كنت من الذين يرفضون نظرية المؤامرة في كل أزمة تقع فيها البلاد.. معتقدا ان الشعب المصري قادر علي تخطي أي محنة بما يمتلك من مقومات القوة والصلابة والوطنية.. لكنني اعترف اليوم ان ما يحدث علي أرض مصر لا يمكن ان يكون بأيدي هذا الشعب العظيم.. تلك الأيدي الطاهرة التي أخرجت الاحتلال الانجليزي.. وأممت قناة السويس.. وحافظت علي هويتها العربية.. وأقامت مشروع السد العالي العملاق.. وأعادت الحقوق للعامل والفلاح.. ودافعت عن الأرض والعرض في 3791.. وتمردت علي كل فاسد وطاغية.. وغيرها من الانجازات الوطنية العظيمة حتي قامت ثورة 52 يناير تتوج هذا الشعب بتاج القدرة الدائمة علي العطاء والعمل. لا أصدق ولا يجوز ان أصدق ان يكون هذا الشعب المعطاء هو الذي يحرض علي توقف عجلة الانتاج لتخسر مصر هذه الخسائر الطائلة.. أو توقف وتعثر عمل البورصة والبنوك لينحدر اقتصاد مصر.. وفشل خطط التنمية.. أو هو الذي يغذي هذا الانفلات الأمني الذي طال بلا مبرر.. أو هو الذي يشعل الفتنة بين طرفي الأمة بعد ان شاهدنا كلا منهما يحرس الآخر في عبادته بميدان التحرير.. أو هو الذي يثير الشائعات المحبطة أو يشغل الناس بأخبار الفاسدين وحرق مستندات أمن الدولة برغم مثول هذا كله أمام تحقيقات نزيهة يومية.. أو الاصرار علي المطالب الفئوية بأشكالها المختلفة وازاحة كل القيادات حتي لو كانوا شرفاء في أدائهم. وهكذا.. أصبحنا كل يوم مهمومين بآخر الأنباء المفزعة التي تربك حياتنا وتصرفنا عن مواصلة العمل والتفكير.. وتدخلنا إلي دائرة الحيرة والقلق وربما اليأس والاحباط. ومن ثم فقد أعدت تفكيري مرة اخري فيما كنت أعتقده من رفضي لنظرية المؤامرة.. لأجدني أصل الخيوط بعضها بعضا وأكتشف ان أيدي قذرة ملوثة غير وطنية هي التي تعبث بمقدراتنا.. ولم يأت ذلك الاعتقاد من فراغ لكن التأمل الأولي في المقدمات والظواهر تؤكد هذه النتيجة. ومن ذلك علي سبيل المثال ان العهد البائد ظل طوال سنواته الثلاثين يقص أجنحة الشعب يوما عن يوم.. ويمهد له طريق الأمية علي مصراعيه.. وتقوم وسائل الإعلام بتغذية هذا الجهل بأساليب كثيرة.. فهمشت الثقافة وانحدر التعليم.. وتخلف الفكر.. وزيفت الانجازات.. ومنحنا الغرب أوراقنا حتي تحكم في أقدرانا.. ووثقنا روابطنا بعدونا الصهيوني تحت شعار »قبول الآخر« وسيطر المال والفساد علي خطابنا السياسي. ولم تستطع ثورة يناير علي طهارتها التخلص من ذلك كله بين يوم وليلة.. ولا يمكن لأي ثورة مهما كانت قدرتها ان تفعل ذلك.. ومن ثم فان الأيدي القذرة الخفية باذنابها وألاعيبها وقدرتها علي التغلغل والتلون والمراوغة والمساومة.. استطاعت ان تعبث وتلعب علي أوتار الأمية والجهالة والبطالة والفقر والمرض.. وكل ما يعانيه الشعب الطيب. وأحسب ان خيوط هذه المؤامرة قد اتضحت.. وأتمني ان نكون قد أدركنا أبعادها خارجيا وداخليا.. فالفساد وذيوله ورجاله بالداخل مازالوا يعبثون واسرائيل والموساد والغرب الذين لا يتمنون لمصر ان تكون دولة عظمي في الشرق الأوسط يجتهدون في اجهاض كل انجاز عظيم لهذه الثورة.