لا أعرف لماذا يتهم العقيد معمر القذافي »الأشقاء« العرب و»الأصدقاء« الغربيين، بالتنكر لأفضاله عليهم؟! في خطابه الأخير أمس الأول صال القذافي وجال في تجريح كل هؤلاء من رؤساء دول وحكومات ولم يكتف باتهامهم بخيانته لمن كان يعتبرهم »أصدقاء«، وإنما أسرف في تهديداته لهم ولشعوبهم ما لم تسارع بإقالتهم من مناصبهم! أعتقد أن القذافي ظلم »الأشقاء« و»الأصدقاء«، ولم يكشف عن دليل واحد أو واقعة صحيحة ضد من اتهمهم بالخيانة والتآمر عليه وعلي الشعب الليبي الذي »يحبه« و»يتمسك به« وحمل السلاح ضد المتمردين الشياطين الذين اندسوا بينهم. ولأن المتهم يظل بريئاً حتي تثبت إدانته، فقد أدهشنا القذافي عندما وصم الغرب خاصة بريطانيا وفرنسا بالخيانة والتآمر عليه وعلي بلاده. فلا الدول الغربية بصفة عامة ولا فرنسا وبريطانيا بصفة خاصة أعلنت الحرب عليه، ولم نسمع عن رصاصة واحدة أرسلتها إلي الثوار الليبيين للدفاع عن أنفسهم في مواجهة القاذفات والدبابات التي أرسلها القذافي لإبادتهم من موقع إلي آخر! حقيقة أن الرأي العام العالمي وليس في الغرب وحده ندد بوحشية القذافي ومرتزقته، وطالب حكوماته بالتدخل لمنع هذه المذابح بكل الوسائل، لكن حقيقة أيضاً أن تلك الحكومات اكتفت بكلمات التنديد، والمطالبة برحيل القذافي لكنها لم تفعل شيئاً لإجبار القذافي علي وقف مذابحه ومجازره ضد شعبه! رئيس فرنسا ساركوزي لم يخن صديقه الحميم الليبي. كل ما فعله أنه أراد إنقاذ شعبيته لدي الفرنسيين الرافضين تلك الصداقة أصلاً، فأطلق صيحات التنديد بالعنف في ليبيا، وطالب بتنحي القذافي الذي يعلم أنه لن يتنحي، ثم دعا إلي فرض حظر جوي علي ليبيا كأضعف الايمان لمنع استخدام الطائرات في قصف مواقع الثوار، وهو الاقتراح الذي وجد تأييداً من بريطانيا، ومعارضة من ألمانيا وغيرها من الدول الأعضاء في مجلس الأمن وفي حلف الأطلنطي! المبادرة الفرنسية/ البريطانية لا تزال متروكة للتمني. وصاحباها ساركوزي، وكاميرون لم يصدما في رفض ألمانيا وغيرها من الدول الحليفة، لأنهما كانا علي ثقة في أن مبادرتهما لن تري النور علي مستوي مجلس الأمن الدولي. فحتي لو وافق كل الحلفاء عليها، فإن ال»فيتو« الصيني والروسي سيجمدها ويحظر تنفيذها، وبالتالي فقد ظلم القذافي الرئيسين الفرنسي والبريطاني عندما اتهمهما، وأدانهما، بالخيانة العظمي لمجرد أنهما اقترحا الحظر الجوي مع علمهما المسبق والمؤكد باستحالة تنفيذه! وكما ظلم القذافي صديقيه الغربيين، ظلم أيضاً الأشقاء العرب لا لشيء إلاّ لأنهم بعد الهنا بسنة نددوا بالعنف ضد الشعب الليبي، ومع تكرار المجازر والمذابح اضطروا إلي دعوة مجلس الأمن لفرض حظر الطيران فوق ليبيا، رغم علمهم المسبق بالفيتو المتوقع من الصين وروسيا! إن المتهم بريء حتي تثبت إدانته قانوناً، وليس علي كلمات أطلقها وسرعان ما تبددت في الهواء.