اعتدت أن أسأل بدر ، وأن أستشيره في شئون الكتابة.. واعتدت أن يستجيب لي باهتمام وتقدير.. ولكن لأول مرة أدرك بعد صدمة الفراق.. أن بدر لن يستجيب لي هذه المرة! أنا وزميل العمر الكاتب الصحفي الكبير بدر الدين أدهم صاحب الإطلالة الصحفية البارزة والمتناغمة والمتمعنة بدقة وبتأمل فريد في شئون الحياة عامة، وفي أحوال وشجون الشئون العربية خاصة.. تجمعنا معا سنوات طويلة في مكتب واحد يرصد مشوارنا الصحفي المرهق المحمل بأحلامنا الوردية في المضي قدما وبتفوق لإرضاء صاحبة الجلالة الصحافة.. وهو المنال السهل الممتنع، والذي لاتمنحه صاحبة الجلالة إلا لمن يعطي ويخلص ويبدع.. نحتسي معا قهوة الصباح.. ونتناقش فيما دار في مجلس تحرير الجريدة.. يحكي لي بحب كبير عن مرفت زوجته الجميلة وصديقة عمره.. بل وصديقتنا جميعا.. ثم تلمع عيناه وهو يذكر أبناءه أمير وكريم ونور ومشاغبتهم وطلباتهم التي يحولها بحب إلي أوامر يستجيب لها فيعطي ويمنح بسخاء أب شغوف ! تختلف مهمة كل منا الصحفية.. ولكن حوارا يدوم بيننا.. يسألني عن عنوان كتاب جديد ألفه.. وأسأله عن رأيه في ديوان شعري الجديد.. يختلف معي حول عنوان تحقيق صحفي كتبته.. نختار معا عنوانا جديدا مبدعا نرتضيه.. أما في موعد الحج.. فإن بدر يحول فجأة مكتبنا لمكتب منح تأشيرات للحج لبيت الله.. يتوافد كل أحبائه في الجريدة - وهم كثيرون - الكل يدرك أن بدر سيستجيب لطلب الجميع دون تمييز.. يفعل المستحيل من خلال علاقاته الواسعة للحصول علي تأشيرات لهم.. لايريد أبدا أن يخذل أحدا.. تسير بنا رحلة النجاح والتألق الصحفي بفضل الله وأساتذتنا في العمل الصحفي.. يترقي بدر ويصل إلي منصب مدير تحرير جريدتنا الكبري والأم التي ضمتنا لها بحنان ودللتنا ومنحتنا أمل النجاح والشهرة صغارا.. أما كبارا فأحاطتنا بكل حب ورعاية وشملتنا حتي بالعناية الصحية بفضل فريق أساتذة كبار وعظماء في الطب وفي فن العطاء الإنساني العظيم.. وفي قدرتهم علي استيعاب آلامنا الجسدية والنفسية فهم يعرفون أننا نهمل عن عمد صحتنا وننسي حقها علينا ونحن نلهث لإدراك كل خبر أو حدث جديد.. ولكن يوم الخميس الماضي سألت بقلق طبيبنا الشاب الرائع د.أحمد عبدالسلام عن صحة بدر بعد أن أخبرني بقلق شديد زميلنا العزيز صباح نصر رئيس قسم الاستعلامات بخطورة وضعه الصحي.. فزاغت عينا طبيبنا حزنا وأجاب باقتضاب سوف نجري له عملية لإنقاذه من الفشل الكبدي وسيكون المتبرع هو ابنه أمير.. ولكن فجأة وبسرعة غير مسبوقة رحل بدر عن عمر قضاه في حب زوجته وأبنائه وعائلته وكل من رافقهم ممن كانوا لايزالون يحتاجون وجوده.. فهل غاب عنا البدر؟ مسك الكلام.. لم يغب بدر لأنه ترك لنا أميرا كريما ونورا مشرقا.. سيملأون حياة أمهم الرائعة.. وسينتظرون دائما معا أن يطل عليهم البدر من السماء!.