحترق بنار الإرهاب.
دائماً كنا نشتري ود الأمريكان ورؤسائهم.. الوضع الآن مختلف، نحن أمام »قمة التوافق»‬ حسب وصف قناة »‬فوكس نيوز».
بعض الميديا الأمريكية، وفي إطار هجومها الدائم علي ترامب منذ أن كان مرشحاً رئاسياً، قررت أن تستمر في هجومها علي مصر، وعلي رئيسها، مثل »‬نيويورك تايمز» التي استشاطت غضباً من أسلوب وطريقة لقاء ترامب بالسيسي، وقالت إنه ليس مجرد »‬ترحاب» ولكنه »‬حفاوة».. واعتبرت عبارات الإعجاب المتبادلة بين الرئيسين »‬مداهنة» تخطت الحدود.
لم يعجب »‬نيويورك تايمز» المتربصة بمصر، وصف ترامب للسيسي بأنه »‬صديق» ووقعت الصحيفة الكبري في خطأ مهني كبير، عندما كتبت اسم »‬أوباما» بدلاً من »‬ترامب» وهو يقول بوضوح: »‬أريد أن يعلم الجميع أنه لا شك أننا ندعم الرئيس السيسي، فقد قام بعمل رائع في وقت صعب للغاية.. نحن وراء مصر وشعب مصر».
نوتة الرئيس
زيارة الرئيس، كما استهدفت التواصل مع الإدارة الأمريكية الجديدة، استهدفت أيضاً التواصل مع رموز الجالية المصرية، خاصة في نيويورك ونيو جيرسي.. ودُعيت مع أعضاء الوفد الإعلامي المصري لحضور اللقاء الذي اتسم بصراحة مطلقة، تحدث الرئيس من قلبه وكان حريصاً أكثر علي الاستماع إلي المصريين في الخارج.. رد علي كل الأسئلة، واتخذ قرارات فيما يستحق اتخاذ قرار، ولم يتجمل أمامهم، عرض الواقع الصعب كما أسماه »‬معركة تغيير الوضع الصعب» وأن النتائج التي تحققت مازالت دون المستوي المأمول، رغم أن ما تم إنجازه في السنوات القليلة منذ أن جاء رئيساً، تتجاوز ما تم إنجازه خلال عشرين سنة سابقة عليها.
الرئيس يؤكد أنه يراهن دائماً ويكسب علي المعدن الحقيقي للشعب المصري الذي يتجلي في أوقات الشدة.
تحدث الرئيس عن مزايا التعويم التي ستتعاظم مع الأيام والتي تتجلي في كبح جماح فاتورة الاستيراد مقابل تشجيع للصناعة المصرية، وبالتالي حركة داخل السوق المصري، تكون فيه الأولوية للمنتج المصري.
نوتة الرئيس لا تفارقه، يدون فيها الملاحظات أولاً بأول. خبيرة اقتصادية مصرية ضمن أبناء الجالية تعرض علي الرئيس فكرة أن تكون قناة السويس منطقة مالية حرة.. وتعرض قيام أكبر البنوك والشركات الأمريكية بالتنفيذ.
رأفت صليب يطلب من الرئيس أن يعطي توجيهاته للإعلام المصري بألا يطلق عليهم لقب أقباط المهجر.. يُفضِّل عليه لقب مصري »‬وبس» لا مسلم ولا مسيحي.
ناصر صابر من نيوجيرسي يشكر الرئيس لأنه »‬صاحب واجب» ويعرف الأصول عندما أوفد مندوباً عنه للسؤال عن صحة مصري أصيب بأزمة قلبية ودخل المستشفي وهو في طريقه إلي واشنطن ليكون في استقبال الرئيس السيسي.. الجميل أن السيسي نفسه لم يتاجر بالأمر، والذي كشفه مصري حضر اللقاء.
جراح مصري له شنة ورنة في أمريكا يقول للرئيس: عايز أرد الجميل لبلدي الذي تعلمت فيه أحسن تعليم من »‬فيكتوريا كولدج» وفي »‬طب قصر العيني» ثم ألقي بيت الشعر الخالد لأمير الشعراء أحمد شوقي:
وطني لو شُغلتُ بالخُلدِ عَنهُ
لَنازَعتني إليهِ فِي الخُلدِ نَفسي
يمني سرحان، مصرية شابة رئيسة جمعية وتريد أن تنقل نشاطها إلي مصر لتدريب شباب مصر، وتجري لهم برامج وورش عمل.
في نهاية اللقاء، أخرج الرئيس »‬النوتة»، وراح يرد علي كل شخص باسمه!! واستجاب لفكرة إعادة مؤتمر المصريين بالخارج وكلف وزير المالية الذي كان ضمن الوفد المرافق له بدراسة موضوع تحويل مشروع قناة السويس لمنطقة مالية حرة.. وكان حريصاً كعادته علي أن يؤكد أننا كمصريين في غني عن أي شيء يفرقنا، سواء علي أساس ديني أو عِرقي أو مذهبي.. وأن ننفذ هذا بالأفعال وليس بالأقوال فقط.. وبالنسبة لمبادرة الشباب وعد بتوظيفها ضمن مشروع المؤتمر القادم لإعداد القادة.
ناشيونال مول
هنا قلب واشنطن الحقيقي، النابض بالثقافة والتاريخ والمتعة والحرية والانطلاق.. إذا قدر لك أن تزور واشنطن، فلابد أن تزور منتزه ال »‬ناشيونال مول» علي بعد خطوات من نهر »‬بوتوماك».. عبارة عن منتزه مستطيل الشكل، يبدأ من جهة ب »‬نصب واشنطن» التذكاري المبني علي هيئة مسلة، ويمتد إلي مبني »‬الكابتول» التاريخي الشهير، حيث يجلس النواب والشيوخ الأمريكين في الجهة الأخري.. وعلي الجانبين تقع عدة متاحف ومبان تاريخية مهمة.. وفي الجهة المقابلة لنصب واشنطن يقع نصب لنكولن التذكاري الشهير.. والمنطقة تعج بعدد من المعالم الوطنية التي لا يزيد عمرها علي 200 إلي 300 سنة، وربما أقل، ومع ذلك أصبحت مزارات لأنها تمثل للأمريكيين التاريخ والآثار أمثال النصب التذكاري للمحاربين القدماء الذين شاركوا في الحرب الكورية، ونصب جيفرسون ونصب مارتن لوثر كينج.. وقد تدهش عندما تعرف أن واشنطن العاصمة لا تتمتع بأي تمثيل في مبني الكونجرس.. أراضيها جزء من ولاية ميرلاند.. وفي أحيان كثيرة تحتاج إلي الانتقال إلي ولاية فرجينيا.. لم يكد يمر يوم خلال تواجدي في واشنطن دون أن أعرج علي منطقة ال »‬ناشيونال مول».. انتقل إليها من أي مكان بسهولة ويسر باستخدام شبكة مترو عصرية، ولكنها بسيطة بدون إبهار.. أهم يوم كان يوم أحد.. المنطقة تعج بمئات الآلاف من البشر من جميع الجنسيات، أطفال ونساء وشيوخ، أبيض، أسود، أصفر، يمارسون رياضة الجري، وبعضهم علي كراسي متحركة، كلٌ في فلك يتحركون.. لا شيء عشوائيا هنا.. كل شيء بحساب.. مسار للمكفوفين، ومسار لسائقي الدراجات وللمشاة وللسيارات، حتي إشارة المرور تحترم أصحاب القدرات الخاصة ولهم الأولوية في كل شيء.
كل يوم كنت أختار أنا وزميلي الصحفي أسامة السعيد أحد المتاحف الممتدة علي الجانبين لكي ندخله.. طوابير طويلة ممتدة لعشرات الأمتار خارج المتحف، إما تحت الشمس وإما تحت المطر، الجو هنا متقلب وحاد مثل السياسة الأمريكية تجاه الشرق الأوسط، وفي كل الأحوال يجب أن تكون مستعداً بالشمسية إما للشمس أو للمطر، »‬بالجاكيت».. الناس هنا مفتونة بالمتاحف التي تفتح في مجملها أبوابها مجاناً.. وقفت في الدور، وخضعت فقط لإجراءات تفتيش دقيق، مثلي مثل غيري ودلفت إلي متحف تاريخ أمريكا الذي بدأت به، وبمجرد الدخول ستجد خدمات الإنترنت أيضا متاحة مجاناً.. نسيت أن أقو ل لك إن المتحف يبدأ سيناريو عرضه المتحفي ليس فقط من حديقته، ولكن من أسواره الخارجية عبر قطع منتقاة بعناية ويمكن وضعها في العرض المكشوف لكي يجذبك إلي الداخل.. وما أدراك ما الداخل!.
هناكل شيء يمكن أن تريد أن تعرفه عن نشأة أمريكا منذ الهنود الحمر.. لا يخجلون من ذكر أي شيء.. الأمريكان يتعرون أمام حقائق التاريخ.. كل شيء بالمجسمات، وباستخدام »‬ديورامات» العرض المتحفي المبهرة، بالأفلام وكل وسائل الإبهار الممكنة.. أرَّخوا لتاريخهم وحروبهم.. لم يتركوا صغيرة ولا كبيرة إلا وجاءوا بها.. رؤساء أمريكا وكل ما يتعلق بهم.. أصواتهم المسجلة، والأفلام الموجودة عنهم، صورهم، مجسماتهم، رسوماتهم.. إلخ، جناح خاص بالسيدة الأمريكية الأولي، أجنحة للأمة العسكرية الأمريكية وحروب الأمريكان ونماذج أصلية كاملة لمروحيات.
أمتع ما زرت كان متحف الفضاء.. هناك كل شيء حقيقي.. أول »‬كبسولة» أمريكية انطلقت للفضاء، معامل الفضاء.. ليست نماذج، ولكنها الحقيقة التي تحولت هنا إلي تاريخ بعد أن خرجت من الخدمة.. وبدلاً من أن تنطلق لتسبر أسرار الكون كما كانت، ها هي في مهمة جديدة تسبر عقول الملايين من الأطفال والشباب الأمريكان الذين يشاهدون ويلمسون، بل ويستخدمون أجهزة محاكاة تجعل من بعضهم رواد فضاء.. إنها المتعة بلا حدود، متعة للعقل والنفس، وأيضاً البدن.. هنا يمكن أن تتنقل بين المتاحف مترجلاً أو إذا أردت يمكن أن تستأجر دراجة بدولارين تنتقل بها.. ولا أنصحك باستخدام سيارة، لأن المنطقة هنا قاتلة بسبب الملايين الذين تعج بهم المنطقة.
إذا جُعت ستجد السيارات الأمريكية الشهيرة تبيع الطعام، كل شيء متاح بجودة عالية، وبأسعار غير مبالغ فيها.. لم أحتر كثيراً، وجدت عدة سيارات مكتوب عليها كلمة حلال باللغة العربية.. ستجد بها مصريين أو هنوداً أو باكستانيين.
أعود إلي »‬نُصب واشنطن» مازال يوم الأحد الإجازة الرسمية، عشرات الآلاف يحيطون بالنصب الذي يشبه كما قلت المسلة الفرعونية، وإن كانت مسلاتنا أقيم وأعظم وأكثر عراقة.. عندنا أنت تتكلم عن حضارة 6 آلاف عام، وهنا نتحدث عن 200 إلي 300 سنة.. ولكن للأسف هنا رأيت أن من زاروا مسلة واشنطن في يوم ربما يكون عددهم أكثر ممن زاروا المسلة الناقصة في أسوان خلال سنة أو ربما عدة سنوات!! وأكلوا وشربوا وأنفقوا في يوم ربما أكثر من عوائد الأقصر في عام.
دائما أسقط في فخ المقارنة التي في أحيان كثيرة تضيع عليك جمال اللحظة، وأنا أتجول في المعارض التي انتظرت في طوابير طويلة لدخولها أتذكر أحوال متاحفنا التي سكنها العنكبوت، وتطاول علي بعضها اللصوص، تشكو ندرة زوارها، وإذا زاروها فإنهم بالمقتنيات يعبثون.
ذهب فاروق حسني وحتي الآن لم يخرج كلا المتحفين للنور بهذا التصور، وسوف يكون هناك افتتاح جزئي لكليهما.. إنه الفشل وضياع الفكرة.
أمام البيت الأبيض
أمام البيت الأبيض ذهبت متابعاً، الكاميرات منصبة لنقل زيارة الرئيس المصري، الأجواء متوترة، حالة أمن اسثنائية.. الأمن متحفز بعد تهديدات جماعة الشر بإفساد فرحة الزيارة.. المصريون جاءوا من كل حدب وصوب.. من نيويورك ومن نيوجيرسي لتحية رئيسهم.. بعضهم جاء علي كرسي متحرك، وجدوا الزيارة فرصة لمحاولة للتعبير عن حبهم لبلدهم الذي تربوا فيه وعلمهم.. جاءوا يلتحفون أعلام الوطن ويرددون الهتافات التي تبعث القشعريرة في الجسد والأغاني الوطنية.. عدد كبير من شباب الأحزاب وبتنسيق رائع مع غرفة صناعة الإعلام، جاءوا ليوصلوا للعالم صوت مصر، بعد أن حاولت تصوير ما يحدث في مصر علي غير حقيقته.
أغلب من التقيتهم من المصريين يعرفون حجم الصعوبات التي تمر بها مصر، ولكنهم يرون في السيسي منقذاً لمصر من الدرك الأسفل الذي وصلت إليه في العقود الأخيرة.. بل إن بعضهم ذاق الأمرين عندما جاء ليستثمر في مصر وفشل ورجع بعد أن أعيته البيروقراطية، ولكنه الوطن.
ناصر قال لي: ولدت في أمريكا وأسماني والدي يرحمه الله علي اسم جمال عبدالناصر وعدت معه إلي مصر وتعلمت وتخرجت في جامعاتها، وعندما عدت إلي أمريكا واستقررت فيها أردت أن أرد الجميل لبلدي وقررت أن استثمر تعليمي في الزراعة في محاولة الاستثمار الزراعي، ولكنني للأسف انهزمت أمام صغار الموظفين في محافظة بني سويف.. ومازلت أقاتل حباً في بلدي.. ولكن الدنيا لازم تتغير واستمرار البيروقراطية المصرية معناه الانتحار.
مواطن أمريكي جاء بأسرته، استمع لزميلي العزيز صديق الرحلة أسامة السعيد وهو يتحدث معه عن الأسباب التي دفعته إلي أن يقف يهتف مع المصريين.. إنها مصر التي أحياناً لا ندرك أهميتها.
الأغاني الوطنية التي قد تسمعها وأنت في مصر، وقعها علي نفسك مختلف وأنت خارج البلاد.. تشعر بحنين من نوع آخر للعلم، وللكلمات وتخرج كلمة »‬تحيا مصر» من أحشائك وليس من حنجرتك، وتشعر بأن شعر رأسك يشاركك.. »‬شكلها في ملامحي.. حتي لوني قمحي لون نيلك يا مصر.. متلاقيش مثالها ست كل عصر».. »‬يا بلادي يا بلادي أنا بحبك يا بلادي».. اسلمي يا مصر إنني الفدا... ذي يدي ان مدت الدنيا يداً إلي آخر كلمات النشيد الوطني القديم... وسلاماً يا بلادي... يرددونها ويبكون شوقاً وعشقاً وحباً للوطن الأم.
ليل أم نهار؟!
تركنا واشطن قبل أن ينتصف ليلها ويولد فجر يوم جديد، ورحلنا إلي أبوظبي وقد انقضي هذا اليوم أو أوشك، وفي الوقت الذي كانت فيه التاسعة صباحاً في اليوم الجديد، كانت الخامسة مساء في أبوظبي.. احترت وأنا في الطائرة أكثر من 12 ساعة ماذا أصلي، ومتي؟.. هل أصلي حسب توقيت واشنطن التي تركتها قبل منتصف الليل.. صليت بالفعل المغرب والعشاء، ثم صليت الفجر ولكن بعد ذلك اختلط عليَّ الأمر.. ليل ثم نهار ثم ليل.
في رحلة العودة أقلعت الطائرة فوق أمريكا الشمالية في مسار مواز للمحيط من واشنطن ثم الطيران فوق بالتيمور ثم نيويورك ثم في اتجاه الشمال بمحاذاة كندا ثم انحرفت الطائرة من أقصي الشمال حتي كادت تلامس حدود أيسلندا، ثم لامست البر مرة أخري فوق المملكة المتحدة.
أتابع بشغف مسار الطائرة علي الشاشة التي أمامي، ها نحن الآن نطير بمحاذاة دبلن ثم هامبورج، ثم ننحرف قليلاً لنطير فوق البحر الأسود.. ها هي تبليس وطهران ثم تعرج بقوة لتطير فوق الأراضي العراقية، ها هي أربيل وبغداد ثم تطير فوق بحر العرب.
الطائرة تطير علي ارتفاع كبير يحسب بالكيلومترات.. عند هذا الارتفاع الشاهق قد تتحول المدينة الكبيرة إلي مجرد قطعة أشبه بقطعة التورتة، ويتقزَّم النهر الكبير ويبقي مجرد خط يلمع في ضوء الشمس أو ضوء القمر، إذا كان الجو صحواً بدون غيوم.. من هنا تتقزَّم أشياء وتَعظُم أشياء بداخلك.. تطير فوق جبال من السحب البيضاء أشبه بالقطن المندوف ناصع البياض.. هل أنت هنا أقرب إلي الله؟.. الله موجود في كل وقت وأوان، ولكن مِن هذا الارتفاع، ومن نافذة طائرة تطير علي ارتفاع يتجاوز العشرة كيلو مترات، تدرك كيف أنك قزم، لا شيء وسط كون مترامي الأطراف، فما بال علماء الفضاء الذين يتركون حدود الكوكب ويذهبون إلي القمر وإلي الكواكب الأخري؟.. فما بالهم لا يؤمنون؟.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.