ماذا بعد »نعم« أو »لا«؟! البرلمانية أولا.. أمر حتمي إذا وافق الشعب علي التعديلات الدستور أولا.. مطلب ضروري إذا رفضها الشعب هل يتسلم الرئيس المنتخب الحكم من المجلس الأعلي يوم 52 يناير 2102؟! مساء اليوم علي الأرجح، تعلن نتائج الاستفتاء علي التعديلات الدستورية. في الحالتين، سواء قالت غالبية الشعب: »نعم« أو »لا«، سوف يصدر عن المجلس الأعلي للقوات المسلحة إعلان دستوري، يتضمن مباديء عامة، ويرسم خطوات العملية السياسية لتسليم الحكم، ويحدد صلاحيات مؤسسات الدولة، لحين وضع دستور جديد للبلاد. في الحالتين سوف يسقط دستور عام 1791. فقد أحالته ثورة يناير إلي ذمة التاريخ، وشيعه الجيش إلي مثواه الأخير.
الإعلان الدستوري المنتظر، هو بمثابة دستور مؤقت ملخص لحين إقرار دستور عام 2102. لن يصدر هذا الإعلان علي الفور. ربما يصدر بعد أسبوع إذا قيل: نعم للتعديلات، وغالبا بعد أسبوعين إذا قيل: لا. المجلس الأعلي للقوات المسلحة ناقش في اجتماعاته الأخيرة أمر الإعلان الدستوري المقترح. كانت أمام المجلس بدائل عدة تتعامل مع حالتي الموافقة علي التعديلات أو رفضها. لكنه لم يشأ أن يخلص إلي حل نهائي حتي يستنير بآراء المتخصصين. أيا كانت نتيجة الاستفتاء، سوف يلتقي أعضاء المجلس مع أصحاب الفكر والرأي والاختصاص، للنقاش في الإطار العام وفي التفاصيل، ليصدر الإعلان الدستوري بدون ثغرات وبغير مآخذ. وأيا كانت نتيجة الاستفتاء، سوف تسير العملية السياسية نحو هدفها الذي تعهد به الجيش للشعب، وهو تسليم الحكم إلي سلطة مدنية منتخبة. أغلب الظن أن محطات تحقيق هذا الهدف، وأعني بها الانتخابات البرلمانية والانتخابات الرئاسية وإقرار الدستور الجديد، لن يختلف زمن بلوغها، بين موافقة الشعب أو رفضه للتعديلات الدستورية التي تتضمن تعديل 7 مواد وإلغاء مادة واستحداث مادتين. لكن هل يتغير ترتيب هذه المحطات بين »نعم« و»لا«؟! 1 إذا تمت الموافقة علي التعديلات لابد أن تجري أولا انتخابات مجلس الشعب، ثم انتخابات مجلس الشوري، ليعقد الأعضاء غير المعينين بالمجلسين اجتماعا مشتركا وفقا لنص المادة »981« المعدلة والمادة »981 مكررا« المستحدثة، من أجل انتخاب أعضاء الجمعية التأسيسية وقوامها مائة عضو، والمنوط بها إعداد مشروع الدستور الجديد خلال ستة أشهر. وفي غضون هذه الشهور الستة، تجري الانتخابات الرئاسية، بحيث ينتخب الرئيس الجديد، ويؤدي اليمين أمام اجتماع مشترك لمجلسي البرلمان، ثم يقوم خلال 51 يوما من انجاز الجمعية العمومية لمهمتها بعرض مشروع الدستور الجديد علي الشعب للاستفتاء عليه. وليس من الملاءمة الدستورية - إذا تمت الموافقة علي التعديلات - ان تجري الانتخابات الرئاسية قبل البرلمانية إذ تنص المادة »67« الجديدة علي انه »يلزم لقبول الترشيح لرئاسة الجمهورية، أن يؤيد المتقدم ثلاثون عضوا علي الأقل من الأعضاء المنتخبين بمجلسي الشعب والشوري، أو أن يحصل المرشح علي تأييد ما لا يقل عن ثلاثين ألف مواطن ممن لهم حق الانتخاب في 51 محافظة علي الأقل«. ولو كان القصد من التعديل هو اجراء الانتخابات الرئاسية قبل البرلمانية، ما نص التعديل الجديد للمادة »67« علي شرط الحصول علي تأييد ثلاثين من أعضاء مجلسي البرلمان، ولاكتفي بنصاب التأييد الشعبي، انتظارا لما سينص عليه الدستور الجديد في هذا الشأن. ثم إن اجراء الانتخابات الرئاسية أولا، في ظل تعديل المادة »67« يحرم الأحزاب من التقدم بمرشحين باسمها، لأن التعديل يشترط أن يكون لأي منها عضو منتخب علي الأقل بأحد مجلسي البرلمان في آخر انتخابات، وهذا يعني انه علي مرشحي الأحزاب أن يخوضوا الانتخابات الرئاسية كمستقلين، شريطة حصولهم علي نصاب التأييد الشعبي، اللهم إلا إذا تم الرجوع إلي تمثيل الأحزاب في مجلسي الشعب والشوري المنحلين، وحينئذ ستتحول العملية السياسية إلي أضحوكة، إذا تم الاعتداد بتمثيل حزبي في برلمان منحل غير شرعي كانت نتائجه فاضحة التزوير أحد الأسباب المباشرة لقيام ثورة 52 يناير!
بحسبة بسيطة نستطيع أن نقول في حالة موافقة الشعب علي التعديلات الدستورية، ان العملية السياسية لنقل الحكم من المجلس الأعلي للقوات المسلحة إلي السلطة المدنية المنتخبة بفرعيها، وهما البرلمان ورئيس الجمهورية لن تستغرق أكثر من 11 شهرا من الآن. وكما أُذيع علي لسان أحد كبار أعضاء المجلس الأعلي للقوات المسلحة، سوف تجري انتخابات مجلس الشعب في سبتمبر المقبل. ويري أنصار إرجاء انتخابات مجلس الشعب من موعدها المتوقع والسابق اعلانه وهو مطلع يونيو المقبل، إلي شهر سبتمبر، ان مدة الشهور الستة التي تفصلنا عن موعد هذه الانتخابات، كافية للتغلب علي أمرين كانا يشكلان هاجساً لدي المواطنين والنخبة السياسية. الأمر الأول هو الهاجس الأمني، فالتأني في اجراء انتخابات مجلس الشعب لمدة 6 شهور قادمة وفقا لوجهة النظر هذه يتيح للشرطة استعادة قواها أو معظمها، ويسمح بالقبض علي الجانب الأكبر من السجناء الخطرين الهاربين وجمع قطع السلاح التي سرقت من أقسام الشرطة في يومي الفراغ الأمني، لتتولي الشرطة بمعاونة القوات المسلحة مهمة تأمين سير العملية الانتخابية ومجابهة عصابات البلطجة وترويع المواطنين. أما الهاجس الثاني، فهو ذو صبغة سياسية، إذ تخشي الأحزاب والقطاعات الرئيسية من الجماهير ومن الشباب المصري مفجر ثورة يناير ومحركها، أن تجري انتخابات مجلس الشعب بتعجل في ظل أجواء ملتبسة ومنافسات غير عادلة، ومن ثم يتم اختطاف الثورة والسلطة والبلاد، علي يد القوي الأكثر تنظيما واستعدادا للانتخابات، وأقصد بها جماعة الاخوان المسلمين والسلفيين وأصحاب المال من رموز الحزب الوطني المتلونين. ويذهب أنصار اجراء الانتخابات البرلمانية في سبتمبر، أن مدة الشهور الستة التي تفصلنا عن هذا التاريخ، تضمن إلي حد كبير القضاء علي هذا الهاجس، من زاوية أنها تعطي للأحزاب السياسية التقليدية الفرصة لالتقاط أنفاسها وجمع شتاتها وإعادة تنظيم قواعدها وتهيئة كوادرها لخوض الانتخابات، وفي ذات الوقت تتيح هذه المدة لشباب الثورة وقواها الحية زمنا لا بأس به للتعبير عن نفسها في صورة أحزاب، والاتصال بالجماهير في الدوائر الانتخابية، لاسيما بعد صدور مرسوم خلال أسابيع يسمح بانشاء الأحزاب بمجرد الإخطار. إذا اجريت انتخابات مجلس الشعب في سبتمبر، كما هو معلن »في حالة موافقة الشعب علي التعديلات«، يصعب اجراء انتخابات مجلس الشوري قبل شهر نوفمبر. إذن سوف ينعقد الاجتماع المشترك لمجلسي البرلمان علي الأرجح في النصف الثاني من شهر نوفمبر، لانتخاب المائة أعضاء الجمعية التأسيسية التي ستكلف بوضع الدستور الجديد خلال ستة أشهر تنتهي في شهر مايو المقبل. وفي أثناء مدة الشهور الستة، ما بين نوفمبر 1102 ومايو 2102، سوف تجري انتخابات الرئاسة، وربما يتم اختيار الرئيس الجديد في أحد أيام النصف الثاني من شهر يناير، ليؤدي اليمين يوم 52 من نفس الشهر، أي في ذكري مرور عام علي الثورة. وإذا شاءت الظروف أن تتأخر الانتخابات الرئاسية إلي شهر فبراير، لا أظن أن أداء الرئيس المنتخب لليمين الدستورية سيتأخر عن يوم 11 فبراير، ليتسلم الحكم من المجلس الأعلي للقوات المسلحة وتنتهي بذلك مهمة المجلس المؤقتة في إدارة شئون البلاد بعد عام واحد بالضبط من قيام الجيش بتنحية الرئيس السابق عن السلطة. 2 لكن ماذا لو قال الشعب: لا.. للتعديلات؟! كما أسلفت سوف يصدر أيضا إعلان دستوري في غضون أقل من اسبوعين علي إذاعة نتيجة الاستفتاء، لعله أكثر تفصيلا من الإعلان الدستوري المقرر اصداره في حالة موافقة الشعب علي التعديلات. وهناك شريحة واسعة من المواطنين وأنا واحد منهم تدعو في حالة رفض التعديلات إلي اصدار دستور جديد قبل المضي في الخطوات الأخري للعملية السياسية وهي الانتخابات البرلمانية والانتخابات الرئاسية، علي أن يتولي المجلس الأعلي للقوات المسلحة مهمة اختيار أعضاء الجمعية التأسيسية التي ستكلف بإعداد الدستور الجديد. وأستطيع الزعم بأن غالبية المواطنين علي ثقة كاملة بأن المجلس الأعلي للقوات المسلحة، سيكون أكثر حرصا علي حُسن تمثيل الأمة في عضوية الجمعية التأسيسية، من برلمان قد ينتخب في ظروف لا تهييء له أن يكون معبراً تعبيراً دقيقاً وسليماً عن الشعب، فيختار أعضاء الجمعية علي أسس تقوم علي التفضيل والاقصاء. وفي اعتقادي ان وضع الدستور الجديد بمعرفة جمعية تأسيسية يختارها المجلس الأعلي، وعرضه للاستفتاء الشعبي، لن يستغرق أكثر من سبعة شهور من الآن، وربما أقل كما يقول بعض الفقهاء الدستوريين. أي انه يمكن البدء في الخطوتين التاليتين للعملية السياسية في موعد لا يتجاوز أكتوبر المقبل.
ولا استطيع أن اخفي ميلي، بل اقتناعي الكامل بأفضلية اجراء الانتخابات الرئاسية قبل البرلمانية، بعد اصدار الدستور الجديد وفقا للسيناريو السالف وأسبابي في ذلك واضحة وسبق لي شرحها في الأسبوع الماضي، وأهمها هو تجنب تمديد الفترة الانتقالية للمجلس الأعلي للقوات المسلحة أكثر مما هو ضروري ولازم، وتجنيب قوات الجيش البقاء في ميادين العاصمة ومدن المحافظات أطول مما هو مطلوب، ذلك انه ينبغي لهذه الوحدات والتشكيلات القتالية أن تستأنف تدريباتها علي مهمتها الرئيسية، وأن تعود إلي مواقعها مع التشكيلات القتالية الأخري، للدفاع عن حدود وأمن البلاد ضد التهديدات الخارجية. غير أن هناك رأيا له وجاهته، يخشي من ان تسليم السلطة إلي رئيس الجمهورية في غياب برلمان يحاسب ويراقب معناه وجود رئيس للدولة مطلق اليد في الحكم ولو لشهور معدودة، يستطيع خلالها تحت إغواء السلطة أن يصدر ما يشاء من قرارات بالتعيين أو العزل، أو اتخاذ اجراءات تصفوية دون معقب أو مراجع. وحتي لا نقع في مستنقع التجربة والخطأ، الذي انزلقنا إليه في أيام ثورة يوليو، لا أري بأسا من اجراء الانتخابات البرلمانية قبل الرئاسية، إذا قال الشعب: لا للتعديلات، شريطة أن تتم اجراءات إصدار الدستور الجديد أولا ليتم علي أساسه انتخاب أعضاء مجلسي الشعب والشوري في الخريف المقبل، ومن بعدهم رئيس الجمهورية في مطلع العام المقبل. وفي هذه الحالة.. ربما تنتهي الفترة الانتقالية للمجلس الأعلي للقوات المسلحة التي بدأت يوم 11 فبراير 1102، قبل حلول منتصف شهر فبراير 2102. أي انها لن تتجاوز 21 شهرا.
أيا كان رأي الشعب في التعديلات، ينبغي لنا أن ندرك أن أي تأخير في اتمام خطوات العملية السياسية، عما هو مفترض ومأمول في غضون عام علي الأكثر من بدء الفترة الانتقالية، لن يكون في مصلحة الانتقال السلمي للسلطة، ولا في مصلحة الاقتصاد والتنمية، والأهم انه ليس في صالح الجيش ولا الثورة ولا الشعب.