لا يختلف اثنان- مهما باعدت بينهما الرؤي والانتماءات- علي أن امتداد سنوات الحكم للأنظمة الشمولية المستبدة يخلق المناخ الذي تتولد فيه الأخطاء والجرائم التي تدفع الشعوب ثمنها غاليا وباهظا وفادحا. وتطبيق هذه القاعدة علي بعض الأنظمة التي ابتلينا بها في أمتنا العربية أمر سهل وميسور. ولعلني أبدأ اليوم بحالتنا نحن حيث جثم النظام السابق فوق صدورنا علي مدي ثلاثة عقود »03 سنة!!«، وقد يري البعض - ولهم الحق- أن النظام السابق ارتكب جريمة كبيرة بتشوية الدستور بالمواد التي قام ترزية القوانين بوضعها وتفصيلها من أجل الحكم مدي الحياة »ولآخر نفس!!« ومن أجل تحقيق التوريث للابن العزيز!، وقد يري البعض- ولهم الحق- أن النظام السابق ارتكب جريمة كبيرة بتزوير الانتخابات علنا وبمنتهي الاستهانة بالمواطنين، ومن ثم فقد مجلس الشعب ومجلس الشوري دورهما الرقابي والتشريعي، حيث تفرغت أغلبية النواب »ممثلو الحزب« في التصفيق والتهليل والاستجابة فورا لأول إيماءة من فتحي سرور فترتفع الأيدي، وقبل حصر الأصوات، يعلن »موافقة!!« علي أي قرار أو قانون مهما كان يتعارض مع مصالح المواطنين. وقد يري البعض - ولهم الحق- أن النظام السابق ارتكب جريمة كبيرة بممارسة الفساد علنا وعلي رءوس الأشهاد سواء من خلال الخصخصة- إياها وبيع الشركات والمؤسسات برخص التراب ولمن يدفع أكثر فقط للقائمين علي البيع، أو بتخصيص مئات الأفدنة وملايين الأمتار من الأرض المنهوبة للأهل والأصدقاء والمحاسيب.. وقد يري البعض- ولهم الحق- أن النظام السابق ارتكب جريمة كبيرة بعقد التزاوج بين السلطة والثروة لكي يتفشي الفساد أكثر وأكثر!.. وقد يري البعض- ولهم الحق- أن جريمة أخري انضمت لمسلسل الجرائم وتتمثل في انتشار »الواسطة« و»الرشاوي« ومن ثم اختفي مبدأ تكافؤ الفرص، وقد يري البعض أن النظام السابق ارتكب جريمة مهولة بانهيار التعليم حتي خرجنا حساري من تصنيف الجامعات المحترمة، لنقبع في ذيل الجامعات الضعيفة المتخلفة، وقد يري البعض- ولهم الحق- أن النظام الشمولي ارتكب جريمة ملعونة بإدخال المبيدات المسرطنة، والمواد الغذائية منتهية الصلاحية حتي انتشرت الأمراض والأوبئة.. وقد يري البعض- ولهم الحق- أن ما تعرض له القضاء من تدخل السلطة في قضايا مشهورة لصالح من ينتمون إليها، جريمة نكراء، لأن الأوامر والتعليمات إياها »كما في قضية العبارة مثلا« أساءت لصورة القضاء.. تلك بعض الجرائم التي نشأت وترعرعت في ظل النظام الشمولي، وإن سألتني- عزيزي القارئ- عن أخطر هذه الجرائم، فإنني سأقول لك فورا وبلا تردد إن الجريمة الأخيرة المتعلقة بما أصاب الشخصية المصرية هي »أم الجرائم«.. التي أرجو وأسأل الله أن تتراجع أو تتقلص آثارها مع إطلالة النظام الديمقراطي«.