رسمت مجلة فورين بوليسي الأمريكية سيناريو الكابوس الذي قد يواجه أوروبا خلال السنوات الخمس القادمة بعد صعود زعماء التيار اليميني الشعبوي إلي سدة الحكم في دول الغرب مستفيدين بقوة الدفع التي تلقوها مع تولي دونالد ترامب رئاسة الولاياتالمتحدة. تكهنت المجلة الامريكية باندلاع حرب أهلية محدودة في فرنسا في الوقت الذي سيتولي فيه الفاشيون الحكم في دولة المجر ويصاب حلف شمال الاطلسي » الناتو» بالوهن كما سيتم حل الاتحاد الاوروبي. وتري »فورين بوليسي» انه لا يمكن استبعاد مثل هذه التكهنات وإن تفاوتت في درجاتها اذ انه بعد خروج بريطانيا من الاتحاد الاوروبي وانتخاب ترامب رئيسا للولايات المتحدة، »لا يمكن القول ان هناك شيئا غير ممكن». وتتهم المجلة الأمريكيةروسيا بأنها تحاول اليوم تدمير كل من »الناتو» والاتحاد الاوربي من الداخل والخارج، محذرةً من انه اذا نجحت موسكو في ذلك ستكون العواقب وخيمة ليس فقط علي الأوروبيين بل علي الولاياتالمتحدة والعالم اجمع ايضا.. فمع وجود ادارة جديدة في واشنطن تتعهد بالتنصل من الشئون الأوروبية، وهو الأمر الذي لم يحدث الا في فترة ما بين الحربين العالميتين، فإن امكانيةً انهيار القارة الأوربية وخروجها عن القضبان ستكون عالية للغاية. يبدأ السيناريو الذي تخيلته مجلة فورين بوليسي في مايو المقبل بدخول ماري لوبن قصر الإليزيه فور فوزها في انتخابات الرئاسة الفرنسية.. وينتهي في مايو عام 2022 بمشهد وقوف الرئيس الروسي فلاديمير بوتين منتشيا في عرض عسكري في الميدان الأحمر بمناسبة الذكري ال77 لانتصار الاتحاد السوفييتي السابق علي ألمانيا النازية. يأتي هذا الاستعراض بعد أسبوع من زحف وحدة تضم 150 من جنود القوات الخاصة الروسية إلي داخل دولة إستونيا المجاورة والمطلة علي بحر البلطيق واستيلائها علي مبني الحكومة في مدينة نارفا الواقعة علي الحدود مع منطقة يقطنها غالبية من الروس ورفع العلم الروسي علي المبني، وهو سيناريو مماثل لما حدث من احتلال القوات الروسية لشبه جزيرة القرم عام 2014. »الناتو» جثة هامدة ووفقا للسيناريو، ستفاجأ اجهزة الاستخبارات الغربية بالعملية الروسية في إستونيا وان بوتين لم يعد يخشي حدوث رد فعل علي دخوله إلي إستونيا منذ ان أمر ترامب بسحب جميع القوات الامريكية من دول البلطيق عام 2019 حسبما يسرد السيناريو الكارثي. وفي الوقت الذي كان يتوقع فيه بوتين معارضة من بعض دول »الناتو» الواقعة في الجزء الغربي من أوروبا مثل اسبانيا والبرتغال،فإن المعارضة القوية ستأتي فقط من ألمانيا التي تمثل القوة السياسية والاقتصادية المهيمنة في القارة. غير ان ألمانيا حسبما تخيل السيناريو ستكون قد دخلت حقبة جديدة بعد انتخابات عام 2017 حينما تُمني حكومة المستشارة إنجيلا ميركل الائتلافية والتي ظلت تقود أوروبا ضد موسكو لسنوات طويلة بهزيمة ثقيلة، فقد أثار قرار ميركل بفتح الحدود امام اللاجئين السوريين عام2015 غضب الجناح اليميني وعزز من ثورته في مختلف انحاء أوروبا. وسينتهز قادة حزب »البديل من اجل ألمانيا» المتشدد الفرصة ويصف ميركل بأنها » خائنة للشعب». ومن بين الخطوات التي ستزيد من شعبية الحكومة اليمينة المتطرفة الجديدة في ألمانيا إلغاء اتفاقيات السماح بوجود قواعد عسكرية للجيش الامريكي حيث يعتقد ترامب انه ليس هناك ما يدعو إلي الاستمرار في نشر قوات أمريكية في الخارج. ووفقا للسيناريو، سيكون الجيش الامريكي المتمركز في ألمانيا منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية قد استكمل انسحابه بحلول عام 2019. وبانسحاب القوات الامريكية من أوروبا، سيُصبِح »الناتو» جثة هامدة حسبما تري »فورين بوليسي». ووفقا لتفاصيل السيناريو الكارثي، ستفي مارين لوبن فور فوزها بالإليزيه- بدعم من قرض قدمه الكرملين لحزب الجبهة الوطنية الفرنسي قيمته 11 مليون دولار لمساعدة لوبن- بتعهدها بإجراء استفتاء حول انسحاب فرنسا من الاتحاد الاوروبي. وسرعان ما ستتحول كراهيتها نحو »الناتو» وتسحب بلاده منه. وسيؤدي انسحاب فرنسا من الاتحاد الاوروبي إلي ارتفاع البطالة بمعدلات غير مسبوقة، كما ان سياسات حكومة لوبن العنصرية ضد المسلمين الفرنسيين ستدفع إلي اعتناق أعداد أكبر من الشباب الفكر المتشدد مما يجعل فرنسا ملاذا للمتطرفين. تفكيك الاتحاد الأوروبي ويتوقع سيناريو الكارثة تزايد تمثيل الأحزاب المناهضة للاتحاد الأوروبي في انتخابات البرلمان الاوروبي التي ستجري عام 2019 وقد يصل إلي وجود ما يقرب من نصف الأعضاء من الأحزاب الداعية إلي حل الاتحاد الاوروبي. وسوف يستضيف ترامب فور فوزه علي منافسته مرشحة الحزب الديمقراطي »اليزابيث وارين» في انتخابات الرئاسة عام 2020، مؤتمرا في البيت الابيض لقادة أوروبا القوميين حيث سيقدم لهم دعم إدارته لفكرة تفكيك الاتحاد الاوربي بصورة تدريجية. حينذاك سيكون اقتصاد بريطانيا تصدع بعد خروجها من الاتحاد الاوروبي عندما يستكمل »البريكست» عام 2019. وسيشتعل لهيب الانفصال، عقب نجاح حملة استقلال إسكتلندا عن بريطانيا؛ وسيكون قد تم التصويت اخيراً في اقليم كتالونيا لصالح الانفصال عن اسبانيا ويكون اقليم »فينيتو» قد انفصل عن ايطاليا، في حين يشق التيار اليميني الشعبوي طريقه في أوروبا الشمالية. وفي رد فعل غاضب ضد سنوات من تدفق المهاجرين بدون قيود، يتمكن الحزب الديمقراطي بالسويد وهو أحد الأحزاب القومية الذي له جذور بين النازيين الجدد تشكيل الحكومة في 2019 بعد رفض كافة الأحزاب الدخول في ائتلاف معه. في الوقت ذاته تصل حكومات قومية يمينية إلي السلطة في هولندا والنرويج وفنلندا. وفي اليونان، سيضع الإطاحة برئيس الوزراء اليكس تسيبراس من قٍبل الجناح الراديكالي لحزبه »سيريزا» حدا للمفاوضات بين اثينا والدول الدائنة مما يمهد الطريق امام خروج اليونان من منطقة اليورو. وفي الوقت الذي يسير انهيار الاتحاد الاوروبي في مجراه، يتولي الفاشيون الحُكم في المجر حيث يفي رئيس الوزراء »فيكتور اوربان» بوعده الذي قطعه عام 2014 بجعل المجر دولة غير ليبرالية بعد انتخابات 2018 وتكون المجر الدولة الثالثة بعد بريطانياوفرنسا التي تنسحب من الاتحاد الاوروبي و»الناتو». وسرعان ما يعلن اوربان بعد تلقيه اتصالا هاتفيا من ترامب للتهنئة علي الانفصال، دخوله في اتحاد اوروبي جديد وهو الاتحاد الأور-آسيوي الاقتصادي بقيادة موسكو. حتي قبل أن يصبح ترامب رئيسا، دعت كثير من الأصوات في القارة الأوروبية في ضوء استمرار الركود الاقتصادي ومصاعب استيعاب المهاجرين وزيادة حدة التوتر مع روسيا إلي وضع نهاية تدريجية لتجربة الوحدة الأوروبية برمتها. وأخذ البعض ينفض التراب عن معاهدة الأمن الاوروبي وهي مبادرة طرحها عام 2009 الرئيس الروسي حينذاك ديمتري مدفيديف الذي اقترح استبدال حلف »الناتو» بنظام أمني يمتد من فانكوفر في كندا إلي فلاديفوستوك في روسيا. تقول المجلة الأمريكية ان كثيرا من الأوروبيين يتسائلون الآن: هل كان من الممكن تفادي معضلة اليوم اذا كان قد تم قبول عرض موسكو حينما كانت هناك فرصة؟.. كيف يمكن ان يشكو الأمريكيون من احتلال روسيا لشبه جزيرة القرم وإعادة احتلال استونيا في الوقت الذي تقف فيه واشنطن مسئولة عن كثير من المآسي والمعاناة التي حدثت في فيتنام والعراق وليبيا وغيرها؟!. • أشرف زيدان