قد ابدو متشائما، عندما أتوقع نهايات غيرسعيدة للمفاوضات التي ترعاها الكويت، بين وفد الشرعية من ناحية، ووفد جماعة الحوثي ورجال صالح من جهة آخري، للخروج من المأزق اليمني الذي تحول من ازمة مستمرة منذ خمس سنوات، مازالت تراوح مكانها، دون أفق للحل، رغم انجاز الحوار الوطني، والالتزام بكل مقتضيات المرحلة الانتقالية، إلي صراع عسكري خرج من نطاقه اليمني، واتخذ أبعادا اقليمية، مرعليه اكثر من عام من عمليات عاصفة الحزم. مسارات الكويت توافر لها كل مقومات النجاح، بعد انتقالها إلي عاصمة عربية، بعد جولتي تفاوض فاشلتين في جنيف، كما ان الكويت ليست اي عاصمة، فلاتملك أجندة خاصة في اليمن، كما ان لها خبرة واسعة بالملف اليمني، من خلال ميراث طويل من علاقات التعاون والمساعدات الكبيرة التي تم استثمارها في مجالات البنية التحتية منذ الاستقلال حتي الآن، كما انه رغم وجودها في التحالف العربي ضد انقلاب صالح والحوثي في سبتمبر 2014، إلا ان مشاركتها تبدو محدودة قياسا بالسعودية او الإمارات، مسارات الكويت سبقتها حالة من التفاؤل، بعد الاتصالات واللقاءات التي عقدت بين مسئولين سعوديين وجماعة الحوثي، اثمرت التهدئة إلي حين علي الحدود اليمنية السعودية، يضاف إلي ذلك ما أشاعه المبعوث الأممي اسماعيل ولد الشيخ من اجواء مبشرة، علي اساس قبول جماعة الحوثي وصالح ببنود القرار 2216. ولكن الرياح تأتي بما لاتشتهي السفن، ومنذ اللحظة الاولي بدأ التسويف والمماطلات، وهي بضاعة تجيدها جماعة الحوثي وصالح، استفادة من مستشارين إيرانيين تم الاستعانة بهم، لنقل خبرات التفاوض الإيراني علي الملف النووي، ومن ذلك التأخر عن الوصول إلي الكويت لبدء عملية التفاوض، ومن جهة أخري عدم الالتزام بالهدنة التي تم الاتفاق عليها، تحت حجج واهية انها خروقات فردية، رغم اطلاق صاروخ باليستي علي الحدود السعودية، وهي عملية تتطلب موافقة جهات عليا، مع تشديد الحصار من جديد علي مدينة تعز .والأخطر هو اعادة احتلال مقر لواء العمالقة من جديد، استغلالا لالتزام الطرف الآخر بمقتضيات الهدنة، والذي كانت قواته تحرز أحد اهم الانتصارات الاستراتيجية، وهي استعادة مدينة المكلا، من قبضة تنظيم القاعدة، الذي استغل حالة الفوضي التي سادت اليمن بعد انقلاب الحوثي، وبدء عملية عاصفة الحزم، وقام باحتلالها في ابريل من العام الماضي. مايجري في الكويت هو صراع بين مشروعين، الأول يجسده وفد الشرعية، الذي يسعي للاستفادة من أخطاء الماضي، ويعزز فرص اقامة دولة مدنية عصرية في اليمن،معتمدا علي نتائج ثورة فبراير الشبابية في عام 2011 وماتلاها، من حوار وطني شامل شارك فيه الجميع دون استثناء او اقصاء لأحد، ووصل إلي نتائج ومخرجات توافق عليها الكل، تمثل حلولا لكل مشاكل اليمن وتحديداته. ومشروع آخر يقوده الحوثي يحاول العودة باليمن إلي كهوف القرون الوسطي، وسلطة الإمامة التي ثار عليها الشعب اليمني في سبتمبر 1962، مع اوهام وأضغاث احلام تراود صالح وجماعته، بالعودة إلي الحكم حتي لابنه احمد، وكأن شيئا لم يكن، ورفع العقوبات الدولية عنه. لقد اثمر هذا الصراع وجود اجندة مختلفة لكل طرف في المباحثات، وفد الشرعية يتمسك بتفيذ القرار 2216، والنقاط الخمسة التي تم التوافق بشأنها، وتتعلق بالانسحاب من المدن، وتسليم الأسلحة الثقيلة والمتوسطة، ومؤسسات الدولة إلي الحكومة الشرعية، والإفراج عن المعتقلين والمحتجزين، ووضع الترتيبات الأمنية،واستئناف العملية السياسية. اما اجندة الحوثي وصالح واللذان يسعيان إلي تنفيذها، والالتزام بها من المفاوضات،فهي «شرعنة الانقلاب علي الشرعية» في سبتمبر 2014، والاستيلاء علي العاصمة صنعاء. والأمر يتخذ طرقا وأشكالا مختلفة، منها كسب مزيد من الوقت لإعادة ترتيب الأوضاع علي الأرض،وتمركز القوات،هذا علي الصعيد العسكري، اما سياسيا فهو تكريس الاعتراف بهم دوليا وعربيا، علي انهم شركاء، طرف مفاوض يقف علي نفس المستوي مع وفد الشرعية اليمنية، بعد ان كانوا منذ سنوات قليلة، مجموعة متمردة مطاردة، ولهذا فهم يسعون من المفاوضات إلي البدء بالنقطة الخامسة، والمتعلقة باسئتناف العملية السياسية، ويتمسكون باتفاق السلم والشراكة، الذي وقعت علية الحكومة تحت وقع سلاح الحوثي، بعد استيلائهم علي العاصمة، وهم اول من نقضوه، بعد محاصرتهم للرئيس عبد ربه منصور هادي ورئيس الوزراء في ذلك الوقت خالد بحاح، ناهيك عن مطلب وقف الطلعات الجوية لقوات التحالف. نجاح مباحثات الكويت يحتاج إلي معجزة، في زمن قلت فيه المعجزات.