بعد أيام من الآن وتحديدا بعد غد الخميس، يعود من جديد وفد الشرعية اليمنية من جهة، ووفد الحوثي وصالح إلي الكويت، برعاية من الأممالمتحدة لبدء جولة جديدة من المفاوضات بينهم، لتسوية الأزمة اليمنية المثارة منذ سبتمبر 2014، بعد انقلاب صالح والحوثي علي الشرعية، والاستيلاء علي المدن واقتحام العاصمة صنعاء، والتي تحولت إلي مواجهة عسكرية، بعد أن تدخل التحالف العربي الذي تقوده السعودية، لاستعادة الشرعية في مارس من العام الماضي، المخاوف تتزايد والآمال تتراجع، في إمكانية توصل الطرفين إلي حل، دون تحقيق أي إنجاز يذكر، رغم أن الجولة الأخيرة استمرت 70 يوما. البدايات اختلفت عن النتائج، فقد بدأت المباحثات بعد مماطلة وتسويف من وفد الحوثي وصالح، ولكن كما روج لذلك المبعوث الأممي الموريتاني اسماعيل ولد الشيخ، فإنهما جاءا إلي المفاوضات بعد موافقة علي أسس الحل، والمتمثل في تنفيذ القرار الصادر من مجلس الأمن 2216 بنقاطه الخمس، والتي تتضمن الانسحاب من المدن، وتسليم الأسلحة الثقيلة المنهوبة من مخازن القوات المسلحة، والإفراج عن الأسري والمحتجزين، وتسهيل الأمور الإنسانية والمساعدات، والبدء في عملية سياسية ذات طبيعة انتقالية، ومنذ اللحظة الأولي بدأت المماحكات وافتعال المشاكل والتسويف، وظهر أننا أمام محاولة استنساخ للمفاوضات الغربية مع إيران، حول الملف النووي والذي استمر لسنوات، خاصة وأنه لم يعد مجال للشك، في حقيقة وجود مستشارين إيرانيين لوفد صالح والحوثيين، يساعدهم في إدارة المفاوضات، فنحن أمام أساليب مبتكرة للمراوغة والمناورات وشراء الوقت والتعنت والخداع، والأخطر من ذلك عدم التزام الحوثي باتفاق الهدنة التي أشرفت عليه الأممالمتحدة، وسعي إلي استغلالها لإعادة تمركز قواته. وأصبح هدف الحوثي وصالح من المفاوضات « شرعنة الانقلاب «، بعد أن نجحت في فرض التعامل معها، والسماح لها بالجلوس علي مائدة التفاوض، كطرف في مواجهة الحكومة، بعد أن كانت جماعة مطاردة متمردة تعيش في كهوف صعدة، وكانت أحد أهم أساليب ذلك هو العمل علي خلط الأوراق باقتراح عدم الالتزام بتسلسل تنفيذ النقاط الخمس، وهي حيلة خبيثة، بعد أن طالبوا بالبدء في تنفيذ الخطوة الخامسة، الخاصة بالبحث في الترتيبات السياسية، قبل بقية النقاط التي تمثل التزامات واستحقاقات يجب الوفاء بها، مما يضمن لها دورا مؤثرا كطرف في أي حكومة توافق، في تنفيذ بقية البنود الأخري، هو يسعي إلي أن يكون شريكا في الحكم، وليس مكونا سياسيا من بين مكونات أخري عديدة في اليمن، وحتي عندما تم التوافق علي البحث في آليات تنفيذ البنود الخمسة بشكل متوازٍ وعبر لجان منفصلة، بدأت المماطلات والتسويف، مما اضطر معه وفد الحكومة إلي تعليق مشاركتهم في المفاوضات أكثر من مرة. ويبدو أمر التوصل إلي حل عبر التفاوض كما لو كان «سرابا» خاصة وأن هناك عوامل عديدة تصعب من الأمر، أولها أن هناك أطرافا في المفاوضات تدرك أن نجاحها يعني غيابها عن المشهد السياسي تماماً، وهناك فيتو متبادل علي شخصيتين بهذا الخصوص، الأول علي عبد الله صالح، وهناك من يربط بين إحلال السلام وعودة الاستقرار في اليمن، واختفائه من المشهد السياسي، الذي يحاول تصدره من جديد، أما باستعادة كامل السلطة، كما كان عليه الأمر قبل فبراير 2011 قبل ثورة الشباب، أو بالمشاركة فيها، والثاني الرئيس عبد ربه منصور هادي، خاصة وأن الطرف الثاني الحوثي وصالح يرفض أي دور له في المرحلة الانتقالية، ويعتبره جزءا من الأزمة، كما أنه لم يعد خافيا علي أحد أننا أمام خلاف حقيقي حتي داخل صفوف الحوثي بين تيارين، الأول يحاول تطبيع علاقاته مع السعودية، ويسعي إلي إجراءات لبناء الثقة، ويتفاوض بالفعل مع الرياض منذ فبراير الماضي، علي تهدئة الحدود المشتركة، وبدأ في عمليات تبادل للأسري، وبين تيار آخر متشدد، يري الحرب من منظور عقائدي ملتزم بوجهة نظر إيران. ويزيد من تعقيدات عملية التفاوض في الكويت، غياب الحسم في مواقف الأممالمتحدة، التي تكتفي بدور الوساطة بين الطرفين، وهو أمر مهم ومحوري، ولكن دون تحميل المسئولية للطرف المتسبب في تعطيل المفاوضات وعرقلتها، بل إن وفد الأممالمتحدة إحيانا ما يظهر أنه مستعد للتنازل عن تراتبية بنود القرار الأممي، نحن في هذه الحال في إعادة استنساخ لتجربة حزب الله في لبنان، وعندما تحول بأسلحته إلي دولة داخل الدولة، ويبدو أن البديل الوحيد المطروح هو «العلاج بالكي»، وللأسف الشديد، والاستمرار في العمليات العسكرية، وإعطاء إشارة البدء إلي عملية تحرير صنعاء، ومعها بقية المحافظات الواقعة تحت سطوة الحوثي، وهناك خطط من قوات الشرعية ومعها التحالف العربي لتقليل الخسائر، ناهيك عن عناصر المقاومة الموجودة في داخل مديريات العاصمة وفي انتظار إشارة البدء.