قض شوقي لأمي مضجعي طوال الليل فقررت مع انبلاج الصبح وطلوع الشمس أن أستقل إحدي العربات الأجرة العابرة بين المحافظات وأذهب لأري الغالية. تحرك السائق عندما أتم عدد ركابه. وما أن قال ياهادي حتي وجدنا شخصا بصوت جهوري يطلب منا أن نردد معه دعاء السفر أتبعه بتذكيرنا بدوام الاستغفار وذكر الله آناء الليل وأطراف النهار ظننا أنه سيتركنا نطبق ما ذكرنا به عمليًا فإذا به يفتتح خطبته في فضل صلاة الجمعة والذهاب إلي المساجد مبكرًا وأخذ يطنب ويسترسل في سرد الأدلة النقلية مع تماوج في صوته بين العالي والأعلي وكأنه اتخذ من كرسيه منبرًا.. في خلفية المشهد كانت تتلي آيات من الذكر الحكيم عبر أثير إذاعة القرآن الكريم وعندما صدح القارئ بصوته العذب ظن أخونا انه حجب عنا صوته وسيرحمنا منه فقطع خطبته وطلب من السائق أن يخفض صوت الراديو فرد عليه السائق»اسمع القرآن أحسن يا شيخ» وذكره آخر بقوله تعالي »وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ».. لم يأبه بما سمعه منهما وأصر أن يكمل خطبته استبشرنا خيرًا عندما دخل في مرحلة الدعاء علي الكافرين واليهود إيذانا بأنه أوشك علي الانتهاء أو أننا علي مشارف الانفجار وفجأة ساد صمت وهدوء اللهم إلا ما تبقي من صوت غطيطه، يبدو أنه أدرك أخيرًا أن اليوم هو الخميس. ما أشبه خطيب الخميس بخطيب الجمعة الاثنان خطبتهما واحدة مكررة ومعتادة أسلوبًا وأفكارًا لا تسمن ولا تغني من جوع لا توقظ ضميرًا أو تحيي قلبًا لا تنبه غافلًا أو تنذر لاهيًا لا يجني متلقوها سوي الملل والرتابة لا جديد فيهما سوي أن إحداهما في السيارة والأخري في المسجد. يا سادة الدعوة إلي الله فن لا يجيده إلا الصادقون والتمكن من سبلها موهبة يجب ألا يقوم بها إلا من أوتي مكامنها وملك مفاتحها.