لماذا يكرهوننا؟ هل لأن الجنود المجهولين في هذه المهنة تواروا خلف الاستار ولم يعد أمام القارئ إلا أصحاب الياقات الذهبية من بين منتسبي الجماعة الصحفية نعم كانت صدمة عمري، العمر الذي انقضي منه ما يزهو علي أربعين عاما في بلاط صاحبة الجلالة، وإذا اضفنا الدراسة في كلية الإعلام أربع سنوات ونحن نتلمس أول خطوة في البلاط فهي إذن أربعة عقود ونصف كنا فيها ملجأ المستضعفين وحاضني آنات المعوزين وجسراً تعبر عليه زفرات وآهات المعذبين في الأرض. فجأة جاءت الصدمة مع مساء الأحد الماضي عندما تم القبض علي زميلين من داخل النقابة واشتعال مواقع التواصل الاجتماعي، كعادتي تريثت في الادلاء بدلوي في مثل هذه المسائل الشائكة وقلت انتظر حتي تتضح الرؤية قليلا من خلال متابعتي الميدانية مع الزملاء ومتابعة تعليقات مختلف الأطياف والأعمار والانتماءات علي ما نسميه مواقع التواصل الاجتماعي والتي تحولت علي يد البعض إلي مواقع للتشاحن والتباغض أو كما يوجزونه في تعبير مواقع التفسخ الاجتماعي. لم أجد واحداً من خارج الوسط الصحفي علي هذه المواقع إلا وكانت كلماته إما شماتة أو تحقيرا وتسفيها لمواقف الجماعة الصحفية من الاقتحام الذي لا أتطرق إليه في هذه السطور، ولكنني أتناول جانبا آخر من القضية وهو موقف المعلقين والمدونين علي صفحاتهم الخاصة أو تعليقاتهم علي ما كتبه زملاء صحفيون حول المشكلة. الصدمة تمثلت في أنه حتي لحظة كتابة هذه السطور في ساعة متأخرة من مساء أمس الأول الثلاثاء لم أجد رأيا واحدا يؤيدنا أو يتجاوب مع الصحفيين في الموقف الذي اتخذوه أو يطالبون باتخاذه من خلال جمعيتهم العمومية التي عُقدت بعد ساعات من كتابة هذه اليوميات. فلندع معارك الصحفيين بينهم البعض علي صفحات التواصل جانبا، فهم أصحاب الأقلام وأصحاب الرؤي ولكل منهم وجهته التي يوليها مغرضا كان أو عن قناعة أو بحسن نية، ولكن ما دونه الكثيرون من خارج الوسط الصحفي جعلني اقف مع نفسي وأتساءل: ألهذا الحد يصل بكل هؤلاء - دون استثناء - لكراهيتنا، ماذا فعل بنا الزمن أو ماذا فعلنا بأنفسنا حتي نصل إلي هذه الدرجة في علاقتنا مع هذا الجمهور العريض من رواد مواقع التواصل الاجتماعي؟ في قضية الأطباء كنت تجد المؤيد والمعارض من خارج الوسط الطبي، ولكنك لم تجد أبدا معارضا من داخل هذا الوسط، كل كان علي قلب رجل واحد، أما المؤيدون فإما منهم من لا ينسي فضل طبيب أغاثه في لحظة ما، أو أن له من يمت له بصلة القرابة في عالم الأطباء أو من يري فيما حدث كارثة إذا ما امتثل هؤلاء للاضراب أو التوقف عن مداواة مرضاهم. أما المعارضون فإما مريض اكتوي بخطأ مهني جسيم أو وقع بين سندان البحث عن سرير في العناية المركزة واستغلال الأطباء له وعشرات من الأسباب التي تجعله يقف ضد ما فعله الأطباء في جمعيتهم العمومية. اذن نحن في حالة الأطباء أمام مس مباشر لمصالح من هم خارج الوسط الطبي وأي رد فعل سيكون له تأثيره عليهم، أما في حالة نقابة الصحفيين فقد استغني الكثيرون من الناس عن الصحف واكتفوا بالشبكة العنكبوتية والفضائيات. اذن لم نعد نمثل لهؤلاء القيمة التي كان يمثلها رواد المهنة وأساتذتنا، ولم نعد الملجأ والحصن الذي يؤوي كل مظلوم ولم نصبح بالنسبة لهم كما كانت أجيال سبقتهم بالنسبة لأجيال صحفية سبقتنا نحن. هل هؤلاء لا يرون من الصحفيين إلا من هم «علي وش القفص» كما يقول المثل، أي هؤلاء الزملاء الذين تربعوا علي عرش برامج التوك شو وتلوك الألسنة ما يتقاضونه من رواتب تحت ادعاء انها ملايين الجنيهات ثمن المتاجرة بهموم الشعب وآلامه، وأصبح هؤلاء الذين يتصدرون المشهد هم الانطباع الوحيد الذي يخرج به الرأي العام عن الصحافة والصحفيين. نعم لا ننكر اننا كمهنيين مثل أي مهنيين آخرين ستجد دائما الصالح والطالح، ولا نلوم من لا يري إلا البقعة السوداء في الثوب الأبيض، بل ربما أصبح سواد هذا الثوب غالبا علي أي بياض فيه. نعم لا ننكر اننا نعيش في منظومة شاملة تعم المجتمع كله بمختلف طوائفه ضاعت فيها قيم ومبادئ ومُثل واختفي فيها صوت العقل وسيطرت الغوغائية علي كثير من قضايانا، لم نعد نقدر قيمة الاختلاف ولا نعي قوله سبحانه «ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة» لا يريد كثيرون منا إلا أن يسمعوا صوت أنفسهم ولا يريد الأكثر أن ينحي القلب والعاطفة جانبا وأن يعي بعقله كل موقف ويتريث قبل أن ينطق أو يكتب وأن يكون علي يقين انه سيدفع ثمن ما قاله - إن كان شرا- إن عاجلا أو آجلا وسيجني أيضا ثمار ما قاله - إن كان خيرا- إن عاجلا أو آجلا. وهنا مربط الفرس، الكل يري فيما ينطق به أو يقوله الخير.. كل الخير.. ولا أحد أبدا يقر بأنه علي خطأ وإذا ما حاول أحدهم توجيهه بالحسني انقلب عليه واعتبره عدوه الدود، كل منا معجب بعقله كما تقول الحكاية في بداية خلق الانسان فعندما تم توزيع الأرزاق نظر كل واحد إلي ما في يد الآخرين، وعندما تم توزيع العقول أُعجب كل منا بعقله! ومازال السؤال مطروحا.. لماذا يكرهوننا أو بالأحري لماذا أصبحوا يكرهوننا رغم أن من بيننا من دفع حياته ثمنا للبحث عن الحقيقة واستهلك عمره وصحته في الذود عن المظلومين، وما منا عبر مشوار عمره المهني إلا وكان سببا في عودة حق لصاحبه أو رسم ابتسامة علي شفاه كادت أن تضمر من الشقاء. لماذا يكرهوننا؟ هل لأن الجنود المجهولين في هذه المهنة تواروا خلف الاستار ولم يعد أمام القارئ إلا أصحاب الياقات الذهبية من بين منتسبي الجماعة الصحفية، هل لأن جيلا جديدا لم يجد مكانا فيما هو قائم من دور صحف ومجلات فاتخذ لنفسه سبيلا في مواقع إليكترونية لم يجد في طريقه من يأخذ بيده ويرتقي به درجة درجة في سلم المهنة.. وهل هي كما يفسرها بعض الزملاء هجوم مرتب لتأليب الرأي العام ضد موقف الصحفيين العادل؟! هل.. وهل.. وهل..؟ اسئلة كثيرة تتوارد إلي الذهن وفي النهاية لا أجد لها إلا اجابة واحدة: إنهم يكرهوننا. شريف عبدالقادر محمد هو أشهر قارئ صحف في السنوات الأخيرة، يذكرني بالراحل عيسي متولي الذي أطلق عليه الساخر الأعظم أحمد رجب لقب أشهر قارئ صحف.. لاينام شريف عبدالقادر قبل أن يتوجه ليلا إلي ميدان السيدة زينب حيث منطقة سكنه لاقتناء جميع إصدارات الصحف التي يعرفها المصريون وقضاء الليل في التهامها والاحتفاظ ببعض من قصاصاتها ليبدأ في التواصل مع أصحابها سواء كانت مقالات رأي أو أخباراً، فيعقب عليها ويرسلها عبر جهاز الفاكس إلي المكان الذي صدرت منه أو يوجهها إلي صاحبها مباشرة إذاكان من الكتاب. وتيقنت من هذه الرحلة اليومية لشريف عبدالقادر محمد مع اتصاله شبه الدائم بي بعد الحادية عشرة مساء ليشكو من تأخير وصول نسخ الأخبار المحببة إلي وجدانه أو ليخبرني بخطأ ما في الطبعة الأولي من النسخة التي بين يديه مطالبا بسرعة تصحيحه في الطبعتين الثانية والثالثة. وأتصور أن شريف عبدالقادر محمد صحفي ضل طريقه إلي عالم المحاسبة حيث كان محاسبا في احدي شركات النقل البحري حتي خروجه للمعاش وسخر وقته كله للاطلاع علي الدوريات اليومية والاسبوعية والتواصل مع معظم الكتاب وخاصة هؤلاء المشرفين علي صفحات بريد القراء أو صفحات الرأي في الصحف المختلفة. وإذا كان هناك من يكرهوننا حتي لو تم دفعهم إلي ذلك فإن هناك الكثيرين ممن يحبوننا، فقد أعادني ولع شريف بالصحافة إلي أربعة عقود مضت عندما بدأت العمل متدربا بباب إلي محرر الأخبار وتذكرت بعضا من القراء الذين كانوا يحرصون علي التواصل عبر البريد العادي مع صحفهم المفضلة وأذكر منهم محمد لطفي خلف الذي كان يذيل توقيعه بلقبه الوظيفي مدير عام شكاوي الشركات سابقا، و«ايضا» ابوالحجاج الاقصري وفاروق مشهور هندي أمد الله في عمره ومحمد أمين عيسوي من الاسماعيلية واصبح بدلا منه في الأيام الحالية محمد مصطفي درويش ابن الاسماعيلية أيضا والذي يتواصل دائما مع باب إلي محرر الاخبار، كل هؤلاء لايكتبون أبدا في قضايا شخصية، كل آرائهم تتعلق بقضايا عامة يطرحون فيها الحلول قبل أن يطرحوا المشكلة ويستعرضوا جوانبها ومازال شريف عبدالقادر محمد متمسكا بقلمه لم يلجأ بعد إلي الشبكة العنكبوتية ليكتب آراءه ويبثها عبر البريد الاليكتروني إلي الكاتب الذي يريد أو الصحيفة التي يود مراسلتها. وأمس جاءني منه عبر جهاز الفاكس تعليقا علي مقالي نقطة في بحر ص19 عدد الأمس وكان عنوانه مريض نفسي.. كتب يقول : قرأت ماسطره قلمك بعنوان مريض نفسي، والحقيقة فمن النادر أن نسمع عن شفاء مريض نفسي بالمستشفيات الحكومية أو الخاصة. كما أن المستشفيات الحكومية خاصة كان يزج بالبعض من معارضي الانظمة السابقة بها للتخلص منهم ليأخذوا «أرضية» من المرضي فعلا ليمرضوا وتسوء حالتهم، وهناك فئة تجد في المستشفيات ملاذا آمنا لها وهم المجرمون المسجلون خطر الذين يرتكبون جرائم قتل فهؤلاء يدعي محاموهم انهم مرضي عقليا ويطلبون من المحكمة ايداعهم تحت الملاحظة بمستشفيات الامراض النفسية.. ومنهم من يستمرون في التمارض بأحكام أو يهربون، وقد فعل ذلك كثيرون، منهم مجرم كان مأجوراً لحزب العمل وخاصة في الانتخابات واستخرجوا له كارنيه عضوية بالحزب برغم ادارته لغرزة تعاطي حشيش. وعندما قتل ابنه الصبي لتهديد الشرطة ثم صعد أعلي برج اللاسلكي بقسم الشرطة وصورته صحيفة الحزب علي انه بطل فتم إيداعه مستشفي العباسية تحت الملاحظة ثم هرب وعاد بعد سنوات وقتل عامل اصلاح أحذية وتم إيداعه مستشفي العباسية وهرب منها أيضا. كما أن بعض المجرمين يدعون الجنون ويحققون من وراء ذلك نفوذاً وسطوة للابتزاز والسرقة لخشية الناس منهم لأن المجنون لايحاكم حسب الشائع بين الناس. وهذا يحتاج لتشريع قانون مغلظ لمدعي الجنون. إهدار ثروات البلاد والعباد وبما أننا مع القراء الذين يحبوننا فهذه رسالة أخري من عاشق الأخبار الاستاذ الدكتور الصنفاوي محمد الصنفاوي الباحث الزراعي يقول : الأراضي الزراعية القديمة ذات الخصوبة والجودة العالية التي تكونت عبر آلاف السنين في الوادي والدلتا، أصبحت مهددة بالانقراض.. هذا واقع لا يمكن إغفاله وإنكاره كسطوع الشمس وقت الظهر، وهذا لا يحتاج إلي إثبات أو دليل. التعدي علي الأراضي الزراعية التي هي ملك الأجيال القادمة، فاق كل حدود التصور، ويجري علي قدم وساق وتحت سمع وبصر كل الجهات والأجهزة الرقابية التي من المفروض أن تحمي الأرض التي هي رئة الشعب وقلعة الغلال والثمار. وتعرضت البقعة الخضراء للعبث علي أيدي من ينظر تحت رجليه ولمصلحته الشخصية وكل الشعب المصري هو الخاسر الأكبر، وكذلك الأجيال القادمة. فأصبحت البقعة الخضراء عبارة عن غابات من كتل الاسمنت والخرسانة القبيحة المنظرة التي تزحف بضراوة كالوحش المفترس والحوت علي مساحات الأمل والمستقبل مع كل إشراقة شمس وليلا ونهارا كالخناجر المسمومة في قلب مصر.. ومتي سيتوقف هذا الاعتداء الهمجي. حتي اننا فقدنا في ال20 سنة الأخيرة أكثر من مليون ونصف المليون فدان، وازداد التجريف والتبوير للأراضي الزراعية في السنوات الأخيرة مع الانفلات الأمني فأصبحنا نفقد مصادر غذائنا بدلا من زيادتها وتنميتها لرفع الإنتاج. وأنت تسير علي أي طريق رئيسي أو فرعي أو مدخل أو علي ترعة صغيرة أو مصرف، فأنت تسير وسط الغابات الخرسانية التي توارت وراءها. المساحات الخضراء المنتجة للغذاء الذي لا يفي باحتياجاتنا الآن، فما بالك مع الزيادة السكانية الرهيبة، من أين سنوفر لها الغذاء ونحن الآن أكبر مستورد للقمح في العالم، وكذلك الزيوت والسكر واللحوم. وحتي الأراضي المستصلحة علي الرغم من انخفاض جودتها وخصوبتها بالمقارنة بأرض الوادي، قام السادة المستثمرون بتحويلها الي منتجعات وكمباوندات تحت سمع كل أجهزة الدولة. والغريب بل العجيب أن هذه المباني والمساحات الشاسعة من الأراضي التي يتم تجريفها، يتم توصيل المرافق لها من قبل كل هيئات وجهات الدولة المسئولة والبعض من ذوي الذمم الخربة، الذين لا يهمهم إلا ما يدخل وتمتلئ به جيوبهم من رشاوي لا تعد ولا تحصي.. فمن أين نأكل ونحصل علي الغذاء وكذلك الأجيال القادمة؟! لكِ الله يا مصر.