فيما البلطجية يروعون الشعب المصري في مختلف المحافظات المصرية نهارا وليلا , ويصبح الحديث عن دفع الاتاوات أمرا محسوما علي الطرق الدائرية بل في الطرق الداخلية كذلك . وفي الوقت الذي تستمر فيه الاعتصامات والاضرابات والمظاهرات هناوهناك من موظفين وعمال في مؤسسات عامة أو خاصة لاستغلال الظروف لفرض مطالبهم مشروعة كانت أو غير مشروعة . وفيما عمال اليومية في مصر الذين يقدر عددهم بسبعة عشر مليونا لا يجدون قوت يومهم , وبينما يهدد أحدهم - مستأسدا - باغلاق ميدان التحرير غدا الجمعة ما لم تتحقق كل المطالب . وفي الوقت الذي توقفت فيه معظم الأسر المصرية عن ارسال أولادها الي المدارس خوفا من تهديدات البلطجية , وفيما ضباط الداخلية يتظاهرون ويهددون بتقديم استقالاتهم بسبب تعرض بعضهم للبطش من جانب المواطنين، وفيما عشرات الآلاف من المصريين العاملين في ليبيا يعودون الي أرض الوطن بفعل الثورة هناك ضد حكم العقيد القذافي وينتظر نحو مليون آخرون العودة , وبينما طلاب ومدرسو الثانوية العامة يتظاهرون مطالبين بإلغاء أو تأجيل امتحانات الثانوية العامة بسبب انشغال الطلاب في اللجان الشعبية لتعويض الغياب الأمني , وتعلن وسائل الاعلام عن قيام عصابات من البلطجية الملثمين باقتحام مخزنين للآثار في منطقة الهرم وسرقة كل محتوياتها . وفي نفس الوقت الذي توقفت فيه تقريبا معظم المشروعات الاستثمارية الخاصة القائمة وبدأ الكثيرون من المستثمرين يبحثون بجدية عن الخروج باستثماراتهم خارج البلاد ببساطةلأن حالة الفلتان في مصر صارت تخلط الصالح بالطالح في مشهد لا عقل فيه بالمرة خصوصا وأن هذه المشروعات الخاصة توفر تقريبا نحو 70 ٪ من الوظائف للمصريين , تواترت بعض تفاصيل الاجتماع الذي عقده أمس الأول الثلاثاء المشير حسين طنطاوي، رئيس المجلس الأعلي للقوات المسلحة، والفريق سامي عنان، نائب رئيس المجلس الأعلي للقوات المسلحة، بكل من الدكتور محمد البرادعي المدير السابق للوكالة الدولية للطاقة الذرية، والدكتور كمال الجنزوري رئيس الوزراء الأسبق، وعمرو موسي أمين عام جامعة الدول العربية، والدكتور أحمد كمال أبو المجد، والمستشار فاروق سلطان، والمستشار سري صيام رئيس مجلس القضاء الأعلي، والمستشار كمال لمعي، ورجل الأعمال نجيب ساويرس، والكاتب الكبير سلامة أحمد سلامة لعرض الموقف وطلب المشورة في سبل الخروج من الورطة . وكانت المعلومات التي تواترت في غاية الخطورة ولذا لابد من الكشف عنها والتركيز عليها لاشراك مختلف فئات الشعب المصري في مناقشتها . فقد نقلت المصادر ان المشير طنطاوي أكد أن البلاد تمر حاليا بفترة هي الأصعب، خصوصا مع نقص المخزون من القمح ليكفي لمدة شهرين فقط، ، لافتاً إلي أن طن القمح قد ارتفع في الأسابيع الأخيرة من 210 دولارات إلي 420 دولاراً، وهذه تعتبر مؤشرات غير جيدة علي الإطلاق. وأوضح المشير طنطاوي أن مرتبات العاملين بالدولة يوجد بها مشاكل عدة هذا الشهر، وخاصة بعد شكوي رئيس الوزراء أحمد شفيق له بأنه "غير قادر علي تجهيز المرتبات هذا الشهر "، لافتا إلي أن الأمن القومي للبلاد الآن في مرحلة تحول قد تضر به. ودارت المناقشات أيضا حول الموقف الأمني، وتأثيره علي أمن الوطن، والمواطنين والسلبيات الواقعة علي الاقتصاد المصري، وتعرض البلاد لخسائر فادحة ما لم يتم وضع الضوابط والآليات لتجنب ذلك. ان الصورة التي تتناقلها كل وسائل الاعلام المصرية والعربية والعالمية عن الوضع داخل مصر لا يمكن أن تشجع علي عودة السيادة أو تدفق استثمارات جديدة في المستقبل المنظور بل انها تهدد الاستثمارات القائمة بالفعل بعد استمرار ايقاف التعامل في البورصة المصرية الأمر الذي يهدد بخروج الأجانب من السوق المصرية . وهنا لابد من وضع النماذج العملية أمام الناس فما اعلنه الفريق شفيق عن صعوبة تدبير المرتبات لهذا الشهر هو أمر أكثر من خطير . وطبقا للمعلومات التي تناثرت - من داخل الاجتماع - حول سبل الخروج السريع من الأزمة وأهمها من وجهة نظري هو اعفاء اللواء محمود وجدي وزير الداخلية من منصبه نظرا لما أحاط اختياره من أمور تتعلق بعلاقاته الوثيقة ببعض رموز النظام السابق وعلي رأسهم زكريا عزمي رئيس ديوان رئيس الجمهورية السابق والمعارضة التي يواجهها من كبار القيادات في وزارته . واذا لم يكن اللواء نبيل العزبي محافظ أسيوط جاهزا لتولي المهمة فانني لا أري مانعا من تولي شخصية عسكرية قيادة وزارة الداخلية والاعتماد علي قيادات الصف الثاني في المراكز القيادية وابعاد اللواءات القدامي باستثناء من يمتلكون شعبية وسط الجماهير . وربما يكون هذا هو الحل الأنسب لاعادة ضباط الشرطة الي مواقعهم وضمان تعاون أفراد الشعب معهم وترك المهام غير الشرطية مثل ادارات المرور والوثائق الشخصية وغيرها ليتولاها مدنيون. وربما سيكون الفريق أحمد شفيق هو أول من سيسعده للغاية التخفف من الحمل الثقيل بعدما صار مطلب اقالته هو الأكثر ترددا - رغم كل الجهود التي يبذلها - وقد يكون إلقاء المسؤولية علي عاتق الدكتور كمال الجنزوري رئيس الوزراء السابق حلا جماهيريا . ولا أعتقد أن تغيير المستشار ممدوح مرعي وزير العدل سيكون صعبا بعد البلاغات المقدمة ضده الي النائب العام من جانب عدد كبير من القضاة . وكذلك تغيير وزير الخارجية أحمد أبو الغيط بواحد من وكلاء وزارة الخارجية والابقاء عليه لفترة مستشارا للمجلس الأعلي للقوات المسلحة لأهمية ما لديه من ملفات . ويبقي وزير البترول الجديد المهندس محمود لطيف الذي يبدو أن اختياره تم علي عجل بدليل استدعائه لمكتب النائب العام منذ يومين باعتباره عضوا بمجلس ادارة الشركة التي تقوم بتصدير الغاز لإسرائيل. واجمالا أعتقد أن الشعب مدعو الي التكاتف مع المجلس الأعلي للقوات المسلحة لتوحيد الصفوف في مواجهة الأزمة المالية، وتوفير رغيف العيش أولا، وأيضا دفع العجلة الاقتصادية مرة أخري حتي يعود الاستقرار. وليتحقق هذا الهدف فلابد من ادراك أهمية استمرار الحرية الاقتصادية، وتشجيع القطاع الخاص الوطني الشريف ورجال الأعمال الجادين في دعم الاقتصاد المصري. وهذا لن يتأتي سوي بأن يراعي الخطاب الإعلامي مصلحة الوطن والمواطنين في هذه الظروف دون النظر لأي مصالح أو اعتبارات أخري. فالحرية الحقيقية هي الحرية المسؤولة والديمقراطية الحقيقية هي ديمقراطية البناء لا الهدم والتخريب واشعال الحرائق في كل اتجاه . حفظ الله مصر وطنا للعدل والحرية والأمن والأمان .