رغم الفساد الذي غطي الرءوس. الفساد الذي غاصت فيه مصر، وطفت علي بحيرة شاسعة من الفساد السياسي والاقتصادي والاجتماعي، فساد طال كل شيء، سرقات أصول الدولة المتواجد منها في باطن الأرض، وما فوقها بل والأرض نفسها، وما عليها من البشر!.. سرقوا مستقبل الإنسان المصري، بعد ان دمروا حاضره وطمسوا حتي ماضيه المشرف! ما حدث كان عمليات تجريف منظمة بمعدلات أداء خرافية، سجلت أرقاما قياسية في فترة زمنية قصيرة من نهاية حقبة زمنية امتدت لأكثر من ثلاثين عاما هي عمر هذا النظام الذي لم يلفظ انفاسه الأخيرة! تلك كانت أهم انجازات النظام السابق، لكن الأخطر من ذلك هو إفساد وتدمير الشخصية المصرية لقد أصاب النظام الإنسان المصري في مقتل ودمره تدميرا، بعد ان قام بتوزيع الأمراض الخطيرة بالتساوي بين جميع الأسر المصرية المستور منها والأشد فقرا، فالأسرة التي لم يصب احد أفرادها بالسرطان بأنواعه، لن يحرم أفرادها من أمراض الكبد أو الفشل الكلوي. ومن لم يصب باحد هذه الأمراض، كان له نصيب في الاصابة بإحدي الجلطات أو احد الأمراض المزمنة أو أكثر ومنها أمراض السكر والضغط والقلب وقانا الله منها جميعا، كما شفي منها رموز النظام بعلاجهم علي نفقة الدولة، لأن المليارات التي جمعوها لم تكن تكفي ولوجودها في البورصة والشركات والبنوك العالمية، خاصة ان بعض الأرقام السرية غابت عن ذاكرتهم، »هما حيفتكروا ايه ولا ايه«.. متعهم الله بالصحة والعافية وعافانا نحن المصريين جميعا.. يا رب. هذه هي الخسارة في الأمراض الجسمانية، اما أمراض النفس فحدث ولا حرج، لان النظام لم يكن يستطيع ان يستمر ويثبت أركان دولة الظلم إلا من خلال توزيع الرشاوي هنا وهناك والتحايل علي قواعد ولوائح وقوانين الإدارة بالتوسع في بند المكافآت والحوافز التي فاقت باضعاف مضاعفة المرتبات وأصبحت هذه المكافآت التي تفوق كل منطق، مقررة بالقانون علي طريقة »كله بالحلال يا معلم« هذا الإجراء اصاب نفوس من ذاق حلاوة هذه الرشاوي بالفساد والانانية، بينما اصاب الاغلبية بالحزن وربما الحقد وهم يرون ومعهم كل الحق المنح تعطي مجانيا! كل شيء ينصلح ويعالج، اما استعادة الشخصية المصرية واعادتها إلي سيرتها الأولي فهذا هو الأخطر علي الإطلاق لان العلاج يحتاج إلي معجزة لكنها ممكنة، ولم لا فان نجاح ثورة 52 يناير كان معجزة قد تحققت بفعل الشباب الذي قام بالثورة وخيب كل التوقعات اليائسة التي راهنت علي ان الشعب المصري أصبح جثة هامدة بفعل النظام السابق! تدمير الشخصية المصرية بسبب ما حدث من خلل اجتماعي والفساد السياسي واهدار للحقوق والحريات التي كفلها حتي الدستور المعطل أو المتوفي! لقد هيمن النظام -الذي كان يدعي الديمقراطية- علي السلطة وسعي الي اضعاف كل القوي السياسية والأحزاب المنافسة له، بتقييد حريتها في التعبير، واعتقال أصحاب الرأي المخالف للنظام واسناده الوظائف القيادية بالحكومة والحزب إلي ذوي النفوذ والمقربين منه وأصحاب رءوس الأموال لضمان السيطرة علي مجريات الأمور، واتباع سياسة التكويش علي المناصب في الحكومة والبرلمان والحزب! لقد اهدر النظام مبدأ المساواة وتكافؤ الفرص بين أبناء الشعب والاعتماد علي الوساطة والمحسوبية والفساد في التعيين في الوظائف الحكومية والقضاء والسلك الدبلوماسي والبنوك وشغل المناصب العامة لأهل الثقة بديلا لأهل الخبرة من أبناء الشعب المغلوب علي أمره، وهو ما أدي إلي حالة الاحتقان والانتهازية والسلبية والحقد والتسيب واللا مبالاة واتخاذ الوساطة والمحسوبية والرشوة بجميع أنواعها المادي والجنسي والمعنوي معيارا لتوزيع أراضي الدولة للبناء عليها بدلا من استزراعها دون اعمال أي قواعد للشفافية والعدالة، حتي حق العلاج علي نفقة الدولة، خاصة العلاج في الخارج كان للقادرين فقط علي العلاج علي نفقتهم الخاصة من كبار القوم! ممارسات النظام كانت احد نتائجها السيئة تكريس البلطجة وجعلها أسلوب حياة، بعد ان امتنع النظام عن تطبيق العديد من الاحكام القضائية، وتنفيذ الاحكام الخاصة بالانتخابات البرلمانية وتوافق سياسات الحزب الحاكم السابق مع سياسات حكومته وتزوير الانتخابات التي أسفرت عن مجلس شعب غير شرعي، وتمثل ايمان النظام وحزبه بالبلطجة فيما حدث في معركة »الجمل والحصان« والتي تأكد فيها ان النظام كان يتشدق بدولة المؤسسات شكلا ويؤمن بدولة المليشيات موضوعا وحقيقة! الطامة الكبري من مساوئ النظام الذي أفسد كل شيء، لكن أغلي ما أفسده كان الشخصية المصرية.. كل هذه التشوهات التي اصابت الشخصية المصرية التي تحتاج إلي سنوات حتي تعود إلي سيرتها الأولي، شخصية ايجابية معطاءة تؤثر الغير علي نفسها كريمة، متزنة بعيدة عن العنف تؤمن بالحوار وحب الجوار، الحفاظ علي المصالح العليا للوطن. كل هذه الصفات لدي قناعة انها موجودة بداخل كل مواطن مصري وفي جيناته، فقط تريد من يساعدها علي الظهور مرة اخري، ولو ان هذه الصفات الرائعة قد تجلت وظهرت مع ثورة 52 يناير وكانت بشائرها قد ظهرت وسط الاحتجاجات والاضرابات والاعتصامات الكثيرة للمطالبة بالحقوق المهدرة للملايين من أبناء الشعب المقهورين والمظلومين. ظهرت هذه الصفات في شكل دعوة لجمع التبرعات لدفع وتشجيع الاقتصاد المصري الذي مُني بخسائر ضخمة جدا نتيجة التوقف عن العمل والانتاج وإغلاق المصارف والبنوك والشركات وانحسار السياحة القادمة لمصر بسبب أحداث الثورة، وحالة الانفلات الأمني من أعضاء الثورة المضادة! ولنا وقفة.. رغم كل المعاناة والشعور بالظلم والاضطهاد والحرمان من عدم تكافؤ الفرص والمساواة والحقوق الضائعة للمواطنين لكن عندما يشعر الشعب ان هناك تغييرا للافضل، ويشعر المواطن ان البلد بلده فانه يحرم نفسه من كل شيء ويتبرع تلبية للدعوة التي خرجت من بعض المواطنين، دعوة للتبرع لانقاذ اقتصاد مصر! وليس المهم قيمة التبرع فكل يجود بما لديه وحسب قدرته! وقيل ان نتبرع مهما كانت قيمة التبرعات فلن تصل بحال من الأحوال إلي واحد من مليار من المليارات الكثيرة من الجنيهات والدولارات واليوروهات والذهب أو ملايين الامتار وآلاف الأفدنة التي سرقها الفاسدون من رموز النظام السابق.. فقط نريد استعادة هذه الأموال المسروقة المنهوبة من الشعب الطيب وان يحاكم اللصوص وناهبو المال العام، وارجو ان نبدأ في إجراءات استعادة هذه الأموال بأقصي سرعة، لان بهذه الأموال نستطيع ان نسدد منها ديون مصر وان نقيم مشروعات توفر الملايين من فرص العمل للشباب من أبناء مصر، لنقضي علي البطالة ونوفر الخدمات وندفع بالاقتصاد ونرفع مستوي المعيشة للشعب المصري. أرجو ان نسرع في استعادة هذه الأموال المنهوبة بأقصي سرعة قبل ان ينفقها الفاسدون في الكلام الفارغ، وتصبح دينا يستحق السداد أو السجن، ويخرج علينا أفراد من أبناء الشعب المصري »الطيب« مطالبين بحملة لجمع التبرعات لسداد ديون الفاسدين!