مع تفاقم الأزمة داخل السلطة الفلسطينية بتقليص مرتبات الموظفين الفلسطينيين بقطاع غزة واحتدام الانقسام والصراع بين جناحي السلطة في غزة والضفة الغربية وخروج مظاهرات الاحتجاج إلي شوارع القطاع، كان لتعليقات صحف الاحتلال الإسرائيلي ما يثير الدهشة بل والاستياء. فبينما تفرض دولة الاحتلال حصاراً اقتصادياً خانقاً علي السلطة الفلسطينية عموما وعلي قطاع غزة علي وجه الخصوص تجد كتابات صحفها تنتقد أداء السلطة الفلسطينية وتتهمها بالتسبب في تعميق الأزمة! وتشن هجوماً غير مسبوق علي نظام رئيس السلطة الفلسطينية »أبو مازن»، وكأنها تترك الأصل الذي هو الاحتلال، وتمسك بالفرع الذي هو صراعات الفلسطينيين الداخلية. كانت السلطة الفلسطينية قررت تخفيض رواتب العاملين بقطاع غزة في أول شهر إبريل الجاري بنسبة الثلث، مما أثار ضجراً واعتراضات شعبية كثيرة خرجت إلي الشارع في شكل مظاهرات احتجاج. ومما زاد من احتقان النفوس ما أعلنته السلطة من تبرير لهذا التخفيض الموجع من أن السبب لا يرجع فقط إلي العجز في خزانة السلطة، إنما أيضاً بسبب الخلاف مع حركة حماس علي إدارة قطاع غزة. وخرج رامي الحمدالله رئيس الحكومة الفلسطينية بتصريح قال فيه: »ان الحكومة أجرت تقليص الرواتب بشكل مؤقت وان تلك التخفيضات سيتم إلغاؤها إذا ما استجابت حركة حماس للإنذار الأخير الذي أعلنه الرئيس محمود عباس من أجل إنهاء الأزمة». كان هذا التصريح سببا في اعتقاد أهالي القطاع ان قرار تخفيض الرواتب يأتي بمثابة عقوبة جماعية للشعب الفلسطيني في غزة الذي يبلغ عدد الموظفين فيه الذين يحصلون علي رواتبهم من الحكومة برام الله حوالي 60 ألف موظف. المعروف ان دوائر رام الله تتهم حركة حماس بالسيطرة علي مصادر الدخل في القطاع وبفرض ضرائب باهظة هي الوحيدة التي تستفيد منها في الوقت الذي تحصل السلطة علي مبالغ ضئيلة لاتمكنها من الإدارة الجيدة للأمور المالية. وتقول الحكومة الفلسطينية انها استثمرت مليارات الدولارات في قطاع غزة منذ استولت حماس علي مقاليد الأمور في القطاع. وفق خطة أبو مازن يكون مطلوب من حماس أن تعلن عن تفكيك الإدارة التي أقامتها مؤخراً في القطاع لإدارة أموره وتمثل ما يمكن اعتباره حكومة موازية للحكومة الرسمية في رام الله، أيضاً ان تمكن حماس السلطة من السيطرة علي المعابر ومكاتب الحكومة وأن تتشكل حكومة وحدة وطنية تمهد الأرض لإجراء انتخابات برلمانية ورئاسية. من جانبها أعلنت حركة حماس انها مستعدة للتفاوض الثنائي ولكن دون تهديدات من رام الله. في تلك الأثناء تخرج الصحف الإسرائيلية لتصف الأزمة الأخيرة بأنها تشير إلي واحد من الإخفاقات السياسية الكبيرة لنظام محمود عباس الذي بدلاًمن أن يجيد التعامل مع الانفصال بين القطاع والضفة الغربية الذي فرضته إسرائيل منذ 1991 وبالذات منذ 2007، يساهم في تعميق الأزمة. وتحمّل المراسلة والناشطة الإسرائيلية الشهيرة عميرة هاس نظام »عباس» مسؤولية تدهور الأوضاع في غزة، في الوقت الذي تعترف فيه ضمناً بانهيار اقتصاد الأنفاق الذي كانت حركة حماس تعتمد عليه في قطاع غزة وكأنها تستدر التعاطف مع »حماس» نتيجة الضربة الاقتصادية واللوجستية التي تلقتها نتيجة فقدانها مصدراً مهماً من مصادر دخلها نتيجة عمليات التهريب المتنوعة التي تتم عبر الأنفاق. وعلي الرغم من كتاباتها الكثيرة المتعاطفة مع الفلسطينيين تحت الاحتلال، إلا أنها هذه المرة تجاهلت حقيقة قيام دولة الاحتلال بحبس مبالغ الضرائب وعوائد الجمارك المستحقة للسلطة الفلسطينية وندرة المرات التي قامت فيها بالإفراج عن تلك المبالغ لفك أزماتها المالية، بل واستخدامها سلاح التجميد للضغط علي السلطة الفلسطينية. لا يخفي أيضاً أن صراع السلطة الدائر بين حماس وفتح يؤثر بشكل عميق علي جهود المصالحة الفلسطينية التي تساهم بدورها في تشجيع الاحتلال علي الانفراد بكل فصيل فلسطيني علي حدة. • هالة العيسوي