لم يكن السيد ياسين من كبار الباحثين والمفكرين العاديين، بل ظل رائداً وطليعياً في اقتحام قضايا العصر الملحة، مثل قضايا العولمة والحداثة والإرهاب. كانت تشغله قضية التطرف الفكري التي تطرح رؤي منحرفة ومتخلفة وبدائية للعالم قبل أن تتحول في مجال الممارسة، علي مستوي الأفراد والجماعات، إلي إرهاب صريح. وهذا الإرهاب لا يستهدف فقط الخصوم الفكريين أو السياسيين، بل أيضا المدنيين بصورة عشوائية، كما يحدث الآن في كل قارات العالم. إذن.. فإننا إزاء إرهاب عابر للقارات يوسع نطاق عملياته، ويضع الغرب، كما حدث في لندن مؤخراً وقبلها في عدة مدن أوروبية، في دائرة أهدافه. ويري السيد ياسين أن استخدام الوسائل الأمنية لا يكفي لمجابهة الإرهاب، ذلك أن التحليل الثقافي لظاهرة التطرف، يكشف أن اختراق الجماعات المتطرفة لنظام التعليم بكل مؤسساته، يأتي في مقدمة أسباب الإرهاب، كما أن التنشئة المبكرة علي التطرف الفكري تجعل من الطلاب، حين يشبون عن الطوق، أدوات طيعة يمكن تجنيدها في شبكات الإرهاب المحلية والقومية والعالمية، ويساعد علي هذا الاختراق أن التعليم في الدول العربية والإسلامية يقوم علي التلقين ولا يقوم علي الفهم أو النقد أو الحوار بين الأفكار. ويستخلص السيد ياسين من ذلك أن النظام التعليمي يبذل كل جهده لصياغة العقل الاتباعي، الذي يتبع ما تلقاه من تلقين، والذي يسهل السيطرة عليه، بينما يتجنب نظام التعليم صياغة العقل النقدي، الذي هو عقل متمرد بطبيعته. فإذا أضفنا إلي ذلك ما يصفه مفكرنا بازدواجية نظم التعليم، حيث نجد تعليماً مدنياً في جانب وتعليماً دينياً خالصاً في جانب آخر.. لأدركنا أن هذه الازدواجية تمثل أحد أسباب التطرف الفكري، لأن التعليم الديني في رأيه كما يمارس فعلاً، يساعد علي بلورة رؤي للحياة تتسم بالانغلاق ويغلب علي دراساته النقل وليس العقل، وقد يحاول البعض أن ينسب إلي هذه الدراسات خرافات، باعتبار أن منبعها مصادر دينية، بينما لا علاقة لها بالدين. ويضيف المفكر السيد ياسين أن هناك أيضاً آلية التأويل المنحرف للنصوص الدينية التي تطبقها الجماعات المتطرفة لمحاولة إضفاء الشرعية الدينية علي أهدافها وأساليبها الإجرامية. ومن هنا لا يمكن الفصل بين انتشار ظاهرة الإرهاب في العالمين العربي والإسلامي، وبين أزمة العقل العربي، إذ يمكن التمييز بين العقل التقليدي الذي يتشبث بالماضي البعيد الذي يختاره ويتخيله ليجعله المرجعية الأساسية للمجتمع ليستخدمه في الهروب من مواجهة الواقع في ظل شبكة معقدة من التحريم، ولا يعترف بالتطور والمتغيرات.. وبين العقل العصري، الذي يري في الحداثة مشروعاً حضارياً يكفل حقوق المواطنين السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، ويؤمن بالتعددية والعقلانية وبالاعتماد علي العلم والتكنولوجيا لإشباع حاجات الناس المادية. ولا يوافق السيد ياسين علي حصر أسباب الإرهاب في الفقر أو القهر السياسي. والحقيقة، في رأيه، أن هناك جماعات تتولي غسيل مخ الشباب وتمدهم برؤية مرضية للعالم تكون مقدمة ضرورية لتشكيل العقل الإرهابي، مثل نظرية الحاكمية التي تذهب إلي أن الحكم لله وليس للبشر، بالإضافة إلي تكفير المجتمع، والترويج للكراهية لأتباع الأديان الأخري باعتبارهم كفاراً بل وتكفير من يخالفونهم من المسلمين. كلمة السر : التنوير.