هي إذا مناسبة لإعادة تقييم ما حدث يوم 26 مارس من العام قبل الماضي، عندما بدأت قوات التحالف العربي، الذي ضم عشر دول عربية غارات جوية علي أهداف يمينية، إيذانا ببدء عمليات عاصفة الحزم، ضد تحالف الرئيس اليمني المخلوع علي عبد الله صالح وجماعة الحوثي في اليمن، بعد انقلابهم علي السلطة الشرعية في صنعاء، واستهداف الرئيس عبد ربه منصور هادي ورئيس وزرائه في ذلك الوقت خالد بحاح، تختلف زوايا الرؤيا، وتتباين المواقف تجاه هذا الحدث، ما بين مؤيد ومعارض، ليس بين اليمنيين وحدهم، باعتبارهم المعنيين بالأمر مباشرة، بل انتقل الأمر إلي الشارع العربي، الأغلبية مع ما تم من دعم لعودة الشرعية اليمنية، ومؤيد للمسعي السعودي الذي يقود التحالف، ويتعامل معه علي أن عاصفة الحزم خطوة مهمة للحفاظ علي الأمن القومي العربي، بعد دخول إيران علي خط الصراع، بدعم صالح والحوثي، وإعلانها بعد سقوط العاصمة صنعاء في سبتمبر 2014 إنها تتحكم في العاصمة العربية الرابعة، مضافة إلي دمشق وبيروت وبغداد، والثاني يعتقد بأنه عدوان علي قطر عربي شقيق، هو اليمن مع إشارة إلي كلفته الإنسانية والاقتصادية علي الجميع. ويحتاج الأمر مناقشة هادئة ومتأنية، قبل الإعلان عن انحيازه إلي أي من الرأيين السابقين، ودعونا نشير إلي حقيقة، أن اليمن لم يكن استثناء من توابع ثورات الربيع العربي، سوي في طول نفس وذكاء الرئيس المخلوع علي عبد الله صالح، الذي نجح في التحكم في مفاصل الدولة اليمنية طوال فترة حكمه التي جاوزت 37 عاما، والذي ظل متمسكا بالحكم في ظل استمرار ولاء قطاعات مهمة من الحرس الجمهوري له، فتدخلت دول الخليج، وطرحت مبادرة مثلت «خطيئة» - وإن كان قد حكمها حسن النية - في حق اليمنيين، وهي الإقرار بعدم ملاحقة صالح قانونيا، والإبقاء عليه وحزبه وجماعاته، مقابل تنازله عن السلطة لنائبه في ذلك الوقت عبد ربه هادي منصور، فكان من الطبيعي أن يظل رقما صعبا في المعادلة اليمنية، خاصة مع طول فترات حكمه، والقدرات المالية الضخمة التي خرج بها، وقدرتها إحدي لجان مجلس الأمن ب60 مليار دولار، بعد استيلائه عليها من قوت الفقراء من الشعب اليمني، وتحول مع الزمن إلي أكبر عقبة أمام أي تحولات إيجابية في اليمن، بل أعلن عن تحالفه مع أعداء الأمس، الذين أصبحوا أصدقاء اليوم جماعة الحوثي، رغم أنه خاض ضدهم ست جولات من المعارك العسكرية، منذ عام 2004 إلي 2010، وكانت ذلك الخطأ الأول لدول مجلس التعاون، الذي لم تدرك أنها أمام «ثعبان سياسي» - ليس له أمان - تم الإبقاء عليه في اليمن. وجاء «الخطأ الثاني» من دول الخليج ومعهم في هذه الحالة المجتمع الدولي، من خلال المبعوث الأممي جمال بن عمر، وتتلخص في حالة « تدليل « غير مبررة لجماعة الحوثي، التي شاركت متأخرة في أعمال الثورة، ولكنها لم تتخل عن مشروعها الطائفي، والتعامل علي أنها امتداد لولاية الفقيه في إيران، فأعطي لها اليمنيون حجما أكبر من حجمهم في الحوار الوطني، الذي استمر 10 أشهر، خرج منها المشاركون برؤية متكاملة لحل كل مشاكل اليمن، وتحدياته وآماله وطموحاته، وكانت الخطيئة أنهم تركوا الحوثي، ليس مجموعة سياسية، ولكن ميليشيا مسلحة، في استنساخ لتجربة حزب الله في لبنان، وتحول إلي دولة داخل الدولة وفوقها، والغريب أن البعض حاول لمصالح ضيقة غض الطرف حول ما تقوم به الجماعة، في إطار «المكايدات السياسية» وهي إحدي آليات السياسة في اليمن، فاستولت الجماعة الحوثية علي محافظة عمران، وبعدها محافظة صعدة، وسط دعم وتشجيع جماعات داخل الدولة اليمنية، نكاية في مجموعات وأحزاب سياسية أخري مختلفة معها، فبدأت في حصار العاصمة صنعاء، وظن البعض أن ذلك آخر ما يمكنها فعله. ولكن الحوثي الذي ينفذ أسلوب حزب الله مع الحكومة اللبنانية استولي علي العاصمة في سبتمبر 2014، وبدأ في فرض شروطه والتي بدت واضحة في اتفاق السلم والشراكة، الذي ساهم في وجودهم في مفاصل الدولة بقوة السلاح، فكانت النتيجة الاستيلاء علي السلطة، ومحاصرة الرئيس عبد ربه منصور ورئيس الوزراء، رغم أنهم كانوا جزءا من تلك السلطة، ولكنها مثلت محاولة للانفراد بالسلطة بسطوة القوة، لم يتوقف مخطط الحوثي وصالح، فبعد الاستيلاء علي كل مدن اليمن حتي عاصمة الجنوب عدن، بدأت المناوشات مع الجيران مع السعودية، من خلال مناورات عسكرية علي الحدود، وإعلان طهران أنها أصبحت تتحكم في العاصمة العربية الرابعة، فتطورت الأحداث بعد أن أدخل تحالف الحوثي وصالح البلاد في أتون الصراع الطائفي في المنطقة، وتحولا معا إلي رأس رمح في تهديد السعودية، والتي استجابت إلي طلب الرئيس الشرعي لليمن في التدخل، والذي تم وفقا للقوانين الدولية والعربية، فكانت عاصفة الحزم. نعم هناك كلفة إنسانية ضخمة وخسائر اقتصادية كبيرة، ولكن الحقيقة فإن السعودية -التي سعت إلي تشكيل التحالف العربي- كانت تدافع عن أمنها القومي المهدد من قبل الحوثي وصالح، كجزء من المخطط الإيراني، وتسعي إلي عودة الشرعية في اليمن. ونهاية الأزمة مرتبط بتحويل الحوثي إلي مكون سياسي من بين المكونات الحزبية في اليمن، ونزع سلاحه، والعودة بالأمور إلي ما كانت عليه في سبتمبر 2014.