عجيب أمر هذا الشعب العظيم..جنن العالم بعبقريته، وقدرته علي ان يكون الشييء وضده في نفس اللحظة.. أن يكون ثائرا وساخرا معا.. غاضبا وفكها في نفس الوقت.. هو محمود المليجي واسماعيل ياسين .. هاريسون فورد وروبين ويليامز.. عبد الوهاب وهوبا في روح واحدة.. ثنائية فريدة وعجيبة لا تجدها في اي شعب آخر، فهويسخط بأقوي الهتافات الخارقة الحارقة المارقة "إرحل بقي ياعم، خلي عندك دم" ثم يحبس بعدها بأحلي نكتة: "الوحيد الملتزم بحظر التجول هو الرئيس، قال لجمال: اقعد ياعم هي ساعة الحظر تتعوض". لقد نسفت هذه الثورة نظريات علمي النفس والاجتماع القديمة التي تقول ان المصري بينكت علي روحه تنفيسا عن الغضب المكتوم في صدره والذي لا يستطيع ان يخرجه في صورة احتجاج او اضراب او مظاهرة لانه بيخاف من خياله، وهي فرضية لاتستقيم الان مع ثورته وهبته وانتفاضته في ميدان التحرير ومحطة الرمل وحي الاربعين وغيرها من الاحياء المصرية الثائرة.. هو هنا يمارس فعل التمرد علي الحكم الاستبدادي في انقي وانبل صوره، ويلجأ الي التنكيت في نفس تلك اللحظة الثورية . لقد سقطت نظرية: النكتة بديلا عن الثورة والاحتجاج. واصبح المصري يستخدم الاصل والصورة، ويتجه بثورته وشعاراته وهتافاته ولسانه اللاذع وقفشاته الحراقة الي رأس النظام دون الحاجة الي اللجوء الي الرمزاو الكناية، لقد قفز بالفعل من التوريه الي الثورية ولم يعد يأبه لديكتاتور فظ غليظ القلب، فليس بعد الدم ذنب، ويا روح ما بعدك روح. اعتقد ان الامر يحتاج الي مراجعة لتلك النظريات المعلبة سابقة التجهيز فنحن امام لحظة جديدة فارقة في زماننا تحتاج الي بحث ودراسة متأنيين، وإن كنت اري ان المصري كريم العنصرين رد علي الحكم الشمولي بالثورة الشمولية: فهو بالنهار حارس للثورة( بالتظاهر) وبالليل حارس لبيته (باللجان الشعبية) وبينهما حارس لخفة دم الشعب المصري (بالتنكيت )خوفا من ان تضيع وسط جبال الغضب علي النظام لعظم قدر المهمتين الاخريين. هي ثورة الكلمة والنكتة والهتاف واللافتة .. يد تهتف وفم يردد النكتة.. ومع كل هذه المهام لم ينس المصري ابدا اعداءه الذين حاولوا تشويه صورته والادعاء كذبا بأن هذه الملايين لم تكن الا قلة مندسة، تأكل "الكنتاكي" في حين انها لم تعرف الا "الشبراوي" وتقبض اليوروهات مع انها لم تمسك بأكثر من الجنية الحديدي، فراح يسلط لسانه ونكته السليطة عليهم: " سألوا في امتحان التيرم التاني: ليه التلفزيون المصري كان دايما مثبت الكاميرا ع النيل ؟ اختر الاجابة الصحيحة من الاتي: - النيل هو المكان الوحيد اللي مش حيقدر يقف المتظاهرون فوقه - عشان يجيبوا اعلانات من بتوع السميط والبيض. - خايفين من زحمة المواطنين في المجمع وشوادر العزا في عمر مكرم. - عشان يصوروا اللحظة التاريخية لما النيل ينشق ويبلع مبارك زي البحر ما بلع فرعون. - مستنيين السمك يخرج يقول نعم لمبارك". وهكذا وبكل بساطة فضحت النكتة خيبة التليفزيون المصري دون تقعير او تنظيروكشفت عن إخفاقه في رسالته وتطفيشه للمشاهدين ودفعهم دفعا إلي قناة الجزيرة، ثم يجلس بعض محاسيب ومجاذيب هذا التليفزيون ليلعنوا أبو الجزيرة: نعيب الجزيرة والعيب فينا وما للجزيرة عيب سوانا. مع الاعتذار لشطرة الشعر الشهيرة. ببساطة التليفزيون ضحكني وضحك الناس علي. اما انت ايها الشعب العظيم، فاستمر بروحك الثائرة، الساخرة التي هزت عروش الظالمين، حاربهم بالنكتة والايفيه والهتاف المدوي. والحمد لله أن أصبحت مضحكا بعد أن كان مضحوكا عليك. سمعت آخر نكتة: - الشعب الليبي وجه رسالة للعقيد القذافي: ايه رأيك سيادة القائد .. الاتنين الجاي يناسبك ؟ خير البر عاجله يا مثبت العقل والدين يارب.. القذافي ظهر مرة بجوار توك توك، واخري ألقي خطبة من خرابة، وبسبب كل هذه المانخوليا والاستنجالينا والغرغرينا الدماغية تستعد "اسراطين" لمنح اللجوء السياسي للاخ العقيد. ماذا ننتظر ممن دافع في محاكمنا الشريفة عن الجاسوس الاسرائيلي عزام عزام، الا ان يدافع عن سفاح المصريين، طاغوت الداخلية. حقا"ديب" علينا وامام الفلوس نعامة. الم يكتفي هذا الفريد بأن يلوث رصيده بأموال الصهاينة، الا يكفيه ان يضرب بالحذاء مرة عند الخروج من محاكمة الجاسوس الاسرائيلي. لماذا كل هذا الاستفزاز والتحدي للشعب. عبد الناصر ترك مصر(مهزومة) والسادات تركها ( مسجونة)ومبارك غادرها (منهوبة).