جاءت ثورة 52 يناير بعد أن زادت التراكمات والسلبيات والفساد.. أكثر من ثلاثة عقود متصلة، حتي وصل الحال إلي التآلف والمعايشة في هذا المستنقع وتكلَّست الطاقات وأُهدرت الثروات، جاءت الثورة لتضع حداً قاطعاً لهذه الكوارث ومحاكمة رءوس الفساد والقضاء عليه كاملاً، عقود قتلت أحلام أجيال بفعل الحكم الظالم الفاسد، تسببوا في هجرة العلماء وأساتذة الجامعات والمدرسين والخبراء في شتي المجالات الإبداعية والقانونية والإنسانية، لذا بادر باب »نهر الفن« بطرح مبادرات علي مدي السنوات الماضية ورؤي مقترحة في مجالات »التنمية البشرية، الإعلام والثقافة والعدالة المفقودة، الآثار والاستثمار الاقتصادي، المجلس الأعلي للمتاحف كمشروع طموح لمستقبل متاحف مصر، وثقافة الوطن«.. وغيرها من القضايا الملحة، وخلال الأسابيع الماضية تطرقت إلي الآثار والثقافة والإعلام.. وهذا الأسبوع أستكمل المثلث الذهبي المؤثر في التنمية البشرية السليمة بالمجتمع وهو التعليم بجميع مراحله.. من المرحلة الإلزامية حتي التعليم الجامعي، فإذا اعتبرنا الثقافة والتعليم والإعلام أضلاعاً ثلاثة مكونة لهذا المثلث الذهبي.. نكتشف هنا موطن الكارثة الممتدة من عام 25 أي بعد ثورة يوليو 2591 لم تستطع الحكومات علي مدي ستين عاماً أن يستقروا علي نموذج للتعليم، ولا استقرار علي مناهج بعينها، ولا سياسات واستراتيجيات تضمن وجود ثوابت كمرجعية أصيلة نهتدي إليها، تأتي كل حكومة جديدة، يتفلسف وزير التعليم فيها بإلغاء مناهج.. وآخر إلغاء سنة من المرحلة الإلزامية وآخر يعيدها مرة أخري.. الخ. ناهيك عن المناهج التي تلقن، كأن الطالب واجبه أن يمتلئ في غياب العقل، ويعود السبب في ذلك إلي غياب المعلم الناضج المُعَد والمهيأ لعملية التدريس، وغياب للبرنامج المؤسسي، وتجاهل منهجية البحث والتنقيب للحصول علي المعلومات لاكتساب الطالب خبرة وتمرساً علي الابتكار والاعتماد علي الذات، وإذا فحصنا المدارس الابتدائية والإعدادية والثانوية علي مستوي الوطن، نكتشف بأن معظمها خال من مقومات البنية التحتية التي ترتبط بالدراسة مباشرة وغيرها المرتبطة بالأنشطة الإبداعية والرياضية والفكرية.. في الوقت الذي ظهرت المئات من المدارس الخاصة لتستنزف قدرات المواطنين الاقتصادية كبديل للتعليم العام، وهذه كارثة أخري تفتقد إلي العدالة الاجتماعية، وأنا لست ضد المدارس الخاصة ولكن عندما يتحول هذا المشروع إلي صفة التجارة البحتة فيعد كارثة تعليمية، وهذا ينطبق علي الجامعات الأهلية والحكومية، فتدني التعليم الجامعي بسبب هجرة الأساتذة وضعف مرتباتهم سبب في إحداث فجوة كبير تظهر نتائجها علي الأجيال المتلاحقة وتنعكس بالتالي علي المجتمع، بينما الدول الحديثة النشأة تقدمت وتعاظمت في هذا المجال، ومصر صاحبة أعظم الحضارات والتي علمت العالم وعلي رأسه الدول الأوروبية.. في شتي المجالات العلمية والفنية والإنسانية، فهذا لا يليق بمصر ولا بحضارتها الممتدة إلي آلاف السنين، ولهذا »نهر الفن« يطرح رؤية متواضعة قد تفيد المسئولين عن هذه المرحلة الانتقالية الحرجة.. وهي الرؤية التي نعرضها في مقال الاسبوع القادم.