في الوقت الذي اعتبرت فيه الضربة العسكرية الأمريكية ضد قاعدة الشعيرات الجوية في سوريا بمثابة تحول مفاجئ عن خطاب الرئيس الامريكي دونالد ترامب السابق الداعي إلي عدم التدخل العسكري والذي ميز سياسته تجاه سوريا، إلا أنها حملت امكانية اعادة ترتيب الاولويات المطروحة علي الطاولة الاستراتيجية في منطقة الشرق الاوسط. وتري مجلة فورين بوليسي الامريكية في تحليلها لما بعد الضربات الامريكية انه في حال مواصلة إدارة ترامب توجيه مثل هذه الضربات ووضعها ضمن استراتيجية ممنهجة للمنطقة، فربما يعتبر المحللون الضربة ضد قاعدة الشعيرات بداية جديدة لبلورة شكل سياسة ترامب الخارجية. ووضعت المجلة الامريكية أسئلة مهمة يتعين علي ادارة ترامب البحث عن اجابات لها في الوقت الذي تعمل فيه علي بناء استراتيجيتها الأشمل بالمنطقة: أولا- ماذا سيفعل ترامب بمصداقيته ونفوذه الجديد الذي حصل عليه بعد الضربة في مواجهة بشار الأسد؟ تقول مجلة »فورين بوليسي» انه بغض النظر عن أي أضرار مادية حققتها الغارات الجوية الامريكية علي القاعدة الجوية السورية، إلا ان اهم نتيجة فورية للهجوم هي استعادة الولاياتالمتحدة اخيرًا لمصداقيتها ونفوذها القوي بالمنطقة، فمنذ بداية الأزمة السورية، عانت الولاياتالمتحدة من تراجع حاد في المصداقية، إذ وجه الرئيس الامريكي السابق باراك اوباما العديد من التهديدات والتحذيرات لسوريا غير أن فشله في فرض عقوبات عسكرية حقيقية ضد حكومة الاسد، جعل كل تلك التهديدات بلا معني. وقد زادت خطوط اوباما » الحمراء» الفاشلة التي وضعها عام 2013 من فجوة المصداقية لواشنطن بين دول المنطقة. وقد توافق خطاب ترامب بشأن سوريا في بداية عهده مع مسلك اوباما مما زاد من التكهنات بانه سيتبع نفس السياسات. اما الآن، فقد قام ترامب بفعل شيء لم يقم به اوباما علي الإطلاق، ألا وهو إجبار بشار علي تعديل تحركاته. ولكن المجلة الامريكية تتساءل عن هدف ترامب من استخدام نفوذه اليوم. وقد يكون المطلب في حده الأدني هو منع دمشق من استخدام الأسلحة الكيماوية وهو المطلب الذي تعززه الرغبة في توجية ضربة اخري اذا اظهر الاسد تحديا، ولكن المطلب يشمل في حده الاعلي اجراء تعديلات في موقف حكومة دمشق لاستئناف مباحثات السلام مع المعارضة وابداء المزيد من المرونة. ربما يمتلك ترامب حاليا نفوذا يكفي لتحقيق المطلب الاول ولكن ليس الاخير كما تري »فورين بوليسي». وربما يسعي إلي تحقيق الاخير، وفي هذه الحالة، سيجد أن خياراته تتوقف علي ما يفعله الآخرون. ثانيا- كيف سيتعامل ترامب مع ردود أفعال روسياوالصين تجاه الضربة الامريكية ؟ رد ترامب سيتوقف بالطبع علي مدي العواقب التي سيواجهها. وكانت احدي العواقب الاكثر ضررا لسياسة اوباما الفاشلة تجاه سوريا هي التخوف من خلق فراغ مما جلب الجيش الروسي إلي المنطقة. وكانت هذه انتكاسة كبيرة للسياسة الامريكية التي استمرت عقودا لضمان عدم دخول روسيا كواحدة من القوي العظمي إلي الشرق الاوسط. وعلي المستوي العملياتي، زاد انتشار الجيش الروسي في سوريا من تعقيد الموقف امام اي خيار عسكري امريكي ممكن، وزاد من المخاطر لدرجة انه حتي اي تحرك تكتيكي بسيط من واشنطن ربما يؤدي لمواجهة مباشرة. وقد أدت هذه القيود إلي إصابة واشنطن بشلل استراتيجي علي الاقل في عهد اوباما. وقد أبدي ترامب رغبة اكبر في المخاطرة اذ وجه ضربة عسكرية ضد القاعدة الجوية السورية بالرغم من وجود قوات روسية هناك وإن كان قد تم ابلاغ روسيا مسبقا بالهجوم. وأراد ترامب بذلك التخفيف من مخاطر التصعيد لكن إلي اي مدي يتحقق هذا التخفيف سيتوقف علي ما ستفعله روسيا بعد ذلك، خاصة ان هذا سيجعل اي عمل عسكري امريكي في المستقبل محفوفا بمخاطر اكبر.. فروسيا تمتلك أوراقا اخري، وستتوقف خيارات ترامب علي كيف سيلعب الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بهذه الأوراق. وفي الوقت نفسه، يجب علي ترامب ان يعالج ردود الأفعال الآسيوية تجاه الضربة. فقد وضع توقيت تنفيذ الضربة الامريكية التي جاءت اثناء عشاء ترامب مع الرئيس الصيني في فلوريدا وضع العلاقات الامريكية- الصينية في مأزق. فلم تؤيد الصين علي مر التاريخ مثل هذه الأشكال من استخدام القوة احادية الجانب. وترامب معروف بإعجابه بالمفاجآت علي انها احد التكتيكات التفاوضية وربما يكسب علي المدي القصير خاصة انه لا يمكن تصور ان الصين كان لديها الرد المسبق علي سيناريو الغارة الجوية الامريكية اثناء العشاء. ولكن رد فعل الصين مهم لانها تستطيع ان تقوم بدور ليس إيجابيا داخل الاممالمتحدة. ثالثا- ماذا سيفعل ترامب وحلفاؤه لمعالجة المرحلة القادمة من الصراع؟ ترامب لم يكن في حاجة إلي حلفائه عند اطلاق الدفعة الاولي من صواريخ »كروز-توماهوك» لكنه سيحتاج إلي حلفائه وشركائه لترجمة هذه الضربة إلي مكاسب سياسية واستراتيجية اكثر استمرارية. في المقابل، يريد هؤلاء الحلفاء غطاء قانونيا دوليا اكبر من ذلك الذي توفره التحركات الامريكية احادية الجانب. وربما يكون محامو ترامب علي حق بان هناك غطاء دستوريا وقانونيا دوليا للدفعة الاولي من الغارات لكن حلفاء امريكا الأوربيين يريدون بالطبع تفويضا قانونيا أوسع في شكل تفويض من الاممالمتحدة وهو الامر الذي يبدو صعبا في حال استخدام روسياوالصين حق النقض ( الفيتو). • أشرف زيدان